أول تقنية في التاريخ لابتكار اللقاحات الأربعة..

إعداد مبارك أجروض

مودرنا، فايزر، أسترازينيكا… أسماء مختبرات طبية شهيرة انخرطت في سباق محموم في الأشهر الأخيرة لتطوير أول لقاح ضد Covid-19. وفي حين أن النتائج التي تم الإعلان عنها في نوفمبر مشجعة للغاية، تعتمد الطرق الأكثر شيوعا في تطوير اللقاحات عن طريق تدريب الجسم على مواجهة الفيروس، باستخدام فيروس ميت أو بروتين الفيروس، لتحفيز جهاز المناعة على إنتاج أجسام مضادة. أما أحدث تقنية فهي تلك التي تعتمد على جزء من الحمض النووي للفيروس، وهي ما استخدمه علماء شركات “فايزر” و”بيونتيك وموديرنا” في تطوير لقاحات كورونا، إذ تستخدم مرسال الحمض النووي “RNA”، وهو جزء من المادة الوراثية الجينية، ويحمل شيفرة صناعة البروتينيات. فمن حيث التقنية المستخدمة في تطوير لقاحات “فايزر-بيونتيك وموديرنا”، وتعتمد هذه اللقاحات على إدخال تعليمات وراثية إلى الخلايا البشرية عن طريق “mRNA” لتحفيزها على إنتاج بروتين مطابق لبروتين Covid-19، وإحداث استجابة مناعية ضد هذا البروتين. بمعنى أن هذه الطريقة تجعل الجهاز المناعي يعتقد أن هذا الفيروس أصبح موجودا، ويبدأ في إنتاج أجسام مضادة له، بما يجعل الجسم محصنا من Covid-19، ويتطلب كلا اللقاحين أخذ جرعتين منه تفصل بينهما عدة أسابيع.

ومن حيث الفعالية والمأمومينة وتأمين المناعة لمدة زمنية طويلة، تكثر الأسئلة كما الهواجس في شأن اختيار اللقاح الأفضل والأنسب في ظل تنافس شديد من الناحية العلمية والتجارية وحتى السياسية. فما هي العوامل المؤثرة التي تلعب دورها في إنجاح لقاح أكثر من غيره ؟ وهل تُشكّل بعض الصعوبات التي ترزح تحتها الدول خصوصاً الفقيرة منها، عائقاً أمام الحصول على اللقاح ؟ وهل يمكن التعويل على النتائج الأولية للقاحات في عالم الوبائيات ؟ وماذا عن المناعة المكتسبة ومدتها ؟ أصوات كثيرة أثنت على أهمية التوصل إلى اللقاح وما قد ينتج عنه من إيجابيات في السيطرة على جائحة Covid-19 التي أنهكت العالم منذ سنة، ولكن في المقابل أصوات طبية وعلمية أخرى رفعت الصوت أيضاً داعيةً إلى عدم تلقي اللقاح وبعضها ذهب أبعد من ذلك محذراً من آثار سلبية وجانبية سببها هذه اللقاحات. وأمام هذا النقاش العقيم، تكثر الأسئلة ويزيد الغموض، فما هي نقاط القوة والضعف لهذه اللقاحات وهل يمكن التعويل على المناعة الجماعية المكتسبة نتيجة التطعيم ؟

يوضح الباحثون في علم الفيروسات والأمراض الوبائية أن هناك مجموعة عوامل تؤثر في تقدم اللقاح في مسالة الأفضلية والنجاح، ومنها نسبة الفعالية، استمرار المناعة ومدتها بعد تلقي اللقاح، قدرته على منع الإصابة والعدوى، منع الإصابات الحادة، أمان اللقاح، كلفة اللقاح وإمكانية التخزين والتوزيع.

وفي العودة إلى اللقاحات، يشير الباحثون إلى اجتياز 13 لقاحاً المرحلة الثالثة في التجارب السريرية ومن المتوقع في الأسابيع المقبلة الإعلان عن أكثر من لقاح آخر. وأعلنت 4 شركات نتائجها الأولية أو النهائية في التجارب السريرية، ومن بينها “فايزر” و”موديرنا” اللتان تعتمدان تقنية الحمض النووي الريبوزي الرسولي mRNA وهي شيفرة تساعد جسم الإنسان على تصنيع البروتين الشوكي الخاص بالفيروس. وعند حقن هذه المواد الجينية في جسم الإنسان، سيحوّلها جسمنا إلى بروتين أي البروتين الخاص بالفيروس. وبالتالي ستتعرف الخلايا المناعية على البروتين وتُصنع أجساماً مضادة وذاكرة مناعية قادرة على التعرف على الفيروس وتعطيله وتدمير الخلايا المصابة. كما أن فعالية اللقاحين تتجاوز الـ90%، ويعتبر لقاح “فايزر” في الطليعة نتيجة تقدمه لطلب الحصول على موافقة إدارة الدواء والغذاء FDA،

