أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

تارودانت.. القطاع التعاوني رافعة أساسية لتثمين زيت الأركان

جريدة أصوات

 يشكل القطاع التعاوني بإقليم تارودانت دعامة أساسية في جهود تثمين زيت الأركان، باعتباره منتوجا مجاليا ذا قيمة اقتصادية وثقافية وبيئية عالية، أسهم بشكل ملموس في تحسين دخل النساء القرويات وتعزيز دينامية التنمية المحلية المستدامة.

وبفضل سياسة تشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، خاصة من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومخططات التنمية الفلاحية، شهد الإقليم توسعا ملحوظا في عدد التعاونيات النشيطة في قطاع الأركان، أغلبها نسائية، تعمل على استخراج الزيت بطرق تقليدية وعصرية، مع احترام معايير الجودة والتسويق.

كما تلعب هذه التعاونيات دورا محوريا في الحفاظ على سلسلة إنتاج الأركان، بدء من الجني، مرورا بالتقشير والطحن، وصولا إلى التعبئة والتسويق، ما يساهم في خلق فرص شغل قارة، وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية لعدد من الأسر.

وفي هذا الإطار، تندرج التعاونية النسوية “تيزنكاضين” بجماعة أولوز، التي اختارت مجال إنتاج وتسويق زيت الأركان ومشتقاته، بهدف تثمين المنتوج المحلي، وتنمية وضعية المرأة القروية، والمساهمة في الحفاظ على شجرة الأركان المصنفة كموروث طبيعي عالمي.

وتهدف هذه التعاونية التي انطلقت سنة 2021 بما مجموعه تسع نساء، إلى استثمار ثمار شجرة الأركان وتحويلها إلى منتجات قابلة للتسويق، وتعزيز تموقع زيت الأركان المغربي الأسواق الوطنية والدولية، من خلال اعتماد معايير جودة دقيقة، وتقنيات استخلاص حديثة تحافظ على الخصائص الطبيعية للمنتج.

وفي تصريح لمصادر صحفية، أوضحت رئيسة التعاونية النسوية “تيزنكاضين”، فاطمة أوبلعيد، أن المشروع أسهم في تحسين الظروف المعيشية للنساء المستفيدات، مضيفة أن التعاونية تعمل على تكوين العضوات في مجالات الإنتاج، والتسويق، والتعليب.

وأضافت أن إنتاج زيت الأركان يمر بعدة مراحل، تبدأ بجني الثمار مع بداية شهر غشت من كل سنة، ثم تقوم النساء بتجفيفها تحت أشعة الشمس، تليها مرحلة إزالة القشرة، واستخراج لوزة الأركان (الزنين)، ثم تحميصها وطحنها وعصرها لاستخلاص زيت الأركان، مشيرة إلى أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا.

من جانبه، أشار عمر الملولي، الباحث في علوم النباتات بجامعة ابن طفيل، في تصريح مماثل، إلى أن شجرة الأركان، التي يتم الاحتفاء بها في 10 ماي من كل سنة، ضمن اليوم العالمي لشجرة الأركان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2021، تمر بمراحل نمو بطيئة نسبيا، تبدأ من الإنبات وتستغرق ما بين 5 إلى 8 سنوات قبل أن تبدأ في الإثمار، فيما تبلغ نضجها الكامل بعد حوالي 25 إلى 30 سنة.

وأكد أن هذا النمو البطيء يجعل من الحفاظ على الشجرة وتثمين منتجاتها أولوية بيئية واقتصادية كبرى، خاصة في ظل التغيرات المناخية، مبرزا أن دور شجرة الأركان لا يقتصر على الفوائد الغذائية والاقتصادية التي تقدمها لشرائح واسعة من السكان، بل يمتد إلى دور بيئي مهم، خصوصا في زمن تعاني فيه الأرض من التغيرات المناخية، حيث تعد الشجرة المغربية الفريدة من نوعها من بين الأشجار المقاومة للجفاف والتصحر.

وتجسد تجربة تعاونية “تيزنكاضين” الدينامية المتزايدة التي تعرفها المبادرات النسائية القروية في المغرب، والتي تعد رافعة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تمكين النساء اقتصاديا، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتثمين المنتجات المحلية، مما يسهم في بناء اقتصاد اجتماعي وتضامني أكثر شمولا وعدالة.

وتعد شجرة الأركان الفريدة من نوعها، رمزا للتراث الطبيعي والثقافي المغربي، كما تعتبر عنصر أساسي في النظم البيئية الجافة وشبه الجافة، ومصدر رزق لآلاف النساء في العالم القروي، وتفتح آفاقا جديدة للتعاون في مجالات البحث العلمي، والتنمية المستدامة، والتسويق العادل للمنتجات المشتقة منها.

ولضمان استدامة هذه الدينامية، تعمل مؤسسات عمومية وشركاء التنمية على تعزيز قدرات الفاعلين المحليين في سلسلة الأركان، من خلال التكوين، والدعم اللوجستي، وتسهيل الولوج إلى التمويل، إلى جانب المحافظة على المجال الغابوي، المعترف به من قبل منظمة اليونسكو كمحمية طبيعية للإنسان والمحيط الحيوي.

كما يمثل قطاع الأركان، الذي أصبح محورا ضمن استراتيجية “الجيل الأخضر”، نموذجا ناجحا للاقتصاد الاجتماعي القائم على تثمين الموارد المحلية، وتعزيز دور المرأة، وربط التنمية الاقتصادية بالاستدامة البيئية، مما يجعل من إقليم تارودانت رافعة حقيقية لصون هذا التراث النباتي الفريد، وتطوير سلاسل القيم المرتبطة به.

التعليقات مغلقة.