بقلم سلوى داوود
يعتبر العنف ضد المرأة من أكثر المواضيع جدلا في الآونة الأخيرة، فلا أحد ينفي أن المرأة تعتد الضحية الأولى للاعتداءات رغم ما وصلت اليه من مستويات تعليمية او مهنية. وحسب تعريف الأمم المتحدة فإن العنف ضد المرأة هو السلوك المُمارس ضد المرأة والمدفوع بالعصبيّة الجنسية، مما يؤدّي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة، ويُعدّ التهديد بأي شكل من الأشكال والحرمان والحد من حرية المرأة في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف ضد المرأة.
وعلى غرار المنتظم الدولي سلطت الجمعيات الحقوقية المغربية الضوء على العنف ضد النساء باعتبارهن الأكثر عرضة للاعتداء سواء الجسدي، الجنسي أو اللفظي وحتى الاقتصادي ….و خاصة وأن هذه الظاهرة تتقاطع مع العرف والخطاب الديني والتنشئة الاجتماعية التي تشرعن هذه الممارسات وتجعل المرأة في الغالب تتقبلها وتستدمجها. وتجعل أيضا من الصعب على النص القانوني أن يحقق النجاعة في محاربة الظاهرة. لنتساءل بالمقابل عن مدى الحكامة في صياغة هذه القوانين (ق103.13 لمناهضة العنف ضد النساء نموذجا). ولعل القانون 103.13 جاء كقانون مليء بالعقوبات الثقيلة – قد تصل العقوبة إلى 20 سنة سجنا لكل من يحتجز ويختطف امرأة، والغرامة لمن يسبها وعقوبة قد تصل الى ستة أشهر لكل من يتحرش بها، بالإضافة لعدد من العقوبات -“حيث صرحت وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الإجتماعية بسيمة الحقاوي أن القانون الجديد جرم أفعالا كالإكراه على الزواج وتبديد أو تفويت أموال بسوء نية بهدف التحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة”.
هي إذن مجموعة من النصوص والإجراءات والمستجدات التي وإن اعتبرناها مكتسبات لحماية المرأة إلا أنها جعلتنا نتساءل عن نجاعتها من خلال عدد من الاعتبارات. بداية الإشكاليات التي تواجه المرأة المعنَّفة فيما يتعلق بإثبات الضرر حين نتحدث عن عنف ممارس داخل بيت الزوجية.
أيضا نتساءل عن مدى كون النساء قادرات على تحريك المسطرة القانونية، في الوقت الذي غالبية الاعتداءات الجسدية والجنسية تكون داخل الوسط الأسري، وإن كانت خارجه، فتتدخل معايير العرف لتجعل المرأة تخشى الوصم والفضيحة وتفضل الصمت.
أيضا نتساءل هل الضمير الجمعي في المغرب واع بأن العنف هو ظاهرة يجب القضاء عليها أم أنه يعتبرها جزءا من الممارسات التي تحضر في المعيش اليومي، أي كشيء مقبول بل وكواجب في بعض الأحيان.
إذن هنا قد نسائل الحكامة التشريعية التي في الكثير من الأحيان تضع القوانين لمجاراة الركب الدولي وإرضاء التطلعات دون الأخذ بعين الإعتبار الخصوصية الثقافية لمجتمعها.
إذن حتى وإن وُضِعت القوانين الزجرية لمحاربة ظاهرة العنف ضد النساء فهناك خلل على مستوى بنية النص التي تتفاوت مع الواقع الذي وضعت لأجله، وذلك بسبب قبول المرأة للعنف من خلال ما يسود من أعراف في المجتمع المغربي حيث يفضل أن ثصبر المرأة على التعنيف على أن تصبح مُطلَّقة – كما نستشف من خلال المثال الشعبي الذي يقول “واللهم النخالة ولا ترجعي لدار باك هجالة” – ايضا من العرف السائد ان المرأة هي ذلك المخلوق المتحكم فيه من قبل الأخ الأب والزوج والعم أي أنها فاقدة للأهلية امام وليها ولعل من بين الأمثلة على ذلك هو كون قانون مدونة الأسرة أعطى الحق للفتاة في تزويج نفسها، لكن هذه الممارسة تبقى شبه منعدمة في المجتمع المغربي. أيضا نستحضر المادة 49 التي تهدف الى تدبير الاموال المكتسبة للزوجين في اطار تحديد املاك كل واحد منهما أثناء عقد الزوجية وهو ما يتم التغاضي عنه أثناء عقد الزواج بدعوى العيب و”الحشومة”.
وبالعودة للعنف في التمثل المغربي “فالعصا خارجة من الجنة” وكل من تعرضت للتعنيف فلابد أن تتحمل المسؤولية في ذلك حيث ان تعرضت للاغتصاب فبسب ردائها وان تعرضت للسرقة فلأنها تحمل حقيبة أولأنها كانت تمر من ذلك الشارع الفارغ إذن هي دائماا السبب. وإن عنفها أخوها أبوها أو زوجها فلأنها استفزته. إذن هي الفاعل الرئيسي في عملية التعنيف من منظور المجتمع.
هذا بالإضافة الى تلك الصورة النمطية التي يتم تسويقها في كون جل الحقوقيات هن مطلقات أو “عانسات” أو “بايرات” – كناية على الأرض البور التي لا تنتج شيئا- أو حليقات رؤوس هدفهن تخريب زواج باقي المغربيات بمعنى أن كل دعوة لحقوق المرأة هي دعوة لإفساد العلاقة الزوجية و إفساد لعقل المرأة.
إذن من خلال ثقافة المجتمع المغربي فالمرأة هي الضحية والجاني وهي ناقصة العقل التي خلقت من ضلع أعوج. التي يتم اختزالها في الإنجاب وفي حصولها على زوج” يسترها” حتى وإن كانت ناجحة في حياتها العملية. ولعل الخطاب الديني للبعض جاء أيضا ليرسخ هذه الرؤية ويشرعن للعنف حيث اختار بعض الفقهاء والدعاة ما يتماشى ورغباتهم في تحليل وتحريم ما يريدونه وأسلمة بعض الممارسات التي نطرح التساؤل حول مدى صحتها. إذ نجد الخطاب الديني الذي يتحدث عن الرفق بالقوارير في صورة جمالية لتوصيف النساء، تقابله الخطابات المبنية على الضرب والهجر، لنتساءل حول ازدواجية هذا الخطاب.
إذن كل ما سلف يبين لنا أن مناهضة العنف تحتاج إلى رؤية شمولية حكماتية ، يحضر فيها رجل الدين والسوسيولوجي والسيكولوجي، ورجل القانون والإعلاميين وكافة الفاعلين ودراسات تستطيع أن تحقق مقاربة شمولية حيث القضاء على العنف ضد النساء يكون استباقيا وقائيا وتغييرا لفكر مجتمعي بشكل متدرج يجعل اخر المراحل هي العقوبات الزجرية التي لن تنتج لنا سوى الاكتظاظ في المؤسسات العقابية في الوقت الذي تبحث فيه هذه الأخيرة عن حلول في الحد من الوالجين إليها.
التعليقات مغلقة.