إعداد د. مبارك أجروض
خلافا لكل النظريات السابقة وما كان مرسخا في عقولنا لسنوات جاءت دراسات حديثة وبحوث لتقول لنا إن السمنة أو زيادة 10ـ15 كيلو جراماً على الوزن المثالي مفيدة للصحة وخصوبة المرأة، بل قد تنقذ من الموت وتطيل العمر وتعود بنا إلى الماضي حيث كانت البدانة من علامات الجمال.. وأعتقد أن اختيارهم أنثى بدينة للتعبير عن آلهة الخصوبة لديهم لم يكن في الحقيقة عبثاً ! ففي دراسة قام بها المركز الوطني الأمريكي للأمراض والوقاية منها ثبت أن السمنة، أي عندما يكون مؤشر كتلة الجسم BMI للفرد ما بين 25 و30 لا يؤدي ذلك إلى الموت المبكر، بل يعيشون فترة أطول من الأفراد الطبيعيين، والنحاف هم أكثر عُرضةً للموت المبكر والأمراض، وخصوصاً عند التعرُّض للضغوط.
ويعتبر الخبراء المراقبون ذلك بأنه أعظم اكتشاف بعد اختراع البنادول ! علما بأن هذه الدراسة تمت على ثلاثة ملايين شخصا من خلال 79 دراسة شملت أمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا والصين وتايوان. أي أننا في حاجة إلى بعض الدهون لحياة صحية أفضل، خصوصاً النساء، ونتخلى قليلاً عن صورة البطل ذي عضلات البطن البارزة أو الجميلة ذات العود الذي يكسره هبوب الهواء. هذا ما أثبتته الباحثة روز فيرش من جامعة هارفارد ودوّنته في كتابها ”خصوبة المرأة وارتباطها بالدهن الجسدي”، حيث قالت: إن النساء يحتجن إلى نسبة دهون معينة للمحافظة على الخصوبة التي تقل بفقد الدهون بالحمية والرياضة..
وهكذا فلما كان يعتبر الوزن الزائد والسمنة من عوامل الخطر بالنسبة للعديد من الأمراض، أتبثت الدراسة الحديثة أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم قد يكون مرتبطا بمعدلات بقاء أعلى لدى المرضى في المستشفى بسبب الالتهابات البكتيرية الشديدة.
فلقد أجرى العلماء في أكاديمية ساهلغرينسكا وجامعة غوتنبرغ ومستشفى ساهلغرينسكا في سكوفد بالسويد دراسة، تابعت على مدار 9 أشهر، 2196 شخصا ممن يتلقون الرعاية للاشتباه في إصابتهم بالعدوى البكتيرية الوخيمة، في مستشفى سكارابورغ في سكوفد، واستمرت متابعة المرضى حتى بعد إقامتهم في المستشفى.
وأظهرت النتائج أن زيادة فرص البقاء على قيد الحياة ارتبطت بمؤشر كتلة جسم أعلى على المدى القصير والطويل، وفي خلال13 شهرا بعد الاستشفاء كانت الاختلافات في معدلات البقاء على قيد الحياة واضحة، في المجموعة ذات الوزن الطبيعي، مات 26% في غضون عام، بينما تراوحت النسبة في مجموعة كتلة الجسم الأعلى بين 9 إلى 17%.
* حماية من الالتهابات البكتيرية
وأظهرت الدراسات لمجموعات محدودة من المرضى سابقا نتائج مماثلة، لكن النتائج الجديدة توضح وتؤكد “مفارقة البقاء على قيد الحياة للسمنة”: أن الوزن الزائد والسمنة يوفران الحماية من الالتهابات البكتيرية الشديدة.
آسا ألسيو، هي المؤلف الأول للدراسة، ومحاضر أول مساعد الأمراض المعدية بأكاديمية ساهلغرينسكا، تقول: “في سياق معظم الأمراض الأخرى، فإن زيادة الوزن والسمنة غير مواتية، وهذا ينطبق على عدة أنواع من السرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وعلى وجه الخصوص Covid-19؛ حيث يرتبط ارتفاع مؤشر كتلة الجسم بمعدلات وفيات أعلى، ومن المفارقات أن الأمر مختلف هنا”.
وتتابع: “ما لا نعرفه هو كيف يمكن أن تفيد زيادة الوزن المريض المصاب بعدوى بكتيرية، أو ما إذا كان مرتبطا بوظائف في الجهاز المناعي وكيف يتم تنظيمها، هناك حاجة إلى مزيد من المعرفة حول كيفية تأثير زيادة الوزن على جهاز المناعة، فئة واحدة من المرضى يمكن دراستها هي الأفراد الذين يخضعون لجراحة السمنة”.
من جانبه يقول غونار جاكوبسون، مستشار أول في الأمراض المعدية في مستشفى ساهلغرينسكا، والباحث الرئيسي في الدراسة: “لقد سلطت جائحة Covid-19 الضوء على الفئات الضعيفة من المرضى، وتضرر الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن بشدة، ربما يمكن استخدام الخبرة والتعامل مع الرعاية للمرضى الذين يعانون من عدوى بكتيرية حادة لتحسين تشخيص Covid-19 وزيادة الوزن”.
ويضيف “على الصعيد العالمي، تتزايد السمنة بمعدل ينذر بالخطر؛ هناك حاجة إلى مزيد من المعرفة لتسليط الضوء على كيفية تأثير وزن الجسم على دفاعات الجسم ضد العدوى، بحيث يمكن تخصيص العلاج بشكل فردي”.
ويعتقد الباحثون أن هناك حاجة مُلحة لمزيد من الدراسات، حول كيفية تأثير مؤشر كتلة الجسم على نتائج العلاج في مختلف الأمراض المعدية وما هي الروابط التي قد تحدث مع تنظيم الجهاز المناعي.
التعليقات مغلقة.