وعيا بما يكتسيه عنصر التراث من تجليات قيم ثقافية وفنية وإبداعية وانسانية غيرها، باعتباره من المكونات الأساسية التي تحدد مقومات الوجود الحضاري وهوية المجتمعات، ومنها الهوية الوطنية المغربية، وتعريفا بأهمية التراث المادي واللامادي لدى الناشئة، وفي إطار شهر التراث بالمغرب، الممتد من 18 ابريل وإلى غاية 18 ماي 2023، وكذا أيام تازة التراثية، وتحت شعار: “أهمية التراث الوطني وكيفية المحافظة عليه وعلى الهوية الوطنية”.
نظمت المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بتازة يوم 9 ماي الجاري، زيارة ميدانية شملت مواقع رمزية تاريخية ومبان أثرية عدة بمدينة تازة العتيقة، تحديدا منها ضريح “الشيخ العلامة ابن بري المقوري التسولي التازي”، إمام القراء المغاربة، ومؤسس المدرسة القرائية المغربية، خلال العصر الوسيط. ثم معلمة”باب القبور”بالسور المريني الأثري الجنوبي لتازة، حيث المقبرة الشهيرة في النصوص التاريخية “الترجالين”، ولعل هذا الباب هو المدخل المخزني الرسمي للمدينة عبر فترات الماضي.
ومما شملته هذه الزيارة أيضا، هناك المعلمة الأثرية الشامخة”الحصن السعدي”، أو ما يعرف أيضا ب”البستيون”، كتسمية حديثة، وهذا المبنى الأثري الدفاعي هو من أهم وأبرز البنايات التاريخية التي تم إحداثها بتازة، نهاية القرن العاشر الهجري، حيث فترة حكم السلطان احمد المنصور الذهبي، وقد ارتبط بناؤه بفترة حرجة بسبب ما كان قائما من أطماع تركية على مستوى الحدود الشرقية المغربية، وعلى اثر دخول الأتراك واحتلالهم لتازة وفاس معا لبعض الوقت.
كما تم بناء هذه المعلمة الشاهدة على تاريخ المدينة، من أجل حماية العاصمة فاس من كل خطر وتهديدات قادمة من الشرق بالتصدي لها على مستوى تازة وممرها الاستراتيجي.
ومن المعالم الأثرية التي شملتها هذه الزيارة الميدانية التي أطرها “مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث” على ايقاع شهر التراث بالمغرب، ومعه ايام تازة الثقافية التراثية، هناك “باب الشريعة” التي تستحضرها المصادر التاريخية المغربية في علاقتها بجملة سياقات وتطورات خلال العصر الوسيط، زمن حكم دولة بني مرين في سنواتها الأولى، خلال أواسط القرن السابع الهجري.
إضافة لوقوف هذه الزيارة على واحدة من المعالم الدينية والروحية بالمدينة، ويتعلق الأمر ب”مسجد الأندلس” بالفضاء الذي ينعت ايضا بتازة الفوقية حيث دار المخزن وما جاورها من المكونات والمرافق والأثاث الثقافي الهندسي الرمزي، ولعل مسجد الأندلس هو ثاني أهم مسجد بالمدينة بعد الجامع الأعظم والذي لا تذكر عنه المصادر التاريخية أي شيء تقريبا، هذه المعلمة التي قد تكون نواتها تعود الى فترة العصر الوسيط، تحديدا منها فترة التطورات التي شهدتها بلاد الأندلس بعد الوجود المغربي بها لقرون من الزمن.
وقد شملت هذه الزيارة أيضا ما يمكن تسمته بدار المخزن أو القصر السلطاني عندما كانت تازة عاصمة مؤقتة للمغرب ومصدر قرارات وسلطة وسيادة على البلاد، خاصة زمن المولى “الرشيد العلوي”، في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي.
وقد تمت الاشارة خلال هذه الزيارة لعدد من المراسيم والانشطة والمكونات التنظيمية التي كانت تطبع هذا المكان التاريخي الرمزي لتازة، في علاقتها بساحة “المشور” باعتبارها فضاء كانت تتقاسم رمزيتها عدة مرافق وبنايات أثرية من قبيل”المدرسة المرينية” وغيرها.
وكان فضاء الذاكرة التاريخية بتازة العتيقة، محطة أخيرة لهذه الزيارة الميدانية لمباني المدينة الأثرية، انسجاما مع المدة الزمنية المخصصة، والتي سمحت بإثارة جملة معطيات وتساؤلات ذات أهمية وقيمة تاريخية مؤسَّسة لفائدة الناشئة والمستفيدين، بحيث تم الحديث عن بناية فضاء الذاكرة التاريخية، التابعة الآن للمندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير، من خلال ثلاث أزمنة ومستويات تاريخية باستحضار ما ارتبط بها من وظائف متباينة، بحسب طبيعة وجدل الفترات والتطورات التي طبعت المدينة وتجارب الحكم منذ العصر الوسيط حتى الآن، مرورا بزمن الحماية وما طبعه من وقائع واحداث ذات علاقة مرحلية بهذا الفضاء التاريخي الأثري.
وقد قام بتأطير هذه السفرية المحلية وهذه الزيارة التاريخية للمدينة العتيقة بمناسبة شهر التراث بالمغرب وأيام تازة الثقافية، “ذ. عبد السلام انويكًة”، الباحث في تاريخ تازة، وصاحب عدد من الاصدارات حول المدينة، ممثلا لـ: “مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث”، وكذا “للائتلاف المدني التازي”، بتعاون وتنسيق مع المديرية الاقليمية لوزارة الثقافة بتازة.
التعليقات مغلقة.