لماذا الصحافة ؟ الحلقة الأولى

مدخل لمهنة الصحافة

سلسلة تكوينية في مجالي الصحافة و الإعلام ، تقدمها جريدة و مجلة “أصوات” للقراء و الممارسين بهدف الرقي و السمو بالمشهد الإعلامي ، و ترسيخ قيم الفكر النقدي ، لتنقية العمل الصحافي من الشوائب التي تعلق به ، كما ينقى الخبر في مرحلة التحرير ، أي إخضاعه للغربلة من قبل الجمهور المتلقي ، في واقع اختلط فيه حابل الصحافة بنابل أشباه الصحافة ، لن نقول احتراما للحظة ظهورها “صحافة الطوار” أو “الصحافة الصفراء” ، لتستعيد “صاحبة الجلالة” عرش مجدها و تسترد هيبتها المفقودة في سوق النخاسة الحالي .

الإعلام كما عرفناه وفق ثقافتنا الإعلامية البسيطة ، هو علم و فن يصاغ من خلال الكلمة و القدرة على الصياغة باختيار أفضل و أرقى الكلمات و الألفاظ ، الأقرب للتعبير الصحيح عن الأحداث و الوقائع من خلال التوظيف الدقيق لهذا الحدث ، و ليس شطحات حلاجية و تخاريف بيزنطية توهم القراء من خلال عقلانية الخواء التي لا تعني سوى الموت السريري لهاته الأدوات .

دور الصحافة :

بصورة عامة يمكن إجمال الدور المركزي لمهنة الصحافة في الإخبار بما يقع من أحداث أو وقائع ، إضافة إلى التثقيف و التكوين و التعليم و التوجيه ، و عموما التجميع حول قضية من القضايا المعروضة ، أو حول أهداف معينة ، فضلا عن الترفيه و التسلية .

انطلاقا من هاته الأهداف العامة التي ترتبط بالعمل الصحافي ، و التي من أجلها خلق الإعلام ، نقف عند المحددات الأولية لصناعة الخبر الصحافي . 

فما هي هاته المحددات الأساسية ؟

يبقى الميدان ، هو العنصر الأساسي في بناء الخبر الصحافي ، و كذلك في صقل الجانب النظري الذي يتوفر عليه الممارس ، فأساس العمل الصحافي عبارة عن مواهب ، و هاته المواهب لا تتأتى و لن تتأتى من دروس المعاهد و الكليات ، بل من واقع الممارسة اليومية ، بدءا برحلة البحث عن الوقائع من خلال المصادر المختلفة التي يعتمدها الصحافي ، الميدانية منها ، أو التي يتلقاها عبر وكالات الأنباء و الجرائد و النشرات و الإعلانات و المواقع الإلكترونية …. إلخ من المصادر التي يستقي منها الصحافي معلوماته قبل تحويلها إلى خبر منشور أو مسموع أو مرئي .

لتأتي لحظة التحرير التي تعد فن التعبير عن هاته الوقائع ، من خلال أشكال فنية ، و قواعد معينة و أساسية ، لبناء الشكل النهائي للخبر الصحافي ، يقول الدكتور ” عبد العزيز شرف “إن كتابة الخبر هو إفراغ في القالب الكتابي ، و نقلا من باب الفكرة إلى باب التدوين على الورق وفقا لأساليب الصياغة الإعلامية” ، أما “تحرير الخبر فيعني مراجعته مع احتمال إعادة كتابته و وضع العناوين الملائمة و إعداده للنشر” ، فعملية الكتابة إذن تشكل جزئية من جزئيات التحرير ، الذي يبرز هاته العناصر من خلال معطيات الشكل و المضمون في الكيان التحريري .

و بشكل عام يمكن إجمال و تحديد الفنون الصحافية في ثلاث أساسية هي : 1- فن التحرير ، 2 – فن الإخراج (إخراج ، طباعة ، إعلان ، تنسيق الصفحات ، العناوين ، 3- فن إدارة الصحيفة (ترويج ، توزيع ، إعلان ، و إجمالا كل ما هو مدر للربح)

1 — التحرير :

هو عملية اتصالية ، جماهيرية ، متكاملة و مستمرة ، بدءا من جمع المعلومات ، مرورا بمعالجة تلك المعلومات ، وصولا لصياغتها كرسالة أو مضمون ضمن المحتوى السياسي أو الاقتصادي أو الرياضي أو الثقافي أو العلمي أو الفني … ، و اختيار القالب المناسب لهاته العملية (حديث ، خبر ، مقال)  ، ليرسل و يبث من خلال وسيلة اتصال جماهيرية ، ضمن عملية تصبح فيها الصحيفة مثلا مرسل ، و الجمهور مرسل إليه ، و تبقى ردود الأفعال ذات أهمية كبرى لأنها تمكن من تقويم الرسالة أو تعديلها .

و التحرير بهذا المعنى هو الصياغة الفنية و الكتابية المعالجة لمضمون المادة الصحافية التي تم تجميعها من مصادر مختلفة في أشكال و قوالب صحافية مناسبة و مراجعتها و إعادة صياغتها ، أو بتعبير آخر هو الصياغة الثانية للمادة الصحافية .

2 — التحرير كعملية فنية كتابية :

“هو أحد الفنون النثرية الواقعية ، و هو عملية تحويل الوقائع و الأحداث و الآراء و الأفكار و الخبرات في إطار التصور الذهني و الفكري إلى لغة مكتوبة مفهومة للقارئ العادي” 

3- أهداف التحرير :

تقوم هاته الأهداف بربط النص مع سياسة الوسيلة الإعلامية ، و تحرير الأخطاء و تصحيحها ، و تبسيط و توضيح اللغة ، و تحديد معاني النص و إحياؤه ، و إيجاد نوع من التناغم الأسلوبي بين النصوص المختلفة و أخيرا تسهيل عملية الإخراج .

4- عمليات التحرير :

هناك العديد من العمليات التي يقوم بها المحرر خلال هاته المرحلة ، نجملها في غربلة النص و تخليصه من كل الشوائب العالقة ، لغوية كانت أو إملائية ، أو أسلوبية ، زيادة أو حذفا ، و استكمال بعض المعلومات و البيانات المكملة للموضوع ، مع إعادة صياغة العناوين الرئيسية و الثانوية و الفرعية نظرا لأهميتها .

 

التعليقات مغلقة.