تقاليد رمضان: إحياء القيم الاجتماعية المفقودة في الأسر المغربية

مع تسارع وتيرة الحياة الحديثة وكثرة الالتزامات اليومية، أصبحت لحظات تجمع العائلة حول مائدة الطعام نادرة في العديد من البيوت المغربية، حيث يفضل كل فرد تناول وجباته بمفرده وفقًا لجدول أعماله. إلا أن شهر رمضان يعيد لهذه العادة العائلية مكانتها، ليصبح الإفطار لحظة يومية يتوق الجميع لحضورها.

هذا الوضع يثير نقاشات حول أهمية شهر رمضان في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة ومدى تأثيره المستمر بعد عيد الفطر، آملين في تحقيق اللحمة الأسرية والمودة العائلية، واستعادة العادات الاجتماعية التي تضعف تحت وطأة المشاغل اليومية.

الإفطار: لحظة توحد الأسرة

يؤكد مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي ورئيس شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن “الالتفاف حول مائدة الإفطار في رمضان يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة. إذ يحدث تغيير سيكولوجي ورمزي في رمضان، مما يختلف عن العادات الغذائية الروتينية في الأيام العادية”.

كما أشار السعليتي إلى أن الروابط الأسرية تكون ضعيفة بشكل عام، بسبب الاستخدام المفرط للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. وللأسف، حتى خلال شهر رمضان، يلاحظ أن المراهقين يسرعون في تناول الإفطار للعودة إلى هواتفهم.

وفيما يخص استمرار هذه الروابط بعد رمضان، أعرب عن تحفظه، قائلاً: “لا أعتقد أنها ستستمر، حيث يعود الناس إلى عاداتهم القديمة في الاستهلاك الرقمي”.

تحصين الأسر وتعزيز الروابط

محسن اليرماني، أستاذ التربية الإسلامية، يشير إلى أن رمضان يأتي لتعزيز الروابط الأسرية، حيث يجتمع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار. وحسب اليرماني، فإن هذه اللحظة أصبحت نادرة بسبب تغير أنماط الحياة والعادات.

أوضح اليرماني أن اللحظة التي يفطر فيها الصائم تمثل عبادة، مشدداً على أن الإسلام يسعى لحماية الأسرة من التحديات التي قد تفكها. كما أكد على أهمية إبقاء الروابط الأسرية قوية، داعياً إلى استغلال المناسبات الدينية لتعزيز الأواصر بين الأفراد.

يؤكد اليرماني أن الالتحام الأسري الذي يشهده الشهر الكريم يجب أن يستمر بعدها، مشيراً إلى أن الإسلام يرسم فعاليات اجتماعية مثل الأعياد ويوم الجمعة لتعزيز الالتقاء العائلي بعد أداء الشعائر.

في النهاية، يُظهر رمضان كيف يمكن لتقاليد بسيطة أن تُعيد الحياة القيم الاجتماعية والعائلية، في وقت تشتت فيه التكنولوجيا الروابط الإنسانية