عبد السلام انويكًة
الى حين ما ينبغي من إنصات شاف توثيقي لزمن تازة الرياضي بكل مستوياته وأعلامه، تنويرا للناشئة من الجيل الجديد بما كان عليه مشهد المدينة من محطات وانجازات وتألق وعطاء وتنافس وتميز فرجة رياضية، سواء خلال فترة الحماية الأجنبية، تحديدا منها عقودها الأخيرة، أو بعد استقلال البلاد حتى نهاية القرن الماضي. والى حين ما ينبغي ايضا من تلاقح ذاكرة وتجارب محلية من خلال تجلياتها وتراكماتها وتفاعلها هنا وهناك، عبر ندوات ومعارض واحتفاءات وأبحاث ودراسات وغيرها؛ فضلا عن توثيق عبر أعمال وأنشطة فنية ابداعية مثلما حصل من مبادرات معبرة بجهات عدة؛ ووعيا بكون زمن المدينة الرياضي وذخيرته، إرث رمزي بدور هام في التنمية المحلية إن هو أحيط بما يجب من التفات وعناية وتثمين وحسن استثمار.
الى حين كل هذا وذلك، ارتأينا إطلالة خفيفة حول فرجة كرة القدم التازية عن فترة أوج ومجد وعطاء وعظمة في سنواتها الأخيرة، تلك التي يلتقي رأي عام واسع محلي وكذا تقدير مهتمين ومتتبعين ورياضيين واعلاميين وغيرهم، إنها ارتبطت بثمانينات القرن الماضي، قبل أن يشهد المجال ما شهده من تراجعات لا تزال قائمة ممتدة، بعد تاريخ حافل يشهد على ما كانت عليه المدينة من حضور متميز يعود الى فترة الحماية عبر عقود من الزمن.
وحول أثاث تازة الرياضي من خلال هذه الورقة، نستحضر ذاكرة كرة القدم التازية بملعب تازة البلدي مطلع ثمانينات القرن الماضي، لتلمس ما كان عليه هذا الفضاء من مكانة وجمهور وفرجة وتتبع وتجارب فرق كروية، كانت بما كانت عليه من إثارة وجذب وأسماء تستحق كل ذكر واحتفاء وثناء.
ولعل من تجارب كرة القدم التازية التي لا تزال عالقة بمكانة خاصة في ذاكرة المدينة الرياضية، لِما كانت عليه من عطاء وتميز فعل ولون وهيبة ومن ثمة من فرجة.
فهناك فريق “نجم الشباب الرياضي التازي” وما أدراك ما هذا الفريق، وهذا الاسم والأثر الذي لا يعرف عنه الجيل الجديد من الناشئة ربما أي شيء، نجم الشباب الرياضي التازي هذا الذي يشهد على زمن رياضي تازي لا يمكن نعته سوى بالذهبي في محطاته المشرقة الأخيرة الى عهد قريب، قبل أن ينزل المشهد تدريجيا منذ هذه الفترة لِما هو عليه الآن، والأسباب عدة غير خافية عن أهل شأن ممن كان فاعلا ومتتبعا ومهتما.. الخ.
