محمد فلالي.
إقليم جرادة.. هو أحد أبرز أقاليم المملكة بالجهة الشرقية..حيث يمتد على مساحة9300 كلم مربع ويتميز بمناخ قاري بارد في الشتاء وحار وجاف في الصيف يعرف تساقطات مطرية تكاد تكون ضعيفة تتراوح ما بين 80 و150 ملم سنويا،و تعرف جغرافيا المنطقة بتضاريس متنوعة يغلب عليها الطابع الجبلي والهضاب العليا بجزئها الشمالي تعج بها أشجار(البلوط الأخضر والعرعار واكليل الجبل) في حين تتمركز السهول الشاسعة والأودية بالجزء الجنوبي منها حيث يغزوها نبات الشيح ومروج الحلفاء،ويتوفر الإقليم على بنية جيولوجية عرفت منذ عهد قريب بحقولها وثرواتها المعدنية كالفحم الحجري والرصاص والفضة وغيرها إلى جانب مصادر المياه المتنوعة التي يزخر بها الإقليم كينابيع المياه السطحية بـ(كفايت) و(واد زا) و(رأس العين) علاوة على الفرشة المائية بمنطقة عين بني مطهر التي تعتبر ثاني فرشة مائية بالمغرب.. يحد الإقليم شمالا عمالة وجدة أنكاد وغربا إقليم تاوريرت وجنوبا إقليم فكيك وشرقا الحدود المغربية الجزائرية ويتميز بخصائص ومؤهلات طبيعية واقتصادية وسياحية جد مهمة ويصل تعداد ساكنة الإقليم -التي يقطن أغلبها المدن- حوالي120.000 نسمة ،بكثابة سكانية قد تتجاوز13 بالكيلومتر المربع الواحد، بينهم نحو 44000 نسمة يقطنون بمركز جرادة المدينة.
تتشكل الإدارة الترابية للإقليم الذي أحدث في منتصف تسعينيات القرن المنصرم من عمالة يقع مقرها بمركز المدينة المنجمية و2 دائرتين هما(دائرة أحواز جرادة)و(دائرة عين بني مطهر) و14 جماعة ترابية بينها 3جماعات حضرية هي(جماعة جرادة) و(جماعة تويسيت) و(جماعة عين بني مطهر) و11 جماعة قروية (تيولي)و(راس عصفور)و(سيدي بوبكر) (كنفودة) و(العوينات) و (لبخاتة)و(كفايت)و(أولاد سيدي عبد الحاكم) و(لمريجة)و(أولاد غزيل)و(بني مطهر) أغلب هذه المناطق يطغى الطابع القبلي والعشائري على تركبتها السوسيوثقافية بحيث أن جانب كبير من ساكنة الإقليم تجمعهم نفس العادات والتقاليد ولا يزالون يحافظون على النمط الاقتصادي للمنطقة والمتمثل في تربية الماشية والرعي وممارسة بعض الزراعات المعاشية وأخرى للتسويق المحلي إلى جانب اشتغال العديد منهم فيما مضى بمناجم الرصاص والفضة بكل من تويسيت سيدي بوبكر وواد الحيمر وكذا الفحم الحجري بمدينة جرادة،الأخيرة كانت بالأمس مركزا اقتصادية استقطب يدا عاملة مغربية من قبائل المنطقة وأيضا من مختلف مدن وبلدات المملكة كـ(تزنيت) (سوس) ،(تارودانت) (تازة)،(الريف) و(الأطلس المتوسط) وغيرها..
وتعد مدينة جرادة من أهم مدن الإقليم..اقترن اسمها بالفحم الحجري،فكانت تمثل في وقت سابق قطبا اقتصاديا كبيرا بالمغرب منذ اكتشاف حقول المناجم بها سنة1927 على يد خبير جيولوجي بلجيكي وبداية استغلالها في العام1936،و بذلك أصبحت المدينة قبلة لوفود أوروبية من العمالة المتخصصة استقرت بتجمعات سكنية داخل أحياء حديثة أنشأت خصيصا للوافدين الأجانب أطلق عليها(الأحياء الأوروبية) واستمر العمل بالمناجم عقب الاستقلال في إطار شركة مفاحم المغرب فشهدت المدينة نقلة اقتصادية نوعية استمر أوجها إلى حدود نهاية تسعينيات القرن المنصرم خلال إعلان الشركة إغلاق أبوابها مستهل الألفية الثالثة في وجه العاملين بداعي ارتفاع تكلفة الإنتاج ونزولا عند قرار الحكومة المغربية آنذاك التي تعهدت بتوفير بدائل اقتصادية لساكنة المدينة..
