أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“مهبول أنا” من قلب مدينة أكادير قبل ليلة الهروب الكبير

بقلم: رضا سكحال

عجزت عن وصف المشهد الذي تعيشه مدينة الفنيدق. والتزمت الصمت لفترة، تتبعت الدعوة الجماعية للهجرة سباحة نحو مدينة تنتمي في الأصل لجغرافيتنا. قبل أن تسقط في يد البرتغال سنة 1415 خلال عهد الملك البرتغالي “جواو الأول”. وقبل أن تبيعها البرتغال لإسبانيا، مقابل استقلال البرتغال عن التاج الإسباني في خضم معاهدة لشبونة سنة 1668.

تخيل معي أن دولة حصلت على استقلالها، وبنت كرامتها على منح قطعة أرض لا يملكون فيها أي حق لمستعمرهم.

فأي زمن حقير هذا الذي أصبح فيه شبابنا يهربون بطريقة مهينة نحو مدينة تعود في الأصل لنا، كأنهم يعترفون بسيادة الإسبان عليها؟

أو ربما الغضب من سياسات الحكومة الفاشلة، قد أعمت عيونهم –ولهم كل العذر في ذلك- لدرجة لم ينتبهوا للمسألة.

وأي كرامة تبقت لهذه الحكومة من “عزيزها” إلى “ناطقها الرسمي”. مرورا بوزراء يحصدون الأموال الطائلة دون أن يقدموا أية إضافة مرجوة، وقوفا عند نوام الأمة؟

نعم إنهم نوام الأمة، الذين لا يعرفون سوى كلمة المؤامرة الخارجية ومرادفاتها. في زمن البؤس والانحطاط السياسي. تجسدها التهم التي وجهها لهم زملاء “الدخيسي”. ملفات فساد مالي، علاقات مشبوهة مع تجار المخدرات، عزل شبه يومي لنواب ومستشارين جماعيين فاسدين.

ملفات أنهكت ميزان العدالة، أكاد أجزم أن القضاء كان رحيما بهؤلاء، حين لم يجردهم من جنسيتهم. بتهمة خيانة الأمانة لجموع هؤلاء البائسين الذين انتظروا بفارغ الصبر أن يلتفت لهم الوطن.

وأي وجه تبقى لزعماء المعارضة الحالية. الذين خربوا الوطن بمخططاتهم، ورهنوا مستقبلنا على طاولة مكتب “مدام لاݣارد” وصندوق النقد الدولي؟.

وحين أغرقوا سفينة الوطن، وجهوا اللوم للعفاريت. وبلغة المصرين، أقول غير نادم”عفريت لما يركبكم” جميعكم بدون استثناء.

اليوم قررت كسر طوق الصمت، وإعلان الإفطار بهذه السطور، بعد صوم طويل. لهذا سأصرخ نيابة عنكم جميعا، عن ذلك الطالب الذي يعاني من إشكالات متعددة، وحين يرفع صوته، لا يسمعه أحد.

وسأتحدث نيابة عن المعطل، الذي وجد نفسه خارج سوق الشغل، بعدما أغلقوا كل الفرص، حتى وزير التعليم سقف سن الولوج إلى مهنة التعليم، بحجة تجويده.

ونيابة عن ضحايا السياسات الفاشلة، سأكتب باسم الذين يعانون في صمت، لا يشتكون قط، بعد أن كذب عليهم شيخ “اليوتوب” والندوات. وأقنعهم بأن القناعة كنز لا يفنى، دون أن يخبرهم/يخبرنا في أي سوق تباع، حتى نشتري منها ما تيسر، لمواجهة  الغلاء والبطالة…

دعونا نتفق في بداية الأمر أن الهجرة حق مشروع لكل إنسان عبر هذا الكوكب، كيفما كانت جنسيته، عرقه، دينه، لونه…وأينما كانت وجهته. ودعونا نتفق كذلك أن الحلم بتحسين وضعية ما باختلاف مستوياتها أمر طبيعي جدآ. يكفله قانون الإنسانية، حتى وإن غاب هذا الحق عن كراسة حقوق الإنسان بعهدها العالمي وباقي فصولها، التي هي حبر على ورق، ولك أن تسأل قطاع غزة.

