يعد النظام المالي المحلي أحد الأعمدة الأساسية لنجاح الجهوية المتقدمة، التي تسعى إلى منح الجهات والجماعات الترابية صلاحيات أوسع لتدبير شؤونها بشكل مستقل. ومع توسع هذا الإطار، تزداد أهمية وجود آليات رقابية صارمة تضمن الاستخدام الأمثل للموارد وتحقيق التنمية المستدامة. من هنا، يبرز دور شرطة مالية متخصصة تُعنى بمراقبة البرامج العمومية والصفقات على مستوى البلديات والجماعات والجهات والمندوبيات.إن إحداث شرطة مالية سيشكل خطوة نوعية نحو تحسين أداء المؤسسات المحلية من خلال ضمان الشفافية والنزاهة في تسيير المشاريع العمومية وإبرام الصفقات. هذا الجهاز الرقابي سيكون بمثابة حارس على الأموال العمومية، وسيساعد في الكشف عن التجاوزات التي قد تعرقل تحقيق التنمية، فضلاً عن تعزيز الثقة بين المواطنين والمجالس المنتخبة.
شرطة المالية ستتولى مراقبة البرامج العمومية للتأكد من توافقها مع القوانين والأنظمة، وضمان تنفيذها بشكل يتماشى مع الخطط التنموية.
كما ستعمل على التحقق من سلامة الصفقات العمومية، التي تُعتبر إحدى أهم الأدوات لتنفيذ المشاريع. في هذا السياق، ستتمكن هذه الشرطة من رصد أي ممارسات غير قانونية كالمحاباة أو التلاعب، ما يساهم في خلق بيئة تدبيرية أكثر شفافية وفعالية.إحداث شرطة مالية سيعزز الثقة العامة في المؤسسات المحلية.
عندما يدرك المواطنون أن أموالهم تُدار بحكمة ونزاهة، فإن ذلك يشجعهم على التعاون مع المؤسسات، سواء من خلال دفع الضرائب المحلية أو الانخراط في المبادرات المجتمعية. كما أن هذه الثقة ستجعل الجهات والجماعات أكثر جاذبية للمستثمرين، الذين يبحثون عن بيئات مستقرة وشفافة لضخ رؤوس أموالهم.
سيساهم هذا الجهاز في تحسين كفاءة تدبير الموارد المالية على المستوى المحلي والجهوي. من خلال تقارير دورية، ستتمكن المؤسسات المعنية من تتبع سير البرامج والمشاريع وتصحيح أي اختلالات قد تطرأ قبل أن تتحول إلى أزمات. وهذا بدوره سيمكن من تحقيق استغلال أمثل للموارد المتاحة وضمان استدامتها.
شرطة المالية ستؤدي أيضاً دوراً وقائياً من خلال منع التجاوزات قبل وقوعها. بفضل تقنيات المراقبة المستمرة والتحقيق المسبق، يمكن تقليص فرص الفساد والهدر المالي بشكل كبير. هذا الجانب الوقائي سيحد من الكلفة الباهظة للتجاوزات التي قد تؤثر سلباً على البرامج التنموية.
وفي ظل تطور النظام الجهوي المتقدم، ستصبح شرطة المالية أداة إستراتيجية لضمان نزاهة واستدامة المشاريع المحلية. نجاح هذا النموذج يتطلب تكاملاً بين الحرية الممنوحة للجماعات الترابية في اتخاذ القرارات والرقابة الصارمة لضمان الالتزام بالقوانين. لذلك، فإن خلق شرطة مالية مختصة يمثل استثماراً استراتيجياً لتحقيق التنمية المنشودة وتعزيز الثقة في مؤسسات الجهوية المتقدمة.
التعليقات مغلقة.