أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

تلقت الضربة فأوقفت الرغبة – تحليل استراتيجي

تطوان/ مصطفى منيغ

أحست أنها واصلة ما يدفع اندفاعها لما قبل آخر طاقاتها، وقد تركت وحيدة. فرأتها فرصة تقربها من النجاة، بدل أن تجد نفسها عن أي خلاص مقبول بعيدة. وما العيب في ذلك إن كان للعاقل موقفا يرجعه لتجديدات جديدة؟ إذ الأمر لا يقاس في مثل الحالة بالسياسة، بل ما تتعرض له دولة في حجم إيران من تهديدات مهددة، قد تلقيها في متاهات صراع أكثر مما هو مخطط للقضاء عليها بشتى وسائل موجودة.

ولها العقيدة الشيعية إن انهارت كوعاء حاضن، مِن الصعب أن يكون لمذهب منها تتبناه وجود. ومِن هنا تنطلق محاسن القبول بأقل الأضرار، ما دام الأساس قائم على مبادئ فكر فريد، جعل منه الراحل الخميني ثورة إنسانية عالمية في حاجة إلى تأييد بشدة مؤيد. لكن الدنيا أوسع لأفكار ثورية أخرى لا تقيم وزنا لأي دين، معتنقوها استعدوا مِن زمان لضرب معارضيهم بصلابة الحديد، وأحيانا احتضنوا دولا همها الأكيد الحفاظ على مصالحها الضيقة وتوسيع أحلامها الخرافية، ومنها دولة الصهاينة اليهود، المستعدة لجعل التقاتل يمسح القانون، ولو صبرت لتنقض على فريستها المدى المديد.

ومنذ نشأتها من ثمانين سنة، وأملها القضاء المبرم على بلاد مهما ابتعدت عنها كحدود، تظنها وعن إيمان راسخ أنها العدو اللدود، الواجب استئصاله بأي ثمن، وكل تخلي عن مثل الهدف على أصحابه دعاة التعايش السلمي بين بني البشر مردود. من هذه البلاد إيران لأسباب توضحت معظمها، وما بقي لا زال سرا تحتفظ به قلة من عقود. وهكذا البحث المنصف للأحداث طريقه يلزم إعطاء كل معني حقه بالكامل، وهو يتقدم لسماع ما يفرق الأخذ بالعاطفة عن المنطق المعهود.

إيران أصبحت لمرحلة معزولة، وهي غير قادرة ما دام الانعزال ضعف، فهروب مِن مشاركة الآخرين ميزة تراها لذاتها الخط الممدود، المؤسس على حكم الفقيه المطلة من تحت عمامة رأسه شعيرات تحدد مستوى ما يتمتع به من نفوذ، يتعالى على الإداري الدنيوي المعمول لمهام تصريف الأوامر العليا المستوحاة قراراتها من تعاليم عقيدة هي الكل في الكل عن اختيار محمود. فلا ديمقراطية ولا حرية ولا حداثة، ولا نظريات الغرب الامبريالي أو الشرق الشيوعي تفتح ما عليها مسدود.

والعاقبة لمن اتبع شعائر يصرف على تنظيمها الجهد المعنوي للأقصى والمادي لما لا يطاق، مهداة منحا بالعملات الصعبة كنقود. مما ترتب عن خلق ما سمته بعض الجهات ومنها الغربية بالحصانة على شكل سدود، مانعة لتغلغل ما يؤثر على الممدودة أيديهم لتلقي التعويض عن المطالَبين بتقديمه لا يتعدى الوفاء، وإن عارضوا فيه وصايا الآباء والجدود.

فكانت لبنان وتحديدا جنوبها بستانا خصبا لزرع نواة تبعية مثالية نجحت لأبعد حدود في نشأة قوة ضاربة للدولة الأصل المتعاملة معها بواسطة وعود، وأحيانا بالإصغاء المتعالي لنداءات العودة للأصل عليها تجود، إلى أن أحكمت القبضة الفارسية على جل مقدرات الدولة، واضعة لمن دونها مختلف أنواع القيود، فتكون صاحبة الكلمة الأخيرة حزبا امتدت تدخلاته لغاية العراق فسوريا فاليمن بقانون يفتقر في الحكم الرجوع لأي بنود.