وفريق”نجم الشباب الرياضي التازي” الذي يصعب القفز عن اسمه وإسهاماته في ذاكرة تازة الكروية، يعد حلقة ومحطة وعلامة مشرقة بكل ما للكلمة من معنى في تاريخ المدينة الرياضي، رغم تجربته التي لم تدم سوى بضعة سنوات، وهذا موضوع الحديث عنه ذو شجون من حيث حيثياته التي من شأن اثارتها فهم ما لا يزال قائما جاثما من واقع حال يخص المجال؛ علما أن ما شهده هذا الفريق من اشعاع وتميز، كان جزءا من مشهد رياضي عام كانت عليه المدينة، من خلال مصالح ومرافق عمومية وصية من قبيل دار الشباب، وما كانت عليه المؤسسات التعليمية الثانوية خاصة من تنافسية وأنشطة رياضة منتظمة، فضلا عن جمعيات نشيطة هنا وهناك على مستوى فرق الأحياء مثلا، وما كشفته وأبرزته هذه الأخيرة كمشاتل من مواهب ومهارات رياضية، شكلت قواعد خلفية أغنت تجارب مشهد المدينة الرياضي عموما بموارد وطاقات عدة؛ منها تجربة فريق “نجم الشباب الرياضي التازي” الذي تأسست روحه ومسيرته على طبيعة هذا الايقاع الرياضي المحلي، وعلى ما كان يزخر به من علامات ومواهب رفيعة، تلك التي حقق بها هذا الفريق أعظم وأجمل لحظاته وإشعاعه وفرجته وتنافسياته سواء داخل المدينة أو خارجها، وقد أثار لاعبوه ما اثاروا من إعجاب لدى ادارة كبريات الفرق الوطنية لكرة القدم آنذاك.
يذكر أن فريق “نجم الشباب الرياضي التازي” أسسه أحد أبناء المدينة الغيورين، من أجل اغناء فرجة كرة القدم واعطاء مكونات مشهدها نفسا أكبر في التباري بأفق محلي ووطني. وهذا ما جعل هذا الفريق بما كان عليه من انطلاقة قوية وبصمة يحفظها تاريخ المدينة، بل بفرجة رفيعة المستوى عاش معها الملعب البلدي بتازة لحظات رياضية مجيدة وذهبية، عندما كانت جنبات هذا الأخير تغص مساء كل يوم أحد بجماهير من كل حدب وصوب، ناهيك عما كان يملأ المكان من ثقافة تتبع وهتافات وتفاعلات ومتعة وفرجة ونشوة بنتائج ولمسات وأداء ولقطات وغيرها، وهو ما يجسد ويترجم ليس فقط ما كانت عليه المدينة من اشعاع رياضي ومواعيد فرجة، بل ما كانت عليه تجاربها ايضا من بصمات وعطاء وورش رياضي لفائدة المدينة.
وكم كانت أيام الأحد بتازة بطعم خاص مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما كان يستقبل فريق”نجم الشباب الرياضي التازي” مثلا فريقا خصما من مدينة أخرى على أرضية ملعب المدينة البلدي، بحيث بقدر ما كان الإعداد والاستعداد ومعهما الاقبال على هذا الفضاء يوحد عناية وشغف ورغبة الجميع شبابا واطفالا وشيوخا، بقدر ما كان المشهد يبعث على شعور بمعاني فرح وبهجة ومتعة لا توصف، تلك التي تبدأ منذ الانطلاقة صوب الملعب البلدي ومنذ اقتناء تذكرة دخول وعندما تتخطى بوابته الرئيسية، ومنذ ايضا اعلان انطلاق المقابلة على ايقاع موجات جمهور غفير، مع ما يطبعه من تقاليد فرجة وحركة وتحليل وتفاعل وتوقعات ومن تتبع في نفس الوقت لعدد من المتفرجين عبر أجهزة مذياع صغيرة، لِما يجري من مقابلات ونتائج هنا وهناك عبر ملاعب ربوع البلاد؛ كلها معاني فرحة وبهجة كثيرا ما كانت تكتمل صورتها ولحظتها البهية مع كل نتيجة باعثة على ارتياح وفخر ونشوة، الى حين مقابلة ولقاء وموعد آخر بنفس المكان.
