حبا الله تعالى اقليم تازة بمؤهلات طبيعة واسعة ومتفردة، لِما تحتويه مناطقه الجبلية الجنوبية من منتجعات وغابات وكهوف وتجويفات، حيث موقع “رأس الماء” وشلالاته ومصطاف “باب بويدير” الشهير وقممه ومدار “عين أدمام” ومنتزه “تازكة” و”عين خباب” ومناظر وثلوج جبل “بويبلان”، فضلا عما تحتويه وجهاته من جهة الشمال من موارد هامة حيث مشاهد بيئة جبل “العلاية” غير المكتشفة، وغابات جبال وممرات منطقة “حد امسيلة” ومنتجع “تايناست” و”كاف الغار” وغيرها.
بناء على كل هذا وذاك من تجليات مجال اقليم تازة الجبلي ومعها ما يغمر مناطقه من تساقطات ثلجية قياسية خلال فصل الشتاء، يجعل كل مهتم ومتتبع وباحث يطرح سؤال سر تخلف وعدم تطوير قطاع السياحة الجبلية القروية بهذه الربوع، عبر ما ينبغي من ذكاء تدبيري ترابي وحسن مقاربة رافعة للتنمية المحلية، على مستوى عقلنة استثمار ما توفره الطبيعة للسياحة محليا من مؤهلات داعمة لِما هناك من تنوع على صعيد جهة الانتماء الاداري.
وعليه، يحق السؤال حول أين اختفت برامج ووعود وقراءات ما عقد هنا وهناك؟، من أيام دراسية وعروض تشخيصية على صعيد عدد من المرافق العمومية، منها عمالة اقليم تازة التي احتضنت عشرات اللقاءات التي استحضرت وتدارست شأن الاقليم السياحي وسبل اقلاعه، وقد أطرها على امتداد عقود والى عهد قريب عدد من المسؤولين، بمن فيهم معنيين بتدبير قطاع السياحة في بعده الجهوي، وكم طرحت على اثر هذه المواعيد من أفكار وأحلام ونقاشات وكم كتبت الصحافة المحلية والوطنية حولها، كل شيء يبدو أنه تبخر مع الزمن ولم يتحول أي شيء الى انجازات على أرض الواقع.
ومن هنا نرى أن ما طغى على هذا القطاع هو خطابات ووصف وتشخيص لا غير، جعله في شقه الطبيعي الجبلي بإيقاع لم يتحرك قيد أنملة رغم حجم الكلفة ومساحة الحديث الذي أحيط به منذ عقود.
كل هذا وذاك من الخطابات الموسمية لم تكن بأي أثر في بلورة خطوات أولية لإنعاش نماء سياحي جبلي حقيقي، وعلى امتداد عقود من “القيل والقال” حول هذا الورش محليا لم يلتقط المجلس الجهوي للسياحة ما ينبغي من اشارات، ولم يقدم من موقعه أي شيء لفائدة عرض سياحي تنافسي رافع للاقتصاد الجهوي، محرك لاقتصاد اقليم تازة ومدمج للمدينة ومحيطها في رهان ومخطط الجهة السياحي.
هكذا يبقى السؤال التنموي السياحي الطبيعي الجبلي مطروحا الى حين، ومعه سؤال سر تجاهل ما هناك من مؤهلات جبلية بإقليم تازة مع الأسف لا تزال بعيدة عن ثقافة الإجراء وآليات إدماج معقلن وحسن استثمار والتفات من قبل الجهات المعنية جهويا.
فأين هو مثلا جبل “بويبلان” الذي تغمره الثلوج بمستوى قياسي، ضمن خريطة التنمية الجهوية وتنمية قطاع السياحة الجبلية بإقليم تازة، وأين غابات الأرز بمنتزه “تازكة” جنوب تازة في هذا الرهان ضمن ما ينبغي من مخطط جهوي؟، وأين محطة “باب بودير” ومنتزهات مرتفعات “حد امسيلة” و”جبل كاف الغار” و”تايناست” وغيرها، في انتاج الثروة وتوفير فرص الشغل بالمنطقة وإبراز مؤهلاتها المتفردة، وأين تبخرت أفكار مشاريع القطب السياحي الجهوي المندمج، التي كثيرا ما ملأت قاعات ونقاشات وعروض وزيارات وتنقلات انفقت عليها موارد مالية جماعات محلية هنا وهناك.
