مصطفى منيغ
لفَّ الليل بسكونه المَهيب رياض المُروج ، تاركاً لفََجْوَةٍ في علياء تطلّ منها بنور مُحْتَشِمٍ بضع نجوم يُحاول شعاعه من ستار الغيوم التسلل مُحقِّقاً نيَّة الخروج ، للتخفيف من قساوة بردٍ قاطِعِ طُُرُق على ناشدِي الدفء المحتمين بحِمَى أكواخ السهول المنخفظة أو المرتفعة (بجوار جبالٍ) من بروج ، في فضاءات يُرْعِشُ الريح وريِّقات شجيِّراتها المُتسارع هبوبه لمساعدة طلائع ثلوج ، القاصِدة بنزولها المُنَعَّم تغطية براعم نباتٍ منذ وُجِدَ بين مكونات مثل الثرى لم يفارق مع دورة الفصول الأربع مقامه بِمُحَاذَاةِ بُحَيْرَة ماءٍ لَجُوج ، يُصارع بأعظم تَجَلُّد درجات التجمُّد تنعكس من فوق لُجَيْنِهِ قمم دُوحٍ تكافح من أجل التجديد ببروز أفنانٍ طريَّة الاخضرار بتمايُل تلقائي مسموعة ما يحدثه من أصداء كنغمات موسيقى الأوْج ، أو كسنابل في مهد نمُوِّها من مكان تتحسَّس جواً فقدته لمدة لا تحرمها من مسايرة رغبة الترعرع هناك في سلام فتهدي حباتها (عن طيب خاطر) لعصافير لها حصانة الحياة في مثل الربوع المواكبة رغم الطقس المتجهِّم (أحياناً) على بقاءٍ بالبُطء مَدْرُوج ، خلال مَمَرِّهِ على معاطف زمنٍ بالمجهول مَمزوج . تلك وما جاورها من ليالي أرياف “كندا” شتاءً ، لمن استطاع في تجواله اكتشاف تغلبه على شراسة طقس ، لا يرحم المتهاون في أخذ الحيطة والحذر ، أو التارك لزوم المحافظة على حرارة جسمه ، ولو في الحد الأدنى ، فلطالما ألْهَى التعلُّق بالجمال انحراف العقل عن وظيفته الأسمى ، قد ينقلب سِحْر حُسْنٍ لما لا يُحمد عقباه ، للموجود مباشرة حياله ، الخيال متحكَّم في لَجمِ أبعاده خلال لحظة وجيزة ، لكنَّ المُثُولَ قدَّام بَهاء بحجم المترامي اللَّمعان ، الوالج بغير استئدان ، للسيطرة على مُخَيِّخِ انسان ، فأمر صعب على التقليل من تأثيراته النفسية ، إن لم يكن المَعْنِي شيمته مذ كان ، حَالِماً باليقظة المُطلقة ساعة المواجهة مع ما يراه الآن ، من أوْجُهٍ متعدِّدة ، محاسن طبيعة “كندا” المتحركة داخل وجدان ، واصفأً حقائق أمكنة وكأنَ أحاسيسَه الإنسانية أوْجَدَت لخصوصياتها لسان ، يُمجِّد ما خلقه الرحيم الرحمان ، ويطلب لو تَقاسَمَ الأخيار ، مِن عموم البشر ، ما ينعش مرورهم على الدنيا الفانية بسعادة التمعن في مثل المنظر ، الذي لا تخلو مساحات “كندا” كَبُرَت أم صَغُرَت دون أن يتكرَّر، مهما اتجهت حدود مقاطعاتها شمالاً أو جنوباً أو شرقاً آو غرباً .
العقل البشري واجد جمال الجمال يحيط به أينما ساقه صاحبه (مهما كان الفصل المناخي) ناحية البراري التي لا يحدها بصر، مهما استعان بمِنْظار ، أو صعد هضاباً كلمًَّا توغَّل داخلها شعر أنها تكبر وتكبر ، أو عانق خاطره جبالاً صخرية موشحة قممها بالثلوج ، او دفعه الإعجاب المفرط لبحيرات عزَّ تكرار نقاء مياهها فوق الأرض ، تُطمْئِنُ أنَّ بَلْسَمَ الحياةِ نابع منها ، يزرع نضارة “كندا” بما توفره للأنسانية كلها ساعة لا زالت في طي الغيب إن أراد الباري الرحيم بعباده هنا ، أو هناك في عالم لا يصل لذروة التمتع فيه ، سوى الاتقياء العاملين كانوا لصالح الخير مهما بلغ جانبا من جوانب البناء ، المحافظ على الحقوق الشرعية للمخلوقات جميعها ، أو العامل على إسداء الواجبات بما يُقوِّي نتائجها الايجابية في الدنيا قبل الآخرة ، وهكذا تتبلور الأفكار لتمتزج ما يجول في دواخل الأدميين خاصة ، مع تموجات تتصاعد رغم تباين قوة أصواتها ، منسقة تصل الآذان ، المُلتقطة لهذا الحاصل المتجاوز أي وصف مهما بلغ المسؤول عنه حداً مُتقدِّماً من بلاغة البيان ، أصوات رغم تداخل بعضها البعض منظََّّمَة على طبقة لَحْنِيَةٍ واحدة لمعزُوفة روحية ، كل آلة مشاركة فيها قائدة أخريات ليبدو الشَّدْو سابحاً بالعواطف سبَّاحاً للسماء ، في نشوة لا يمكن التعبير الصادق الحقيقي بها وعنها ، إلاَّ من طرف المعترف بجميل دولة “كندا” المسؤولة عن اتاحة الفرص لعقول تسعى كأصحابها عبر القارات التقرُّبَ ما أمكن لعمق الجمال المختلط بكل شبر من أرض حدودها، تهتدي بجماله لأنبل ايمان ، يُقرِّب الانسان مهما كان ، لمعرفةِ أنَّ الحياةَ قصيرةٌ فالأفضل قضاء ما تبقَّّى له منها ، في ارضٍ لا يجوع فيها ، و لا يُظْلَمُ داخلها ، يَمنَح من عرقِ جبينه (عن حرية اختيار) اسهاما في تقوية عرى السلام ، وبالعدل والخُلُقِ الفاضِل يتدبَّر خالص شؤونه ببالغ احترام ، لشؤون الآخرين من حوله إن تَسَنَّى له المَقام ، عن قَدَرٍ مُقَدَّرٍ ونِعْمَ حَكَم .
التعليقات مغلقة.