قراءة في تطور القضاء الدستوري بالمغرب
الطالب عبدالوهاب صنيبي باحث بماستر الصياغة القانونية وتقنيات التشريع بالمغرب
الطالب عبدالوهاب صنيبي باحث بماستر الصياغة القانونية وتقنيات التشريع بالمغرب
إن الكلام عن القضاء الدستوري بالمغرب يعود بنا إلى أول محاولة لهذا التأسيس وذلك من خلال مشروع دستور 1908، فقد أوكل هذا المشروع رقابة ما يصدر عن مجلس الأمة إلى مجلس الشرفاء ويقوم هذا الأخير بمراقبة دستورية القوانين في هذا الإطار، غير أن هذا التأسيس لم يكتمل إلا مع وضع أول دستور سنة 1962، وذلك بإنشاء غرفة دستورية في المجلس الأعلى، واستمر العمل بهذه الغرفة خلال ثلاثة دساتير، دستور 1962 و1970 و 1972، وعرفت هذه الغرفة صلاحيات محدودة في مجال الرقابة الدستورية ناهيك عن عدم استقلالية هذه الغرفة إذ أنها غرفة من ضمن الغرف المحدثة آنذاك بداخل المجلس الأعلى، الشيء الذي جعل المشرع المغربي في دستور 1992، يؤسس هيئة مستقلة تكون حاضنة للقضاء الدستوري وخاصة به؛ وهي المجس الدستوري الذي تم توسيع اختصاصاته مقارنة بالغرفة الدستورية وهو ما تم تأكيده في دستور 1996.
وفي خضم الصراعات الكبرى التي صاحبت صدور دستور 2011، تم تطوير القضاء الدستوري وذلك بالارتقاء بالمجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية، وهذه الأخيرة جاءت بمجموعة من المستجدات في مجال الرقابة الدستورية مقارنة بالمجلس الدستوري.
فإلى أي حد استطاع هذا التطور الذي مر به القضاء الدستوري بالمغرب فرض استقلاليته؟
وانطلاقا من الإشكالية أعلاه؛ سيتم التوقف مع كل مرحلة من مراحل القضاء الدستوري من خلال التطورات التي مر بها سواء على مستوى تعيين الأعضاء أو على مستوى الاختصاصات التي أوكلت إليه، بشيء من التحليل تارة والنقد تارة أخرى على الشكل التالي:
المحور الأول: الغرفة الدستورية
المحور الثاني: المجلس الدستوري
المحور الثالث المحكمة الدستورية
المحور الأول: الغرفة الدستوية
تعد الغرفة الدستورية هي أول لبنة في وضع معالم الرقابة الدستورية بالمغرب، ذلك أن كل نظام معياري حسب الفقيه كلسن عادة ما يصل إلى نقطة لا يستطيع تجاوزها لأنها بمثابة الحافة الخارجية للنظام، إذ أن شرعية القوانين الصادرة عن البرلمان تستمدها من مدى مطابقتها للدستور. وسيتم التوقف مع طبيعة العضوية في الغرفة الدستورية أولا، واختصاصتها ثانيا
أولا: طىبيعة العضوية في الغرفة الدستورية
تأسست الغرفة الدستورية بالمجس الأعلى وذلك بنص الفصل 100 من دستور 1962 الذي جاء فيه :” تؤسس بالمجلس الأعلى غرفة دستورية”، وفي الفصل 101 انتقل يحدث عن تأليف أعضاءها إذ تتألف بموجب هذا الفصل من خمسة أعضاء، من بينهم الرئيس الذي هو بحكم القانون هو رئيس المجلس الأعلى إضافة إلى أربعة أعضاء:
قاضي من الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى وأستاذ بكلية من كليات الحقوق يعينان بمرسوم ملكي ، إضافة إلى عضوين يعينان من قبل رئيسي مجلسي البرلمان.
وفي دستور 1970 عرف المغرب حذف مجلس المستشارين والعمل بنظام البرلمان ذي المجلس الواحد وهو مجلس النواب؛ الشيء الذي أدى إلى تخفيض عدد أعضاء الغرفة الدستورية إلى أربعة، قبل أن يرتفع العدد إلى سبعة مع دستور 1972؛ الرئيس وثلاثة أعضاء يعينهم الملك لمدة أربع سنوات بعد أن كانت من قبل ست سنوات.