جدير بالإشارة إلى أن الملعب البلدي بتازة يعود إحداثه الى فترة الحماية، وعليه فما كان به من بصمة عمارة اجنبية كثيرا ما كانت بتمثلات وإحساس وتأمل خاص، وكان هذا الملعب التراثي الرمزي بالمدينة قد شهد جملة إضافات معبرة خلال السنوات الأخيرة، حيث يتوفر على منصة لا تزال لحد الآن صامدة، حيث يجلس الجمهور على مقاعد خشبية مستطيلة ممتدة، لمشاهدة مباريات كرة القدم على أرضية ملعب عادية دون عشب طبيعي خلافا لِما هي عليه الآن، فضلا عما كان يحتويه هذا الملعب من مستودع ملابس على بعد بضعة امتار من جهته الغربية، مع مساحة مجاورة تابعة كان يظهر بها الفريقان المتنافسان قبل ترتيبهما وتوجههما صوب أرضية الملعب على ايقاع ألوان أقمصة متباينة وطاقم تحكيم وادارة تدريب وتسيير.
وغالبا خلال هذه الفترة من ثمانينات القرن الماضي، ما كانت جنبات الملعب البلدي بتازة تمتلأ عن آخرها بجمهور متفرج سواء على مستوى منصته الشرفية أو على جنباته وأطرافه، فضلا عما كان يؤثث أسوار الملعب وأشجاره المحيطة وكذا بعض الدور القريبة المطلة، بل ايضا حتى على مستوى مرتفع مجاور ذلك الذي يوجد به مقر الوكالة المستقلة للماء بالمدينة حاليا. حيث كان يلجأ البعض ممن لم تسمح لهم ظروفهم المادية من ولوج الملعب، ولما كانوا يعجزون عن التسلل عبر جدرانه لشدة ما كان يحكمها من حراسة. ولهذا كانوا يكتفون بتتبع لحظات المقابلة من هذا المرتفع عبر ما كانوا يلتقطونه من ايقاع عن بعد ومن جنبات ضيقة فقط كانت تبدو من بعيد، وعبر ما كانوا يسمعونه من هتافات الجمهور كلما تم تسجيل اصابة أو عند ضياعها، أو ما كان يترتب ويملأ الجمهور من صفير في حالة تسجيل الفريق الخصم الزائر ناهيك ايضا عن صفير الاحتجاج على الحكم مثلا. ولعل هذا وذاك من المشهد يعكس ما كانت عليه فرق كرة القدم المحلية ومنها فريق “نجم الشباب الرياضي التازي”، من جمهور متتبع محب متضامن مشجع مرافق داعم له في كل مقابلة محلية.
ولعل من تقاليد مباريات كرة القدم محليا والتي لا شك أنها لا تزال عالقة في ذاكرة الكثير، هو أنه عندما يكون الفريق المحلي منتصرا وبعد انطلاق الشوط الثاني من المقابلة ببعض الوقت، كان يتم فتح باب الملعب والسماح بدخول مجاني لجميع من يكون محيطا متتبعا من أطفال وشباب وغيرهم. وكانت فرصة بالنسبة لهؤلاء لمشاهدة ما تبقى من المقابلة على وقع نشوة الجمهور بالفوز، وفي نفس الوقت رؤية لاعبي فريق نجم الشباب الرياضي التازي ومعهم لاعبو الفريق الخصم، مع ما كان يملأ المدينة من فرحة عامة بعد نهاية المقابلة وتحقيق تقدم ما وترتيب جيد بين مجموعة ما. وغير خاف ما كان عليه فريق”نجم الشباب الرياضي التازي” لكرة القدم من بصمة طبعت مطلع ثمانينات القرن الماضي، وما وفره ايضا من فرجة وايقاع واضافة واثارة وتقدير واشعاع على مستوى المدينة وعلى صعيد الجهة والوطن، بدليل ما كان عليه لاعبو الفريق من استقطاب وتثمين. وعليه، يحق لتازة الفخر بهذه التجربة التي لم تعمر سوى بضعة سنوات، وبما كانت عليه من حضور متميز لا يستقيم الحديث عن تاريخ كرة القدم بالمدينة دون ذكر انجازاته وأسماءه ونجومه آنذاك، سواء تعلق الأمر بأسماء خط دفاعه أو خط هجومه أو حراسة مرماه.
التعليقات مغلقة.