أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

عندما لا يجد المواطن من فرص العمل الجمعوي ما يجده الأجنبي؟

الحبيب عكي

حرية كبيرة تلك التي يمارس فيها الأجانب أنشطتهم المدنية والاجتماعية في المغرب، وحتى استثماراتهم الثقافية والاقتصادية والفنية والرياضية، فكم لهم في هذا البلد المضياف من بعثات تعليمية يملؤها عليهم أبناء المغاربة قبل أبنائهم، وكم لهم من مراكز ثقافية وفنية ولغوية أكثر من يرتادها شباب المغاربة، وهم يؤسسون كذلك شركات استثمارية و وكالات تدبيرية بالتفويض في المدن الكبرى، وبيسر كبير ينظمون مهرجانات فنية متعددة المواضيع وجولات وقوافل سياحية يقومون خلالها ببعض الحملات الاجتماعية بما شاؤوا وكيفما شاؤوا .. وأينما شاؤوا من المناطق، ومع من شاؤوا من المساعدين، كثيرا ما تعرقل جهود غيرهم من المحليين في تنظيم مثلها، وأحيانا بكل الدعايات والإشهارات على كافة وسائل الإعلام، يوزعون خلالها في الظاهر ما شاؤوا من حافلات النقل المدرسي والدراجات الهوائية إلى الحواسيب واللوحات الإلكترونية.. إلى مجرد الكتب والمحافظ والدفاتر والأقلام..، نعم، حتى الدفاتر والأقلام مع الأسف، هل لا تملك جمعياتنا مثل هذه الأشياء، ولا تستطيع الحصول عليها والتعبئة لها، أم فقط يحال بينها وبين توزيعها في أجواء اجتماعية تضامنية، ولفائدة من؟.

 

أعمال يغبطهم عليها المواطنون الذين بإمكانهم القيام بمثل هذه الأعمال وبأكثر منها، دراجات ومحافظ وكتب ولوحات وألبسة وأفرشة وقفف رمضانية وكسوة العيد والدخول المدرسي بل كفالة اجتماعية عامة..، ولكنهم تحول بينهم وبينها عقليات مزاجية وحسابات ربما سياسوية، هيئات خيرية وجمعيات تطوعية ومحسنين وفاعلين..، ولكنهم يجدون من التضييقات الإدارية والمحاسبات القانونية والمتابعات والمراقبات المباشرة وغير المباشرة، ما لا يخدم شعارات التنمية المرفوعة والمشاركة المواطنة المفتوحة، وما هم في غنى عنه وما لا ينوؤون عن حمله وتحمله مهما كانت دوافعهم الإحسانية التطوعية وخبراتهم المدنية الميدانية.

فالتيسير على الأجانب في العمل المدني الجمعوي والتضييق على المواطنين، لا يمس إلا بالمصلحة العليا للوطن والمواطن وحاجة المواطن الضعيف، ولا يرسخ إلا مقولتهم الشهيرة: “مطرب الحي لا يطرب”، ما دام الحق والقانون سلطة..، والعمل الجمعوي سلطة..، والترخيص له سلطة..؛ والسلطة عدادة أوجه وحسابات، الضاحك منها والمرحب به للأجانب، والمكفهر المتوثر المقيد أحيانا للمواطن، وضع مضطرب يجعل بعض المنظمات الدولية وهيئاتها الموازية تفرض توجيه القرار الوطني في مدونة الأسرة مثلا دون نشاط ولا ترخيص، في حين أن جمعيات المجتمع المدني في عقر دارها لا تستطيع مثل ذلك ولا عشر معشاره إلا من لف لفها وكان صدى لجوقتها؟. 

قد يرى المرء منا أن الأجانب لهم كذلك حق تأسيس الجمعيات والشركات في المغرب، ولم نسمع يوما عن مضايقات لاحقت جمعية أو فرضت عليها عضوية مكتبها أو رفض تسليم وصلها أو الترخيص لأنشطتها؟.

وقد يرى، أجانب آخرون تعطى الأفضلية لمشاريعهم حتى أن شركاتهم ومقاولاتهم قد اقتحمت علينا مجال التدبير المفوض للنظافة والنقل والماء والكهرباء في المدن الكبرى دون أية قيمة مضافة غير تهميش الطاقات الوطنية والشباب المعطل بدل تأهيلهم وتشغيلهم ومحاسبتهم عند الاقتضاء؟.

وقد يرى المرء في هذه البلاد السعيدة، أجانب يتجولون في البلاد طولا وعرضا أفرادا وجماعات، يرتادون كل مكان في القرى والمدن ويصورون في كل مكان، ويقيمون طقوسهم المخالفة لثقافة وعادات البلاد في كل مكان حتى في الواحات والجبال، مقابل فاعلين ثقافين يعانون ما هي وما لونها من أجل الحصول على مجرد ترخيص ولو بتصوير شريط قصير في فضاء عام؟.

