أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

بين الإنجازات الوهمية وواقع المعاناة: الحكومة أمام امتحان المحاسبة السياسية

جريدة أصوات

أصوات من الرباط

تحليل بقلم إدريسي فاطمة الزهراء، دكتوراه في القانون العام وعضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية.

 

بعد فترة من الصمت، ظهر أخيرًا رئيس الحكومة خلال اجتماع داخلي مع فريقه البرلماني، في إطار التحضير للدخول السياسي. كان اللقاء يهدف بشكل أساسي إلى تقديم “توجيهات” تتعلق بـ”الدفاع عن الأغلبية الحكومية”. هنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: أين المواطن من كل هذا؟.

 

فالأعضاء البرلمانيون، قبل أن يكونوا ممثلي الأغلبية، هم في الأساس ممثلو الأمة. هم صوت المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيهم ليعبروا عن مصالحهم، وليس لمجرد المحافظة على تماسك سياسي هزلي، تتصارع أجنحته حول من يقود حكومة لم تُظهر جدوى في خدمة قضايا المجتمع.

 

تصريحات رئيس الحكومة لم تكن مفاجئة. فمنذ توليه منصبه، لم يبذل جهدًا يُذكر في استجابة لتقارير المؤسسات الوطنية التي تُحذر من التدهور الاقتصادي والاجتماعي. وقد تم اختزال دور البرلمان في مناسبات استعراضية، حيث يستعرض رئيس الحكومة “إنجازات” لا تترك أثرًا في حياة المواطن اليومية.

 

التركيز الأخير لرئيس الحكومة على مكاسب الأغلبية يعكس قلقًا سياسيًا حقيقيًا، خاصةً مع ما رافق الدخول البرلماني من فضيحة صرف دعم بمبلغ 13 مليار درهم لاستيراد المواشي دون أي تأثير إيجابي على أسعار اللحوم، ودون مراقبة أو محاسبة.

 

في البلدان التي تحترم ديمقراطيتها، كانت هذه الفضيحة كافية لاستقالة الحكومة، لكن في المغرب، تبدو الأمور مختلفة. يُعترف بعض أعضاء الحكومة بهدر المال العام، ويُفاد بأن الحكومة تتجاهل مطالب تشكيل لجنة تقصي الحقائق بالمقابل.

 

تشكيل لجنة تقصي الحقائق هو حق دستوري تمارسه المعارضة في رؤية غياب الشفافية الحكومية، وضعف التواصل، وغياب الأجوبة المقنعة حول الشؤون المهمة مثل الأمن الغذائي. فكيف يُصرف دعم ضخم دون أثر على الأسعار، ومن يستفيد منه بالضبط؟

 

لجنة تقصي الحقائق ليست وسيلة للمزايدات السياسية كما يدّعي رئيس الحكومة، بل أداة دستورية لجمع المعطيات وتحديد المسؤوليات، وتفعيل مبادئ المساءلة كما ينص عليه الدستور. قد يفضي تقريرها إلى محاسبة سياسية أو إحالة الملف على القضاء.

 

لكن الحكومة بدت غير مكترثة، وبدلًا من الانخراط في آلية رقابية دستورية، يتم توجيه تحذيرات للبرلمانيين بعدم التعاون مع المعارضة حول تشكيل لجنة تقصي الحقائق، مما يعكس موقفًا يتجاهل حق المواطنين في معرفة الحقيقة.

 

نُطالب بتساؤلات مشروعة: لماذا تعاني القدرة الشرائية؟ لماذا لم تنخفض أسعار اللحوم مع الدعم؟ من المستفيد الحقيقي من هذه الأموال؟ ولماذا تُبقي أسعار المحروقات مرتفعة رغم التراجع العالمي؟ يبرز هذا الفشل رغبة رسمية في إضعاف المؤسسات والتهرب من المحاسبة.

 

إن إضعاف مؤسسات الدولة والتضييق على الرقابة يُغذي شعور اليأس لدى المواطنين، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مصالحة حقيقية تقوم على الشفافية والعدالة والمساءلة.

 

التعليقات مغلقة.