محمد حميمداني
في مضمار التيه البشري تتوزع جماعات على امتداد واسع ، لتتعالى القهقهات ، وسط أفواه ترسم كل أشكال الدوائر و المثلثات و المربعات ، البعيدة عن لفتة الأقفال ، و تخط ملامح تحمل علامات تعجب للاستماع لأخبار الآخرين و السباحة في بحر الوساخة و الوضاعة المنتشية ب “دانكيشوتات” الزمن الرديء ، الحالم بمستملحات تعطل الصمت و تجعل تراكيب الكلمات لغة لا معنى لها إلا القتل و الذبح و السلخ بكل الأسماء ، و التسلية بطرائف ما يحملونه عن أعراض الآخرين .
في هاته المتاهات المتحركة أحس بنوع من الغضب و الحزن ، وسط سور وهمي يعزلني عن هاته القهقهات و الحركة الدائبة النابشة في القبور البشرية عن أسرار مكثومة عراها الزمن الرديء و انقلاب أدوار السمو و الوضاعة البشرية ، أقترب من هذا السور أحاول الاختباء و استراق السمع و فهم دلالات ما يرمى و يقذف ، فأجد كل ما يروج عبارة عن مزابل و خواء لتناسق لا معنى له ، كلمات متناثرة و متنافرة في الجوهر و الرسم ، مجرد تراكيب من مقطع صوتي واحد أو اثنين ، لكنه لا يحمل في درب الامتداد و الزحام و القهقهات سوى رائحة القذف في الأعراض و امتهان مهنة الخواء اللانهائي ، و سلب الآخرين حقهم في أن يعيشوا و يموتوا بسلام ، و أن تهنأ الكلمات اللامرئية بجوهر وجودها القاتل لتتحول في لغة الغابة من قهقهات القردة فوق تخاريف المدينة ، إلى حمل يحمل من وداعته صفعة حركة قوم تذب لتقسو في امتداد لانهائي لحركة لا تخفت إلا لتنطلق من جديد في إتيان موضوع شخص جديد يقلى على نار الحقد الدفين المتخن بجراح عذابات القهر المتحركة يوميا بحثا عن رغيف خبز حاف كما قال صاحبنا شكري .
تتوسع اللغة لتحمل هواجس جديدة لقتل لفظي يحرق ما تبقى من سكون المدينة و هدوئها الافتراضي ، كما لو أن الإنسان في رحلة التعلم اللفظي التي ابتدأت من “بابا” و “ماما” لم يستطع كبح جماح ، أسطورة “قابيل و هابيل” ، لتندفع من جديد أسطورة “سيزيف” الذي يقف سائلا الآلهة عن هاته العذابات المتتالية لنهيق ينطلق لكي لا يتوقف إلا على متاهات الموت ، و الجريمة الأولى و العذاب الأبدي الذي حكمت به الآلهة على “سيزيف” الذي قرر الانتحار ، إلا أن الآلهة أنقدته ليطبق حكمها و إرادتها و سلطتها في الرحيل عبر مسار الجبل و الصخر و المحاولة و الضجر و الانقلاب و السقوط لتحيى الآلهة تراقب كل التفاصيل ، و يبقى “سيزيف” المسكين ينظر و ينتظر نهاية العذاب و ميلاد شرق جديد منفتح على الورود و المحبة و الجمال اللانهائي .
التعليقات مغلقة.