وقد ترى أجانب يغرقون مكتبة مؤسسة تعليمية بما هب ودب من الكتب الثقافية بعضها ذات حمولة “مش ولا بد”، بينما جمعية محلية أو حتى عامل داخل المؤسسة يحتاج إلى كل تراخيص عليا ودنيا حتى يتسنى له بعض التطوع لمكتبة المؤسسة فقط ولو ببعض كتب المقرر الدراسي وجوائز المسابقات؟. 

جميل أن يكون بلدنا الحبيب بلد الأمن والأمان والسلامة والإسلام، إليه يلجأ الجميع عند الحاجة والاختيار، وفيه يرتاح جميع المقيمين والأجانب ويشعرون بالاستقرار، ويحيون حياة حرة نشيطة وكأنهم في بلدهم الثاني بل أفضل مما هم في بلدانهم الأصلية وما تعرفه من إكراهات وتوترات أحيانا، ولكن، أليس هناك مبالغة في إكرام الضيف أكثر من أهل الدار؟، أليس هناك كثير من الترحيب بالضيوف وتيسير أمرهم مقابل توجس مجاني من أهل الدار والتضييق عليهم؟، بل إن الضيوف أنفسهم نوعان، تبعا لنفس المنطق المعوج والكيل بمكاييل الحظوة والرضا والسخط وغير الحظوة، أجانب أوروبا المستعمرة يحظون بكل الامتيازات السابقة الذكر وكأنهم لا يزالون في مستعمرتهم القديمة يفعلون فيها ما يشاؤون ولا يسألون عما يفعلون؟، وأجانب جنوب الصحراء ورغم التقدم الذي حصل في استقبالهم وإقامتهم وتسوية أوراقهم..، فلا تزال وضعيتهم يحتاجون وينتظرون العديد من الخدمات الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية والتضامنية من إخوانهم المقيمين وغيرهم من المواطنين، فمتى ينالونها بدل ما يلجأ إليه بعضهم من أخذها بأيديهم بالقوة كما يحدث في بعض المدن الكبرى؟، ومتى يخلى بينهم وبين من يرغبون في مساعدتهم والاشتغال في مجالاتهم وبإمكاناتهم قدر المستطاع المدني الاجتماعي وهم كثير ومقدر بل مسعف؟.

كان على السؤال المعضلة أن يكون مقتصرا على مجرد العمل المدني والقانون، الذي يجعله متاحا للجميع عند توفر الشروط، أو ممنوعا على الجميع عند غيابها، دون التمييز بين جهة مدنية داخلية ولا خارجية، ولا بين جهة خارجية أووربية أو أفريقية و لا جهة وطنية محظوظة وغير محظوظة؟. 

هل جمعيات المجتمع المدني لأبناء الجالية في المهجر مثلا تميز عن غيرها من الجمعيات الغربية في الحقوق والواجبات؟، أم لها كل الحقوق كغيرها بما في ذلك حق تنظيم أنشطتها الدينية والتضامنية والدعوة إلى مبادئها الإسلامية وفق القوانين الجاري بها العمل في دول الاستقبال؟.

هل عدد الغربيين الذين يعتنقون الإسلام كل سنة رغم الإسلاموفوبيا (75 ألف في فرنسا.. 50 ألف في بريطانيا.. 25 ألف في أمريكا.. 12400 في ألمانيا..)، هل يأتي كل هذا من الفراغ الثقافي الدعوي أم من التضييق والمنع؟.

كيف سيقتنع الشباب عندنا بالحق في الانتماء وممارسة العمل الجمعوي الذي يكفله الدستور والقانون وهو يرى بعض السلطات ترخص لهيئة أو هيئات أجنبية بتنظيم مهرجان دولي في مركب من مركبات المدينة أو شارع من شوارعها أو شاطيء من شواطئها أو ملعب من ملاعبها أو حتى في عمق الصحراء في “مرزوكة” و”طنطان”…، وتضع رهن إشارتها مئات بل آلافا من شرطة التنظيم وفنادق الإقامة وحافلات النقل ومنابر الإعلام..، في حين تعرقل هيئته المحلية أو الوطنية في مجرد تنظيم رحلة سياحية ترفيهية استكشافية تواصلية تنموية اجتماعية إلى تلك المناطق وكلها بمجهودات ذاتية؟، الأمر لا يستقيم.. لا يستقيم؟.   

التعليقات مغلقة.