تقرير صادم يكشف أزمة الجوع بين طالبي اللجوء في باريس
جريدة أصوات
أصوات من الرباط
كشف تقرير حديث صادر عن منظمة “العمل ضد الجوع” (Action Contre la Faim) بالتعاون مع “اتحاد الجهات الفاعلة في مجال التضامن – إيل دو فرانس” (FAS)، أن شريحة كبيرة من طالبي اللجوء الذين تؤويهم الدولة الفرنسية في منطقة باريس الكبرى (إيل دو فرانس) يعانون من الجوع بدرجات متفاوتة. يجد هؤلاء الأفراد أنفسهم في صراع يومي لتأمين وجبات طعام كافية، وذلك بسبب عدم كفاية المساعدات المالية وظروف السكن الصعبة التي تحد من قدرتهم على إعداد طعامهم بكرامة، مما يرسم صورة قاتمة للواقع المعيشي لهذه الفئة التي يفترض أن تجد في فرنسا ملاذاً آمناً.
وتكشف الأرقام الواردة في التقرير، الذي حمل عنوان “تحقيق حول الأمن الغذائي للأشخاص الذين تؤويهم الدولة في مراكز الإيواء الطارئ لطالبي اللجوء (HUDA) في إيل دو فرانس”، عن حجم الأزمة. حيث يعاني 36% من طالبي اللجوء الذين تم استطلاع آرائهم من انعدام الأمن الغذائي بدرجة “متوسطة” أو “شديدة”. والأكثر إثارة للقلق هو أن شخصاً واحداً من كل شخصين (حوالي 50%) يأكل أقل من ثلاث وجبات في اليوم، مما يضعهم في دائرة سوء التغذية والمخاطر الصحية الجسيمة.
وتُضفي الشهادات التي جمعها التقرير بُعداً إنسانياً مؤثراً على هذه الإحصائيات الجافة. على سبيل المثال، تقول سيدة تبلغ من العمر 31 عاماً، وهي طالبة لجوء وأم: “أشتري كيساً كبيراً من الأرز في بداية الشهر، وهو ما نعتمد عليه عندما لا يتبقى شيء آخر. في كثير من الأحيان، أضطر للذهاب إلى الفراش بمعدة فارغة”. تلخص هذه الشهادة معاناة الكثيرين الذين يضطرون للاختيار بين شراء حفاضات لأطفالهم أو شراء طعام لأنفسهم، في معضلة إنسانية يومية.
ويكمن السبب الرئيسي لهذه المأساة في عدم كفاية “مخصص طالب اللجوء” (ADA)، وهو المساعدة المالية الوحيدة التي يتلقاها معظمهم. يبلغ هذا المخصص 6.80 يورو يومياً للشخص الواحد الذي يقيم في مركز إيواء. ووفقاً للتقرير، فإن الحد الأدنى لتكلفة نظام غذائي متوازن هو 4.60 يورو، مما لا يترك للشخص سوى 2.20 يورو لتغطية جميع نفقاته الأخرى، بما في ذلك المواصلات، النظافة الشخصية، الملابس، والاتصالات. هذا المبلغ الضئيل لا يتناسب أبداً مع متطلبات الحياة الأساسية في منطقة مثل باريس الكبرى.
وبالإضافة إلى ذلك، تزيد ظروف السكن من تفاقم المشكلة. ففي مراكز الإيواء الجماعية، غالباً ما تكون المطابخ مشتركة ومزدحمة، مع مساحات تخزين وثلاجات غير كافية، مما يجبر المقيمين على طهي وتناول الطعام في ظروف صعبة تفتقر لأبسط مقومات النظافة والراحة. كما أن القيود المفروضة على استخدام المطابخ في أوقات محددة تحرمهم من إعداد وجبات صحية تتطلب وقتاً أطول، مما يدفعهم للاعتماد على خيارات غذائية غير صحية وغير كافية. ويشير التقرير إلى أن الرجال العازبين هم من بين الفئات الأكثر تضرراً، حيث قال أحد العاملين الاجتماعيين إن “ثلاجاتهم غالباً ما تكون فارغة”، لأنهم يجدون صعوبة أكبر في طلب المساعدة أو تدبر أمورهم في الطهي.
وفي ختام التحقيق، قدمت المنظمتان سلسلة من التوصيات العاجلة لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة. أبرز هذه التوصيات ضرورة رفع قيمة مخصص طالب اللجوء (ADA) ليتناسب مع تكاليف المعيشة الحقيقية، وإعادة النظر في القيود المفروضة على استخدام بطاقة المخصصات، مثل حظر سحب النقود الذي يمنعهم من الشراء من الأسواق الرخيصة التي توفر منتجات بأسعار معقولة. كما دعت المنظمتان إلى تحسين ظروف المطابخ في مراكز الإيواء لضمان حق كل شخص في إعداد طعامه بكرامة، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان.
التعليقات مغلقة.