في خطوة غير مسبوقة ونوعية. قررت السيدة “رفقي فاطمة” رفع دعوى قضائية مباشرة ضد “وزارة الداخلية” المغربية. احتجاجاً على الأوامر الصادرة عن الوزارة بقتل الكلاب والقطط الضالة في الشوارع، بدلًا من تبني مقاربات إنسانية وعلمية لمعالجة ظاهرة الحيوانات الضالة.
تأتي هاته الدعوى تتويجاً لنضال طويل خاضته السيدة “رفقي” رفقة نشطاء وجمعيات مدافعة عن “حقوق الحيوان”. المطالبين بوقف هاته الممارسات معتبرينها قاسية وغير فعالة. والتوجه بدل ذلك نحو حلول بديلة أكثر استدامة وإنسانية.
وقد تم تحديد موعد الجلسة الأولى لهذه القضية الهامة، يوم الاربعاء 14 ماي، ابتداء من الساعة العاشرة صباحاً، بالمحكمة الابتدائية بالرباط.
وتحظى هذه الدعوى بدعم كبير من جمعيات “حقوق الحيوان” في المغرب وخارجه. إضافة لمؤازرة من محامين متطوعين ملتزمين بقضايا العدالة وحقوق الكائنات الحية.
ويرى الادعاء أن الأوامر الصادرة عن وزارة الداخلية تتعارض مع مبادئ الرحمة والإنسانية. كما أنها لا تعالج جذور المشكلة، بل تساهم في خلق مشاكل بيئية وصحية أخرى على المدى الطويل.
وتُعد هاته الدعوى بمثابة “صرخة من أجل الرحمة والعدالة. ومن أجل الأرواح التي لا تملك صوتًا”، كما وصفها الداعمون للقضية.
كما أنها تفتح نقاشاً مجتمعياً وقانونياً واسعاً حول مسؤولية الدولة تجاه الحيوانات الضالة. وضرورة تبني سياسات عامة تراعي الجوانب الأخلاقية والعلمية في التعامل مع هذه الظاهرة.
كما يطالب المدافعون عن حقوق الحيوان بضرورة تطبيق برنامج التعقيم والترقيم (CNVR – Catch-Neuter-Vaccinate-Return) كحل أمثل للتحكم في أعداد الحيوانات الضالة. والذي أثبت فعاليته في العديد من الدول. إلى جانب توفير المأوى والرعاية البيطرية للحيوانات المريضة أو المصابة.
وهاته الجلسة القضائية المرتقبة ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي لحظة حاسمة في مسار النضال من أجل الاعتراف بحقوق الحيوان في المغرب. وهي صرخة وفرصة للدفع نحو تغيير جذري في طريقة تعامل السلطات مع هذه القضية. كما تحمل دعوة موجهة إلى “كل الضمائر الحية” لمساندة هذه القضية العادلة، والحضور إلى المحكمة لدعم السيدة “رفقي فاطمة” والمدافعين عن حقوق الحيوان. وإيصال صوت الحيوانات الضالة التي تتعرض للقتل والإهمال.
تجدر الإشارة إلى ان القانون الجنائي المغربي يتضمن فصولاً تجرم القسوة على الحيوانات وتعاقب عليها. وهو ما يشير إلى وجود إطار قانوني لحماية الحيوانات، وإن كان محدوداً في بعض الجوانب.
قتل الحيوانات بين التجريم القانوني المحدود وضرورة تعزيز الحماية القانونية
يُثير موضوع قتل الحيوانات في القانون المغربي نقاشاً حول مدى كفاية الإطار القانوني الحالي لضمان حماية فعلية للحيوانات. خاصة تلك التي تعيش في الشوارع أو التي تُعد حيوانات أليفة.
ففي حين تتضمن بعض النصوص القانونية تجريماً لبعض الأفعال التي تُلحق الأذى بالحيوانات. إلا أن هذه النصوص تظل محدودة في نطاقها وتطبيقها. وهو ما يطرح الحاجة لتطوير التشريعات القائمة لمستوى أكثر شمولاً وصرامة لضمان حماية أفضل لهذه الكائنات.
وهكذا فإن القانون الجنائي المغربي ينص في فصول متفرقة. على عقوبات تتعلق بالقسوة على الحيوانات. حيث ينص الفصل 601 من القانون الجنائي على المعاقبة بالحبس والغرامة كل من قتل أو بتر بغير ضرورة، أياً كانت، حيواناً من الحيوانات المستأنسة أو داجنة أو سمكاً في ملك الغير.
