” ما أكبر الفكرة.. ما أضيق الدولة …”

محمد كمال لمريني

في كثير من الأحيان ،نسمع كلمة فلا نقلع عن لوكها كلما تكلمنا خاصة إذا كانت بلغة غير اللغتين الرسميتين للبلد ،ومنها كلمة destructifالتي وظفها أحد ضيوف ملتقى المدن الذكية في كلمة ألقاها بمناسبة تكريمه في ذات الملتقى.

كلمة destructif تقابلها في لغة الضاد مفردة ” هدام ” ،وهي بالمناسبة لا يمكن توظيفها لنعت الرأي المخالف أو النقد ،فكل نقد ،ولو بدا لنا ظاهريا كذلك ،له مستوى من البناء والصدقية ،ولقد سبق لنا أن سمعنا مثل هذا التوصيف منذ 32 سنة بمناسبة تنظيم الملتقى الثقافي الأول ،ومن غرائب الصدف أن نسمع نفس الكلام وبعد ما يقارب ثلث قرن وبمناسبة الملتقى الثقافي في نسخته الثلاثين من طرف أحد نواب رئيس الجماعة الترابية للمدينة .

اسمح لي ،السيد الرئيس بالنيابة ،أن ألفت انتباهك ،وأنت صديق الطفولة والإطار التربوي والجمعوي ، بصفتك مدبرا جماعيا أي بصفتك عضوا في المجتمع السياسي ،لضرورة أن تكون “قشّابة ” المدبر الجماعي ” واسعة شوية ” ليتقبل احتجاجات السكان وانتقاداتهم ونقد المجتمع المدني ،الشريك الأساسي للسياسي ليس فقط بمنطوق الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية وكذا القوانين التنظيمية المنظمة لتقديم العرائض والملتمسات .

يفترض ” السياسي ” المستند على رؤية استبدادية وجوب تأييد المواطنين لأفكاره والتصفيق لها في تقمص للحاكم الشرقي ورعاياه ،ويسقط هاته الرؤية اللاديمقراطية على الديمقراطية المحلية والمقاربة التشاركية ،فالقوانين ماوجدت إلا لتمجيده وحمده ،والمجتمع المدني ما وجد إلا للتسبيح والإشادة بعبقرية المدبر الجماعي وحكمته .


اسمح لي صديق طفولتي أن ألفت انتباهك إلى أن عمل المجتمع السياسي والمدني مختلفان ،ولعل أبلغ تعبير على ذلك ما قاله محمود درويش في مديح الظل العالي :
” ما أكبر الفكرة
ما أضيق الدولة …”
ينشغل المجتمع السياسي بالتوازنات والإكراهات لأن مجال تحركه تحقيق الممكن مع الحفاظ على الحلم ،وذلك تبعا لموقعه من السلطة السياسية التي هي مركز اهتمامه إن لم نقل غاية وجوده ،في حين أن الحفاظ على الحلم هو مركز الإهتمام الأساسي للمجتمع المدني ،إن المجتمع المدني بهدا المعنى هو ضمير المجتمع وناصحه الأمين ،يكثف آمال المواطنات والمواطنين وأحلامهن /م في المساواة والعدالة والعيش الكريم ،يحسس بها ويرافع من أجلها لإقرارها في الوثيقة الدستورية وتصريفها في أعمال السلطات التشريعية والحكومية والجماعات الترابية ،لا حدود لإنتظارات المجتمع المدني ومطالبه بإعتباره سلطة مضادة للسلطة السياسية كي لا تسيجه وتقيده .

بهذا المعنى إذن لا تنسحب كلمة هدام على المجتمع المدني من حيث هو ليس مطالبا بتمجيد إنجازات المجتمع السياسي ،إذ أن هذا الأخير ما وجد إلا لتحقيقها ،وبالتالي لا يمكن أن توصف مواقفه ومطالبه بالهدامة والعدمية ،الإدارة هي الأجدر بهاته الأوصاف حين تفشل في التدبير وتلجأ لقمع مخالفيها بالخلط والتضليل والتنابز بالألقاب ،مواقف هدامة إذ من المفروض في الإدارة امتصاص الإحتجاج وتليين المواقف وتفعيل آليات الحوار خاصة مع ما يدعى من مقاربة تشاركية و ” إيلاء المجتمع المدني المكانة المميزة ” بقوة الدستور والقوانين التنظيمية .

لتسمح لي صديق طفولتي، ما دمت تدّعي مرجعية دينية والله أعلم بي وبك ،أن أذكرك بالآيات البينات التي تبتدأ ب :” ولو شاء ربك ….” فالاختلاف رحمة ،وفي اختلافاتنا تدافع وصراع ليس بالضرورة تناحريا ما دام مجالها مدينتنا التي نحبها ،أو هذا ما ندّعيه ،أو لنقل أن كل منا يحبها بمقدار. .

الإختلاف ركن أساسي في تفكيري صديق طفولتي ،الإختلاف هو محرك كل شيء وبأضدادها تُعرف الأشياء ،وإننا وإن تشابهنا مختلفون في اللون والجنس والطباع والذوق و….نحن مختلفون ،إنك لن تجد قطرتي ماء متشابهتان ….لذلك ومنذ زمن بعيد طلقت التطابق والتماثل وكففت عن البحث عن أشباه ….لست صورة ولا ظلا لأحد ولن أكون.

التعليقات مغلقة.