من المتوقع استخدام هذا اللقاح في أميركا في منتصف الشهر المقبل، أي الحصول على الموافقة والبدء في استخدامه. في حين يتوقع صدور نتائج “موديرنا” النهائية قريباً. لكن المشكلة في هذين اللقاحين وخاصة “فايزر” لوجستية أكثر مما هي علميةـتقنية. ويتطلب لقاح “فايزر” تخزينه على حرارة دون 70 درجة تحت الصفر، ما يعني أن طريقة تخزينه تُشكّل التحدي الأكبر، وعليه عملت الشركة على تأمين علب Dry ice تحفظ الحرارة المتدنية أثناء عملية نقل اللقاح. إلا أن زراقط يوضح أن “المشكلة التي قد نواجهها في هذا اللقاح عملية تحليله، فكل علبة تحتوي على عدد من الجرعات، وبمجرد تحليلها يجب التطعيم خلال 5 ساعات. وبالتالي قد نواجه بعض الهدر في الجرعات نتيجة عدم استخدامها. وقد أعلنت بعض الولايات في أميركا عن امكانية هدر حوالي 5% نتيجة ذلك”. تكمن المشكلة إذاً، في بعض الولايات والدول في صعوبة الحفاظ على الحرارة المطلوبة أثناء عملية النقل، في حين قد يتعذر على الدول الفقيرة شراء هذا اللقاح أو لقاح “موديرنا” اللذين يعتبران الأغلى مقارنة بغيرهما.

أما بالنسبة إلى لقاح “موديرنا”، فيمكن تخزينه على حرارة الثلاجة أي دون العشرين تحت الصفر، ما يعني أن إمكانية تخزينه تكون أسهل. في حين يعتمد لقاح “أسترازينكا – أوكسفورد” و”سبوتنيك – في” (غماليا) على تقنية متشابهة وهي استخدام الفيروس الغدي كناقل ويحمل هذا الفيروس شيفرة البروتين الشوكي الخاص ب Covid-19وعند دخوله إلى الجسم يتم تصنيع بروتينات خاصة ب Covidوانتاج مناعة ضد الفيروس. ويشدد زراقط على أن لقاح “استرازينكا” يعتمد على لقاح غدي مأخوذ من الشمبانزي وغير قابل للتكاثر داخل جسم الإنسان، ومهمته نقل الشيفرة. وحسب البيانات فإن فعالية اللقاح وصلت إلى 90% في حال استخدام نصف جرعة تتبعها جرعة كاملة لتحفيز المناعة. إلا أن ما كان يقلقنا عند استخدام الفيروسات الغدية هو تشكيل مناعة ضد الناقل بعد الجرعة الأولى وانخفاض فعاليته عند الجرعة الثانية. وهذا ما قد يشرح سبب أن نصف جرعة أعطت فعالية أكثر مقارنة بالجرعة الثانية الكاملة. بينما تستخدم “غماليا” التي أعلنت عن فعالية تخطت الـ95% عن سلالتين من الفيروس الغدي (AD26 وAD5) حيث تكون الجرعة عبارة عن سلالة AD26 في حين الجرعة الثانية تعتمد على سلالة AD5 للتخفيف من إمكانية نشوء مناعة للفيروس الغدي نفسه.

أما ميزة هذين اللقاحين “أسترازينكا” و”غماليا” فهي إمكانية تخزينهما على حرارة البراد أي 4 درجات، ما يعني امكانية توفرهما في العيادات والمستشفيات بسهولة وتسهيل الحصول عليهما وتوزيعهما دون الخوف من فقدان فعاليتهما. كذلك كلفة هذين اللقاحين متدنية حيث تبلغ كلفة لقاح “أسترازينكا” حوالى 4.5 دولارات و”سبوتنيك – في” حوالى 10 دولارات. وعليه، سيسهل إنتاج كميات كبيرة منهما. ويضيف الباحث في علم الفيروسات والأمراض الوبائية: “يُشكّل لقاح الحمض النووي الريبوزي الرسولي أول تقنية مستخدمة لابتكار اللقاح في تاريخ البشرية حين، ليس لقاح الغدي الناقل مستخدماً على نطاق واسع ولقد تم استخدامه فقط في لقاح الإيبولا سابقاً حيث نال الموافقة مؤخراً. وبالتالي لا نملك المعلومات الكافية حول مدة المناعة التي قد تؤمنها هذه اللقاحات على المدى الطويل او امكانية حصول مضاعفات جانبية على المدى الطويل”.