لكن أن تنتشر دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعوا إلى الهجرة الجماعية، هو أمر محزن ومخزي، خصوصا إذا علمنا أن الوجهة “مدينة مغربية مازالت مستعمرة”.

لن أدخل في نظرية المؤامرة، لكوني لا أملك معطيات دقيقة في هذا الصدد، ولن أعلن براءة الجهات التي كانت من وراء التجييش، من خلال الدعوات المكثفة للهجرة السرية بشكل جماعي بتلك الطريقة. ولن انتقد وزارة الداخلية التي هرعت لتطويق مدينة الفنيدق.

أولا: الامتعاض من الهجرة الجماعية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوجه سهام لومه نحو صدور من قرر المغامرة لعله يصل أوروبا من باب “سبتة” المحتلة.

فهذا الحدث، أخبرنا بوجود خلل ما في جسم الوطن. ففي الوقت الذي ترفع فيه الحكومة شعار الدولة الاجتماعية، وتعلن فيه أغلبية الحمامة عن مشاريع عملاقة، وعن مخططات واتفاقيات، وشراكات…. وعن مغرب أخضر وبرتقالي. يفند الواقع المعاش ما يردده زملاء “أخنوش”.

فهذه الدعوة للهروب هي نتيجة لفشل لا تتحمل مسؤوليته حكومة عزيز لوحدها. بل كل من تعاقب على تسيير الشأن العام. من رئاسة الحكومة مرورا بالبرلمان، وقوفا عند مجالس الجهة والمجالس الإقليمية والجماعية والقروية، انتهاء بالولايات والعمالات.

هؤلاء جميعهم من يتحملون المسؤولية التاريخية في اغتيال الأحلام وقتل الطموح، ومصادر الحق في الحياة.

قد تبدو الكلمة ذات حمولة ثقيلة، لكنها التعبير الدقيق لوصف المشهد المؤلم. نعم لقد صادروا الحق في الحياة، فماذا تبقى لنا بعد إغلاق كل المنافذ والسبل في وجهنا؟

أين أنت يا رشيد مما يحدث؟

أولست أنت من طالبتنا برميك بالحجر إذا لم يلتزم حزبك بالالتزامات التي قدمها من قلب أكادير قبل سنوات إبان حملة حمامتكم الانتخابية؟

الشباب يريد الفرار بعد فشلكم الذريع. وتركوا لك الحجر والشجر، سخروا منك ومن أغلبيتك، وهذا عقاب أكبر بكثير من رميك بالحجر.

ويا لسخرية القدر، ويا لكاريكاتورية التاريخ. فعلى الرغم من أنه يسخر من ضحاياه -أي التاريخ- ويلقي عليهم نظرة عابرة ثم يمر، إلا أن السخرية هذه المرة ستبقى وصمة عار عليكم، ولن تمر.

السيد رشيد الطالبي العلمي:

لقد رقصت شبيبتكم المبجلة على أنغام “مهبول أنا” فرحا بفوزكم بمقاعد الانتخابات الجزئية، في وقت ما زال فيه الجنوب يبكي أبناءه. وفي سياق أعلن فيه الشباب عزمهم عن تنظيم رحلة للهجرة غير الشرعية بشكل جماعي.

ماذا تقولون في هذا الصدد؟

لقد سفهمتم هذا الوطن، وجعلتم منا نبدو أضحوكة أمام الجميع، حين تركتم أجهزة الشرطة في مواجهة مفتوحة مع أبناء المقهورين بشوارع مدينة الفنيدق.

بدا الأمر محزنا، ونحن نلعب دور حارس الحدود لمدينة تعود في الأصل لنا. ولو كانت فيكم ذرة من تحمل المسؤولية لتقدمتم باستقالة جماعية من مناصبكم واحدا تلو الأخر.