أشهر قليلة من تنفيذ قرار الإغلاق القسري لمفاحم المغرب بمدينة جرادة وغير بعيد عن المنطقة شهدت شركة مسابك زليجة للرصاص هي الأخرى بمثلث (تويسيت) و(سيدي بوبكر) و (واد الحيمر) نفس المصير بإغلاق مناجمها.. قرار أعتبر وقتئذ بالمجحف فزاد في الطين بلة وكان له الوقع العميق في نفوس أبناء المنطقة والإقليم عموما كما أثر سلبا على الأوضاع الاجتماعية لآلاف العمال وعوائلهم الذين غادر بعضهم المدن والبلدات المنجمية خاصة مدينة جرادة المركز من أجل البحث عن لقمة العيش فيما فضل بعضهم الآخر البقاء والتكيف مع الواقع الجديد.
“بقيت دار لقمان على حالها و لم يتحقق شيء من الوعود” هو ما بات يردده لسان حال المواطن الجرادي، فاستمرت معانات الساكنة بعد تراجع النشاط الاقتصادي بالمدينة ما دفع العديد من العمال المسرحين وأبنائهم للانخراط في العمل السري بالحفر والتنقيب عن الفحم الحجري داخل آبار وحفر مظلمة(السندريات) بحثا عن لقمة العيش..مهمة لم تكن بالسهولة بمكان والطريق كان دوما محفوفا بالمخاطر حيث لقي عشرات المواطنين مصرعهم تحت الأنقاض جراء انهيار طبقات الأرض، أو تفجر المياه الجوفية،كانت تقابلها أحداث مماثلة في خلال مصرع العديد من المواطنين بمغارات جماعة سيدي بوبكر المنجمية جراء انهيارات أرضية.. معانات تنضاف إلى الأمراض التنفسية التي عانى ويعاني منها مآت العمال السابقين بشركة مفاحم المغرب فكانت سببا في موت أغلبهم جراء استنشاقهم لغبار الفحم الحجري بباطن الأرض الذي ينتج عنه مرض السيليكوزيس (Silicosis) الفتاك..
أوضاع اجتماعية وصحية مزرية دفعت العشرات من أبناء المدن المنجمية بالإقليم خاصة مدينة جرادة المركز للخروج في احتجاجات ومسيرات شعبية خلال مراحل متعاقبة في أعقاب مصرع عمال الاستغلال العشوائي لآبار الفحم(الساندريات) أو داخل المغارات المنجمية أثناء حوادث متفرقة منذ مطلع الألفية الثالثة وعلى مدار نحو العقدين كان آخرها احتجاجات دجنبر من العام2017 على خلفية وفاة مواطنين من عائلة واحدة طالب خلالها المتظاهرون الحكومة المغربية بالإسراع في تحقيق مطالبهم الاجتماعية المنحصرة في خلق مجالات اقتصادية بديلة ومراجعة فواتير الكهرباء والماء ومحاسبة الفاسدين.. احتجاجات أثمرت بزيارة خاطفة لوزير الطاقة والمعادن والتنمية المستديمة (عزيزالرباح) الذي التقى مع ممثلين عن المجتمع المدني حيث أكد على أن الحكومة منعكفة على دراسة مشاريع اقتصادية استعجالية لتحقيق مطالب الساكنة خاصة وأن الإقليم لا يزال يزخر بإمكانيات ومؤهلات لا سيما في القطاعات الفلاحية والطاقية والمعدنية، يمكن أن تشكل أرضية لإيجاد بديل اقتصادي حقيقي، وتوفير مزيدا من فرص الشغل لأبناء المنطقة تلتها زيارة رئيس الحكومة(سعد الدين العثماني) لمدينة وجدة الذي أعلن عن انطلاقة بعض المشاريع ذات الأولويات القصوى بمدينة جرادة وعموم الإقليم في إطار خطة طارئة لإنقاذ المنطقة من مظاهر الفقر والتهميش.
التعليقات مغلقة.