وأين هي مقترحات وطروحات شركاء وأطراف ذات صلة من أجل النهوض بقطاع السياحة الجبلية بالإقليم، ومنها مكونات المجتمع المدني التي عقدت عشرات الندوات واللقاءات، انتهت جميعها بعدد من التوصيات الواقعية القابلة للتنزيل وغير المكلفة تقنيا وماليا.
ولماذا لم تحض عدد من اقتراحات مكونات المجتمع المدني المحلي هذا، بما ينبغي من تقاسم وتجاوب وموافقة وتفاعل من قِبل المجلس الجهوي للسياحة، علما أن تازة لا تزال مع الأسف بدون مكتب للتواصل والتنسيق والتدبير السياحي، وهو الذي كان معتمدا موجودا نشيطا خلال فترة الحماية الأجنبية وظل قائما حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي.
ثم لماذا الإبقاء على حرمان عدد من الجماعات الترابية التابعة لإقليم تازة، من إغناء مواردها وثروتها، عبر تسويق ترابها ومؤهلاتها الغابوية والجبلية، ضمن برامج سياحية محلية رافعة وواعدة تنمويا، علما أن تحريك قطاع السياحة الجبلية بإقليم تازة من شأنه تفعيل جملة انشطة ذات صلة (حرف تقليدية ومنتجات ذات طبيعة فلاحية محلية ورياضة جبلية وأنشطة قنص وتزحلق على الثلوج..).
وعلى ايقاع ما يطبع جبال جنوب تازة من تساقطات ثلجية، من المفيد الاشارة الى أن اقليم تازة ومنطقة “بويبلان” تحديداً كانت بها أول محطة للتزحلق على الثلوج تعود لفترة الحماية خلال القرن الماضي لا تزال معداتها المتقادمة والمعطلة حاليا شاهدة عليها، علما أن الثلوج تظل تغطي جبال “بويبلان” لأكثر من نصف السنة، لدرجة أن مدة بقاء الثلوج بها تفوق مدة بقاءها في منطقة “ميشليفن” مثلا بإفران.
وعليه، من شأن إنعاش السياحة الجبلية بالمنطقة واستثمار هذه المؤهلات أن يلعب دورا رافعا للعرض السياحي الجهوي، ناهيك عن تحريك ليالي المبيت بالمدن ذات الاستقبال والبنيات المناسبة مثل تازة.
كل هذا الورش والحلم التنموي السياحي المحلي، كان ينبغي انطلاق قطاره منذ فترة لجعل اقتصاد تازة بنوع من الدينامية المنسجمة مع طبيعة التراب والامكانات المتوفرة، مع بناء وتأثيث مستقبل سياحي جبلي قار بالمنطقة، وجعل تازة ومحيطها قطبا مكملا رافعا للجهة الاقتصادية وللجهوية الترابية المنشودة.
فأين اذن المجلس الجهوي للسياحة بفاس من المؤهلات الخامة الطبيعية التي يحضنها اقليم تازة؟، وأين مجلس جهة فاس مكناس من التنمية الشاملة بالجهة؟ عوض ما هناك من ابقاء على نقاط تقليدية دون التفات لِما تزخر بها الجهة من مؤهلات واسعة، قيل وكتب حولها الكثير هنا وهناك بين مسؤولين ومدبرين ومنتخبين وجمعويين واعلامين ودارسين وغيرهم.
أية أدوار وانشغالات لمجلس جهة فاس مكناس، إن لم تكن تروم البحث والتنقيب عن سبل وموارد تنمية مجالية، وفك العزلة وتوفير فرص الشغل وتسويق التراب وفق ما ينسجم مع برامج ورهان الدولة على المدى المتوسط والبعيد؟.
ولماذا غياب اقليم تازة السياحي عن خريطة المجلس الجهوي للسياحة، الأمر الذي بات ملحوظا دون مبرر منذ عقود؟، أليس الذي ينقص هذا وذاك من مسؤولين ومدبرين ومنتخبين ومرافق ومؤسسات معنية بالتنمية السياحية، هو تأسيس خطوات أولى عبر ما ينبغي من إرادة لجعل مجال تازة الجبلي، بدور داعم رافع للاقتصاد الوطني عبر الفعل المحلي السياحي.
التعليقات مغلقة.