لكنكم لن تفعلوا ذلك، وستستمرون في الجلوس على مكاتبكم. واستلام رواتبكم الضخمة، وستتحدثون عم مشاريعكم العملاقة، التي لا يراها غيركم. وستتقدمون للترشح في الانتخابات الموالية.

سدود أمنية لمنع تدفق المهاجرين نحو سبتة

قامت القوات الأمنية بوضع أكثر من خمسة سدود أمنية بالقرب من مدينة الفنيدق. وذلك قبل يوم الأحد الموافق للخامس عشر من شهر شتنبر. لعرقلة جيوش الراغبين في الهجرة، حيث تمكنت من إيقاف العشرات من هؤلاء على مستوى المحطة الطرقية بتطوان، ومحطة القطار بمدينة طنجة.

لكن المقاربة الأمنية لن تساهم في اقتلاع الأزمة من جذورها. ولن تستطيع القوات الأمنية مهما بلغ عددها، ومهما بلغت خططها، ومهما كان عدد سدودها، أن تقضي على ظاهرة الهجرة غير الشرعية. سواء بشكل فردي أو جماعي.

بل يستدعي الأمر فتح نقاش جدي حول طبيعة الأزمة التي يعيشها المغرب. وتقديم حلول ناجعة بشكل فوري وعاجل، والابتعاد عن لغة السفسططة، وبيع الوهم خدمة لأجندات سياسية ضيقة، سواء تعلق الأمر بالأغلبية، أو بالمعارضة.

فبدون الاعتراف بالفشل، وبدون الإقرار بوجود أزمة حقيقية، وبدون الوعي بضرورة إصلاح مجموعة من الأمور. سيبقى الأمر كما هو عليه، بل سينفجر البركان المشتعل، وسيؤدي الجميع فاتورة الإخفاق التي تتحمل تكلفته كل الجهات التي أصرت على تجاهل نبض الشارع، والإقرار بأن “العام زين”.

موجة البطالة

ارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول بالمغرب، فقد تجاوزت نسبتها 13 في المائة. وهي نسبة قياسية، لم تسجلها البلاد منذ سنة2001. مما ينعكس بالسلب على المجتمع.

حيث سترتفع نسبة الجريمة. وستعاني الفئة العاطلة من اضطرابات نفسية مقلقة. وسترتفع نسبة الانتحار كنتيجة متصلة بسابقتها. هذا بالإضافة إلى شعور الفئة العاطلة بالتهميش والحيف الاجتماعي، وبالظلم، وبالسخط والغضب. وهذا ما يفسر تزايد الرغبة في الهجرة ولو بطرق غير شرعية في صفوف فئة الشباب العاطل.

وفي ذات السياق، أكد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب. “أن النمو الاقتصادي بالمغرب لم ينعكس بشكل إيجابي على مستوى سوق الشغل”. إذ عرف سوق الشغل بالمغرب فقدان عدد لا يستهان به من مناصب الشغل. لينضاف هؤلاء إلى جيوش المعطلين.

لقد أكدت محاولة “الهروب الجماعي” لبعض شباب المغرب نحو وجهة ضبابية، فشلا حقيقيا للسياسات العمومية المنجزة من طرف هذه الحكومة، ومن طرف سابقتها. كما يمكن اعتبارها محاكمة رمزية لسياسات وهمية أخلت بكل التزاماتها.

وما صرح به “عزيز أخنوش” بكون حكومته قد حققت ثورة اجتماعية غير مسبوقة في المغرب. فهو أمر لا ينتطح فيه عنزان، بدليل أن هناك محاولة للهجرة الجماعية من طرف الشباب والقاصرين نحو المجهول. وهذه أكبر ثورة اجتماعية شهدها التاريخ المعاصر والراهن.

فماذا تبقى بعد؟

التعليقات مغلقة.