كما يعاقب الفصل 602 كل من سمم أو أتلف أو كسر آلات أو أدوات تستعمل في الصيد أو الفلاحة أو في تربية الحيوانات أو في حفظ المنتجات الزراعية أو الحيوانية. إذا كان ذلك بقصد الإضرار بالغير.
وعلى الرغم من تجريم هاته الفصول بعض أشكال القسوة على الحيوانات. إلا أنها تركز بشكل أساسي على الحيوانات التي لها مالك، أي في ملك الغير. أو التي تُستخدم في أغراض اقتصادية. وهو ما يترك الحيوانات الضالة والبرية في وضعية هشة من حيث الحماية القانونية المباشرة.
كما تظل النصوص المتعلقة بالصحة العمومية والبيئة، والتي قد تتضمن بعض الإشارات إلى التعامل مع الحيوانات. غير كافية لتوفير حماية قانونية شاملة للحيوانات من القتل أو الإيذاء غير المبرر.
ففي حالات التعامل مع الحيوانات الضالة، غالباً ما يتم اللجوء إلى القتل كحل سريع. دون الأخذ بعين الاعتبار البدائل الإنسانية والعلمية المتاحة. ودون وجود إطار قانوني واضح يلزم السلطات بتبني هذه البدائل.
وتُبرز الدعاوى القضائية التي ترفع ضد ممارسات قتل الحيوانات الضالة. كما هو الحال في الدعوى المرفوعة ضد “وزارة الداخلية”، الحاجة الملحة لإعادة النظر في الإطار القانوني الحالي.
فالمطالب بتجريم قتل الحيوانات بغير ضرورة، وتوسيع نطاق الحماية القانونية لتشمل جميع الحيوانات، بغض النظر عن ملكيتها أو استخدامها. باتت ضرورة أخلاقية وقانونية. كما أن هناك حاجة لوضع قوانين تلزم السلطات بتبني برامج للتحكم في أعداد الحيوانات الضالة تعتمد على التعقيم والترقيم والرعاية، بدلاً من القتل العشوائي.
إن تطوير تشريع مغربي شامل لحماية الحيوانات يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد. تشمل تعديل القانون الجنائي لتجريم القسوة على جميع الحيوانات بشكل صريح وشامل. ووضع قوانين خاصة بحماية الحيوانات الأليفة والضالة والبرية. مع تحديد مسؤوليات السلطات العمومية والمواطنين تجاه الحيوانات. كما يتطلب الامر تشجيع ثقافة الرفق بالحيوان في المجتمع.
إن حماية الحيوانات ليست مجرد مسألة عاطفية، بل هي مؤشر على تقدم المجتمع وتحضره. لكونها تعكس مدى احترام الإنسان للحياة بجميع أشكالها.
إضافة لذلك قد يتضمن قانون حماية البيئة بعض المقتضيات المتعلقة بحماية بعض أنواع الحيوانات البرية، لكنه لا يوفر حماية شاملة لجميع الحيوانات. كما أن قانون الصحة العمومية قد يتضمن مقتضيات تتعلق بالتعامل مع الحيوانات للوقاية من الأمراض. وقد يتم اللجوء إلى القتل في بعض الحالات بناءً على هذه المقتضيات.
وتبقى المسؤولية الإدارية للدولة أساسية لكونها مسؤولة إداريا عن الأضرار الناتجة عن قراراتها أو تصرفاتها المتعلقة بالحيوانات. كما في حالة الدعاوى المرفوعة ضد السلطات بسبب قتل الحيوانات. والتي تتضمن دعوى لمراجعة قرار إداري صادر عن وزارة الداخلية. وهي تدخل ضمن اختصاصات المحكمة الإدارية التي لها الصلاحية للنظر في مدى مشروعية القرارات الإدارية ومطابقتها للقانون والمبادئ العامة. حيث يمكن مساءلة الدولة إدارياً عن الأضرار التي تلحق بالأفراد أو الممتلكات نتيجة لقراراتها أو تصرفاتها. في هذه الحالة، قد تتعلق المسؤولية بالضرر المعنوي الناجم عن الأوامر الصادرة بقتل الحيوانات. علما أن المبادئ العامة للقانون تستند على قواعد عامة. ضمنها مبدأ الرحمة والمسؤولية الاجتماعية للدفع نحو تعزيز حماية الحيوانات قانونياً.
وعلى الرغم من عدم وجود اتفاقية دولية ملزمة بشكل صريح بشأن حقوق الحيوانات الضالة. إلا أن هناك مبادئ عامة في القانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بالتنوع البيولوجي وحماية البيئة التي يمكن الاستناد إليها للدفع نحو معاملة إنسانية للحيوانات.
التعليقات مغلقة.