عوض ان نصفق للمبدع الذي ينقل فنه المحمل بالقيم الكونية النبيلة والمفعم بالمشاعر الانسانية التي تحيل على الصدق والوفاء في زمن زحف جيش المتملقين والمتلصصين؛ و نصفق للكاتب المثقف الذي يحلل ويفكك تعقيدات البنية المجتمعية في أدق تفاصيلها مانحا اياها بعدا انسانيا واقعيا باسلوب سلس ينفذ الى أعماق اللاوعي االبشري؛ ولحامل كتاب الله المصلح الذي يتسم بالصدق وبصفاء الروح والذي يكرس عمله للصالح العام ويجنب الشباب الارتماء بين احضان الرذيلة والانحراف؛ والمعلم الذي يغرس حب الوالدين والاقارب والوطن في نفوس الناشئة ويدعو الى احترام الاخر والحق في الحياة؛ وللطبيب والشرطي والدركي والاعلامي وغيرهم من ابناء هذا الوطن الذين يناضلون بما اوتوا من قوة وامكانيات من اجل الرقي بالذوق العام وبناء الانسان.
أمام هذه المنظومة المتراصة والمنذمجة من القيم الانسانية والنماذج الناجحة، هناك المسخ الفني والانحلال الاخلاقي الذي ارتبط باشباه الفنانين والسفهاء الذين جاءت بهم وسائل التواصل الاجتماعي الى عالم الشهرة المزيفة، افسدوا الفرجة بتفاهاتهم وشدودهم احيانا يتعاطون مع المغاربة بنوع من السخرية والازدراء؛ يختزلون غنى هذا البلد وتاريخه ونظامه السياسي والاجتماعي ومكتسباته الديموقراطية والحقوقية ورصيده الثقافي والفني في التفاهة و”البزنيس” في بيع الماركات والمنتوجات الفاسدة؛ احيانا يخلطون بين الاشهار والغناء والرقص وتصميم الملابس الى غيرها من الانشطة التي يرون انها تتماشى وروح العصر والموضة.
من مكر الزمن أننا أصبحنا نتحدث عن “المؤثرين والمؤثرات”، اريد فقط التوقف عند هذا التخصص الجديد الخارج عن حدود اللياقة والخارج كذلك عن باقي الحقول المعرفية التي تدرس بالجامعات والمعاهد العليا.
هل يؤثر هؤلاء في العلاقات الدولية، أم في صناع القرار العالمي لاقناع “فلاديمير بوتين” للتخلي عن فكرة الحرب النووية المفترضة؟ أم يؤثرون في النفوس الضعيفة التي تفتقد للتفكير العقلاني في زمن استسهال الشهرة والتطاول على اختصاصات الأطباء والخبراء.
المؤثرون والمؤثرات خدعة الحداثة المتوحشة هي في حد ذاتها خرافة تتغدى من تدني المستوى التعليمي وسيادة مظاهر البؤس الفكري التي أدت حتما إلى تراجع وهج الخطاب السياسي لصالح خطاب المؤثرين والمؤثرات الذين يفقهون في كل شيء حتى في المرحاض، هنا لا نعمم البعض منهم يقدم مقترحات وافكارا جديدة قد يستفيد منها جمهور “الويب” فيها النصح والتحسيس، لكنهم لا يمثلون سوى 10 في المائة من جيش المؤثرين والمؤثرات الذين يتسابقون لتدشين المطاعم والفنادق وصالات التدليك والسهرات البادخة وبالتالي يرسلون “ستوريات” محملة برسائل الإغراء وتحريض المتابع على زيارة الموقع بينما مؤسسات إشهارية وتجارية أفلست بسببهم، ناهيك عن ثقل الضرائب وتداعيات جائحة كورونا.
إنها الايديولوجيا الالكترونية الجديدة التي تعمل على تحديد الإطار المعرفي المحدود والوضع الاجتماعي المزيف لشريحة كبيرة من المراهقين والمراهقات.
هذه الايديولوجيا حولت الواقع الى هلوسات وجعلت المنحل أخلاقيا نجما تتماهى معه الجماهير بدون وعي، والسفيه تحول بقدرة قادر الى المرشد الأعلى لجيل كامل من الشباب، من يحمي الناشئة من أشباه الفنانين، ومن جيش المؤثرين والمؤثرات الذين يجنون أموالا طائلة دون أن يؤدوا ولو سنتيما واحدا لخزينة الدولة؟ أين مبدأ تكافؤ الفرص بين مواطني هذا البلد في تأدية الضرائب؟.
كما قال المفكر واللساني الايطالي أمبيرطو أيكو، الله ايجازيه بخير: C’est le temps des imbéciles.
التعليقات مغلقة.