وبحسب الدراسات فإن 90% من الأعراض الجانبية لأي لقاح تكون خفيفة وبسيطة وتظهر عادة خلال الـ40 يوماً من الحصول على الجرعة في التجارب. ومن شأن مراقبة هذه الأعراض خلال الشهرين المقبلين إعطاءنا فكرة جيدة عن أمان اللقاح، ولكن بلا شك هناك حاجة للمتابعة لمدة أطول. كذلك أعلنت شركة “أسترازينكا” منع المرض وليس فقط الحماية من الأعراض. وهذا يشير إلى أنه يمنع الإصابة والعدوى. ويختم زراقط قائلاً إن “هذه النتائج الأولية المبهرة لفعالية اللقاحات في وقت قصير من إعطاء اللقاح، والتي نعتبرها فترة تكون فيها الأجسام المضادة والخلايا المناعية عالية في الجسم، وقد تنخفض هذه الفعالية مع الوقت خصوصاً أن الفعالية تتجاوز الـ90% في بداية الحصول على الجرعة. حتى في حال انخفضت هذه الفعالية إلا أنها تبقى جيدة (بفعالية جيدة) على المدى الطويل أي على الأقل بين 6 أشهر إلى سنة بحسب دراسة المناعة الناتجة عن الإصابة بالفيروس”. في النهاية يبقى اللقاح هو الوسيلة الأنجع للخروج من الجائحة.

* نقاط قوة وضعف

من جهتها، تؤكد الباحثة في علم الفيروسات والأمراض الجرثومية والعضو في اللجنة الوطنية في وزارة الصحة الدكتورة ندى ملحم أن “لكل لقاح نقاط قوة ونقاط ضعف إلا أنها جميعها أثبتت فعالية عالية بلغت الـ94% وعند الحصول على موافقة هيئة إدارة الغذاء والدواء FDA فهذا يعني حكماً أنها آمنة وفعالة”. لذلك أثبتت اللقاحات الثلاثة “فايزر” و”موديرنا” و”أسترازينكا” أنها آمنة وفعالة والأهم فهي قادرة على تحفيز الأجسام المضادة والخلايا المناعية في الجسم، وهذان المؤشران الأساسيان اللذان يعول عليهما في عالم الوبائيات والفيروسات. ومع ذلك، لا نملك بيانات عن المناعة المكتسبة نتيجة تلقي اللقاح ومدتها، كما لا نملك المعلومات حول مدى قدرة هذه اللقاحات على منع انتقال العدوى وليس فقط الحماية منها. كذلك يمكن تحقيق المناعة الجماعية بطريقة أكبر في حال الحصول على اللقاح. ومن المعروف أن فعالية اللقاح تستند إلى التجارب السريرية ولكن للحديث عن فعالية ومأمونينة اللقاح وحمايته والمناعة المكتسبة على المدى الطويل نحتاج إلى سنتين من الدراسات ومراقبة المتطوعين والأشخاص الذين حصلوا على اللقاح للإجابة على هذه الهواجس والأسئلة المطروحة. وتُعدد ملحم بعض نقاط الاختلاف والقوة في اللقاحات الثلاثة من خلال تفنيد بعض النواحي العملية واللوجستية:

* ما يتعلق الفعالية

نجح كل من لقاحيّ “فايزر” و”موديرنا” في تأمين فعالية تخطت الـ90% استناداً إلى بيانات في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. وكان لافتاً أن لقاح فايزر حافظ على فعالية بلغت 94% بالنسبة إلى الأشخاص الذين هم فوق الـ64 من عمرهم. أما بالنسبة إلى لقاح “أسترازينكا” تعتبر فعاليته أقل من اللقاحين المذكورين سابقاً، وتراوحت حسب البيانات المنشورة بين 62% للمتطوعين الذين حصلوا على جرعتين منه، ولكن عند إعطاء نصف جرعة في المرة الأولى يليها جرعة كاملة بعد 28 يوماً جاءت النتيجة مغايرة حيث ارتفعت فعالية اللقاح لتبلغ 90%. وبالتالي ستُجيب الدراسات والأبحاث المقبلة على سبب هذا التفاوت في فعالية اللقاح نتيجة الجرعة والذي أدى إلى اختلاف بين الجرعتين.

* ما يتعلق بالتخزين

يُحفظ لقاح “فايزر” على حرارة 70 درجة دون الصفر، في حين أن لقاح “موديرنا” يمكن تخزينه على حرارة الغرفة لـ12 ساعة والاحتفاظ به في البراد لمدة شهر. ويعتبر التخزين مهماً خصوصاً في الدول التي تفتقر إلى موارد لتخزين هذه اللقاحات وتأمين الأجهزة والآلات التي تضمن حفظ اللقاح بطريقة آمنة دون أن تفقد فعاليتها. أما بالنسبة إلى لقاح “أسترازينكا” فهو شبيه بلقاح “موديرنا” من ناحية التخزين حيث لا يتطلب سوى حرارة البراد العادية وهذا يُسهل عملية نقل اللقاح وتخزينه وتعتبر نقطة ايجابية في عالم اللقاحات. “موديرنا” ذكرت في تقاريرها أنه يحمي من الحالات الشديدة من Covid-19، في حين لم تذكر أي من الشركات الأخرى هذه المعلومة في بياناتها الصادرة حتى الآن.

* مأمونية اللقاح

تؤكد ملحم أنه “كلما زادت فعالية اللقاح ومأمونيته زادت فرصة نجاحه أكثر. والأهم كلما استطاع اللقاح تأمين حماية أكبر (الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية ـ كبار السن…) يعتبر أفضل في مواجهة هذه الجائحة”.

التعليقات مغلقة.