من هنا تسرب التخوف، وبدلت جهات متعددة وخاصة الخليج العربي المضني من المجهود، فاتسمت مرحلة طويلة عريضة بمقاومة الفتن الغرض منها صبغ بعض الأنظمة بالأسود عسى الفكر الشيعي يسود، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، إلى أن توحدت خلف إسرائيل ما جعل الأخيرة تتقمص في الموضوع هيبة الأسود، بمباركة أمريكية وترخيص سري من المملكة السعودية وما جاورها من الإمارات العربية المتحدة وقطر، وبدرجة أقل مملكة البحرين وسلطنة عمان، عسى إيران تتوقف عن مد أذرعها بما يضيف للوضعيات المزرية أزمات كمطر مدمر لا تسبقه رعود.

على حين غرة تقلب المألوف العادي الهادئ الساكن المتزن الخطوات إلى الركود، فتقرر المملكة السعودية ما قررته ضد اليمن أن تقذف الذين استقرت أفكارهم على مذهب مخالف للوهابية في أعماق البحر، كما يصنع كل منتقم على شيء بصيغة الحقود. ولما فشلت رغم ضخامة ما صرفت، وجدت الأنسب في إسرائيل المتعطشة لسفك دماء أي كان من مسلمي الشرق الأوسط، كاسترسال لهدفها الأسمى في تأسيس دولة عبرية من الفرات إلي النيل، بطموح قناعاتهم التاريخية عبر العصور مسنود.

تلقت إيران الضربة بمحض إرادتها، حيث سبق للرئيس ترامب أن خبرها بالعملية الهجومية والمهمة الموكولة لها، لتتخذ إيران احتياطاتها بالكامل. وقد قام الرئيس بذلك نزولا لتعليمات تلقاها من جهاز المخابرات الأمريكية الساهرة على حكم يمثل فيه شخصياً الملبي الطائع لعلمه بجزء متعلق بالتسيير العام للدولة على جميع الأصعدة.

والمخابرات المذكورة تصرفت بمثل الطريقة ليقينها أن إيران مقبلة على تغيير جذري تتقرب من خلاله لما خططته الولايات المتحدة الأمريكية، لنشر نفوذها من جديد وبأسلوب مغاير لما مضى، بما قد يحدث خريطة لدول منطقة منسلخة تماما عن الحالية نظما وأساليب حياة. طبعا إسرائيل ما كانت ولن تكون راضية على مثل التحرك، وبخاصة فيما يتعلق بإيران، لكن الأخيرة منسجمة مع ما يحاك في الظلام ليقينها أن عصر نظامها بلغ منتهاه، ولا خيار أمامها سوى الرضوخ أو تنسف من فوق الأرض.

ويكفيها ما أوهمت ومن تبعها بمستقبل زاهر يشمل عالمها الذي اتضح أنه قائم كان على حلم تبدد بعد 12 يوما من المواجهة مع إسرائيل، تمكنت الأخيرة من لعب دور في مسرحية القضاء على إمكانات الفرس النووية والصاروخية، إلى حقيقة المشاركة مع الغرب وأمريكا أولا في تصميم إعادة خليفة للشاه الراحل على رأس الحكم، لضمان الولاء للتعيير الأوسع للمنطقة.

أما فلسطين فقد تقرر إفراغ أهلها وإلحاقهم بالأردن، وقريبا ستبرز المحاولة الأولى مما يعرض هذه المملكة لمخاطر مواجهة أعنف وأشرس، وتلك مهمة إسرائيل ملبية هي الأخرى الأوامر، لكنها تتقن الحفاظ على مصالحها كدولة تتهيأ لتكون ومصر صاحبتي شأن عالمي، من الأحسن التفكير في أبعاده المستحدثة من الآن.

الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعكس مواقف الجريدة.

التعليقات مغلقة.