ثانيا الاختصاصات
بالعودة إلى فصول الدساتير الثلاثة التي خصصت للغرفة الدستورية، فاختصاصاتها لاتخرج في عموميتها عن مراقبة مدى مطابقة القوانين التنظيمية للدستور ومراقبة مطابقة القوانين القانون الداخلي للبرلمان للدستور والبت في الخلاف بين البرلمان والحكومة عند التنازع بعدم قبول اقتراح أو تعديل على أساس أنه قانون لا يدخل ضمن اهتصاص القانون والموافقة على إمكانية تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل والبت في صحة انتخاب أعضاء البرلمان إضافة إلى البت في صحة الاستفتاء.
إن تركيبة الغرفة الدستورية تفتقر إلى عدم وجود أي ضمانات تنبئ على استقلاليتها، فهي مجرد غرفة دستورية ضمن غرف المجلس الأعلى وأحكامها تصدر عن هذا الأخير ناهيك أن رئيسها هو رئيس المجلس الأعلى بقوة القانون . ومن جهة أخرى فتعيين أعضائها يكون قابلا للتجديد وهذا قد يجعل القاضي كما يرى النويضي يتصرف في اجتهاده ومواقفه بالطريقة التي يعتقد أنها المرغوب فيها من طرف السلطات التي لها تأثير على بقائه في المجلس، لذا فإنه إذا كانت مدة العضوية طويلة وغير قابلة للتجديد توفر للعضو ضمانات أكبر بحيث يكون مستقلا في اجتهاده ومواقفه.
المحور الثاني: مرحلة المجلس الدستوري
حاول المشرع المغربي من خلال تأسيس المجلس الدستوري تجاوز بعض الانتقادات التي وجهت إلى الغرفة الدستورية بحيث تم الارتقاء به من مجرد غرفة دستورية ضمن المجلس الأعلى إلى هيئة مستقلة بذاتها هي المجلس الدستوري. كما عرفت الرقابة الدستورية في عهد المجلس الستوري تطورا في مجال عدد الأعضاء أولا والاختصاصات ثانيا.
أولا تشكيل المجلس الدستوري
طبقا للفصل 77 من نص دستور 1992، فالمجلس يتألف من تسعة أعضاء، أربعة أعضاء يعينهم الملك لمدة ست سنوات، وأربعة يعينهم رئيس مجلس النواب للمدة نفسها بعد استشارة الفرق النيابية، إضافة إلى تعيين رئيس المجلس الدستوري لمدة ست سنوات، ويجدد كل ثلاث سنوات نصف كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري. ومع دستور 1996 عرف المغرب العودة إلى الأخذ بالثنائية المجلسية؛ مجلس النواب ومجلس المستشارين، فطبقا للفصل 79 من دستور 1996 أصبح المجلس الدستوري يتألف من 12 عضوا، يتم تعيينهم لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد؛ ستة أعضاء يعينهم الملك من بينهم رئيس مجلس النواب وثلاثة يعينهم رئيس مجلس النواب وثلاثة رئيس مجلس المستشارين بعد استشارة الفرق البرلمانية، ويتم كل ثلاثة سنوات تجيد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري. ليتم بذلك رفع عدد أعضاء من 9 إلى 12 في ستور 1996، وذلك بسبب عودة المغرب إلى الأخذ بالثنائية المجلسية.
ثانيا: اختصاصات المجلس الدستوري
أصبح المجلس الدستوري يمارس إضافة إلى اختصاصات الغرفة الدستورية؛ رقابة دستورية القوانين العادية التي لم تكن ضمن اختصاصات الغرفة الدستورية من قبل، وهذا ما نص عليه الفصل 79 من الدستور”للملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو ربع أعضاء الذين يتألف منهم هذا المجلس أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بنفيذها إلى المجلس الدستوري ليبث في مطابقتها للدستور”.
وعموما فالمجلس حاول أن يساهم في بناء دولة الحق والقانون من خلال تأسيسه كهيئة مستقلة بذاتها بعد أن كانت مجرد عرفة من غرف المجلس الأعلى، إضافة إلى تمتعه أخيرا باختصاص مراقبة دستورية القوانين، كما أن تعيين الأعضاء المنتسبين إلى البرلمان أصبحوا يعينون بعدا استشارة الفرق البرلمانية. وبالرغم من ذلك فما زالت مجموعة من الانتقادات توجه إليه خاصة فيما يتعلق بتركيبته.
