تحديات الصحافة في المغرب: أزمة بيئة العمل تهدد مستقبل المهنة في ظل تجارب أوروبية
جريدة أصوات
أصوات من الرباط
عندما نتأمل في تجارب دول ذات ممارسات صحفية متقدمة مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا، نلاحظ حرص تلك الدول على توفير بيئة عمل مستقرة ومحفزة للصحفيين. ففي فرنسا، على سبيل المثال، يُعتبر الصحافة مهنة ذات قيمة اجتماعية عالية، وتولي الحكومة والمنظمات الإعلامية أهمية كبيرة لضمان حقوق الصحفيين، وتوفير شروط عمل تضمن لهم الاستقلالية والحيادية، بالإضافة إلى برامج مستدامة لتعزيز قدراتهم المهنية.
أما في ألمانيا، فتعمل قوانين العمل والصحافة على حماية الحقوق المهنية للصحفيين بشكل صارم، مع تنظيمات واضحة تضمن حقوقهم في بيئة عمل خالية من التهديدات أو التمييز، وتحترم التوازن بين العمل والحياة الشخصية. وتوفر المؤسسات الأوروبية برامج دعم وتدريب مستمرة، بهدف تجديد قدرات الصحفيين ومساعدتهم على التكيف مع متطلبات العصر الرقمي.
وفي سويسرا، يتميز القطاع الإعلامي بسياسات تنظيم ذات جودة عالية، تسهم في تعزيز مهنية الصحافة، مع بيئة تتيح للصحفيين التعبير بحرية تامة، وتحقيق الاستقلال المالي والمعنوي، مع ضمان حماية حقوقهم في وجه التدخلات السياسية أو الاقتصادية.
على الرغم من هذه النماذج الإيجابية، يعاني المشهد الصحفي بالمغرب اليوم من ظروف مهنية بالغة الصعوبة، وأجواء غير داعمة، وافتقار لسياسات واضحة تحمي حقوق الصحفيين. العديد من الممارسين يصفون بيئة العمل بأنها “مسممة” و”متعفنة”، حيث تفتقد للثقة والدعم، الأمر الذي أدى إلى هجرة الكفاءات المتميزة وقلق جيل جديد من الطلاب والمبتدئين من الانخراط في المجال.
وتشير الدراسات والأمثلة الأوروبية إلى أن تحسين ظروف العمل، ووضع إطار قانوني واضح يضمن استقرار المهنة، وتعزيز الثقة بين الإعلام والجمهور، وما يرافق ذلك من استثمار في البنية التحتية المهنية، هو السبيل الوحيد لإنعاش الصحافة واستعادتها لمكانتها.
وفي النهاية، فإن تفعيل نماذج تنظيمية قوية، ومراجعة السياسات، وتوفير دعم مستدام للصحفيين في المغرب، هو حجر الأساس لاستعادة مهنة تتيح حرية التعبير، وتساهم في بناء مجتمعات أكثر شفافية ومصداقية، على غرار ما توفره التجارب الأوروبية الناجحة
التعليقات مغلقة.