المحور الثالث: المحكمة الدستورية
لقد دشن دستور2011 مرحلة جديدة في تاريخ القضاء الدستوري بالمغرب، عمل من خلالها المشرع الدستوري على تأسيس تجربة جديدة حيث عمل المشرع على تغيير تسمية المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية وأصبحت تمارس اختصاصات جديدة غير التي كانت من قبل، وسيتم التوقف مع تأليف المحكمة الدستورية أولا واخصاصاتها ثانيا
أولا: تأليف المحكمة الدستورية
حافظ المشرع المغربي على عدد أعضاء المحكمة بتنصيصه على 12 عضوا، حيث حسب الفصل 130 من دستور 2011 “تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ستة أعضاء يعينهم الملك، من بينهم عضوا يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وستتة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب، وينتخب النصف الآخر من قبل مجلس المستشارين من بين المرشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس، وذلك بعد التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس.
إذا تعذر على المجلسين أو على أحدهما انتخاب هؤلاء الأعضاء، داخل الأجل القانوني للتجديد، تمارس المحكمة اختصاصاتها وتصدر قراراتها، وفق نصاب لا يحتسب فيه الأعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم .
يتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية.
يعين الملك رئيس المحكمة الدستورية الذين تتألف منهم.
يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسو مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة
ثانيا: اختصاصات المحكمة الدستورية
طبقا لدستور2011 ولمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، يمكن تنيف عملية مراقبة دستورية القوانين إلى مراقبة إلزامية ومراقبة اختيارية
- راقبة إلزمية وتتعلق بالقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 132: “تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور”.
- رقابة اختيارية وتتعلق بالقوانين العادية، وهذا بحسب الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور: ” يمكن للملك وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور”
وعلاوة على هذا فإن من الاختصاصات التي تدخل ضمن المحكمة الدستورية تلك المتعلقة بالبت في الطعون المتعلقة بالانتخابات التشريعة والبت صحة عملية الاستفتاء وتغيير الطبيعة القانونية للنصوص والبت في مدى ملاءمة الاتفاقيات الدوولية لمقتضايات الدستور.
ولعل من أبرز ما جاء به الدستور الحالي مقارنة بغيره، بما سلف من الدساتير السابقة على مستوى الغرفة الدستورية والمجلس الدستوري؛ مسألة الرقابة عن الطريق الدفع، حيث جاء في الفصل 133: ” تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس يالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل”.
ونظرا لكون هذا الاختصاص لا يزال اختصاصا جديدا غالبا ما تعمل به الأنظمة الأنجلوسكسونية فإن المشرع تباطأ فليلا في تنظيم هذا المجال الدقيق لما له من تأثير حساس وحيوي على القوانين.
وبالنسبة لأحكام المحكمة الدستورية فهي قطعية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.
من خلال علية تأليف المحكمة الدستورية واختصاصاتها يمكن القول بأن عملية تركيبة المحكمة الدستورية وإن جاءت مغايرة لما كان عليه الأمر من قبل كإضافة مجموعة من الشروط في المرشح للعضوية والتي لم يكن منصوص عليها في تشكيلة المجلس الدستوري والغرفة الدستورية معا، وتغيير طريقة اوختيار الأعضاء الستة الذين كان تعييهم عن طريق مجلسي النواب من طريقة التعيين إلى أسلوب الانتخاب. ناهيك على أن القانون التنظيمي نص على عدم الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية وممارسة أي مهنة حرة” ويعتبر هذا المقتضى من المستجدات. إلا أن مسألة تعيين نصف أعضاء المحكمة الدستورية وإمكانية ممارستهم لمهاهم في حالة تعذر استكمال عملية انتخاب الأعضاء المنتسبين لمجلسي البرلمان، يبقى محط تساؤل حول استقلالية القضاء الدستوري.
خاتمة
وختاما يمكن القول بأن القضاء الدستوري بالمغرب عرف تطورات كبيرة في السير نحو بناء دولة الحق والقانون عبر مراحله الثلاث إن على مستوى تعيين أعضائه أو على مستوى اختصاصاته، لكن تبقى فرضية عدم استقلالية القاضي الدستوري في أخذ قراراته مطروحة بشكل كبير على مائدة فقهاء القانون.
التعليقات مغلقة.