أين وصلت المنظومة التربوية في المغرب ؟ وقفة على صورة التلميذات المشرملات

بقلم محمد حميمداني

 مرجعية هذا السؤال الإشكالي ترجع في الأساس إلى المشاهد التي تم تداولها عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لتلميذات في سن الزهور ، و هن يتأبطن شرا و سلاحا بضواحي “اشتوكة آيت باها” في مشاهد استعراضية تطرح أكثر من سؤال في باب تفكيك وحدة المسؤوليات.

 أن ينتشر الإجرام في الواقع المغربي المريض اجتماعيا فذلك أمر طبيعي نظرا للتناقضات الاجتماعية الكبيرة ، و انتشار الفقر و الأمية و البطالة و صعوبة الحصول على منصب شغل في بلاد تعج بالمتناقضات و الفساد المؤسساتي و سيادة منطقي المحسوبية و الزبونية و “باك صاحبي” و “شحال عندك شحال تسوا” في سوق الشغل …. ، و المسؤولية تعود بالدرجة الأولى إلى المسؤولين عن سيادة هذا الواقع المتعفن و غياب المقاربة الاجتماعية في المخططات المؤسساتية و التي زادت في قثامتها الجائحة ، ليصبح المواطن أمام جائحتين ، الأولى مرتبطة بواقعه الاجتماعي المريض أصلا ، و الثانية بواقع التضييق عليه و خنقه في رحلة البحث عن لقمة خبز حلال في أزقة و أدرب الشوارع المحاصرة و المستباحة بقوة النصب و الرفع و الخطابة البعيدة عن لغة البطون الجائعة المكتواة بأوزار النكبة و الندبة الاجتماعية .

 و الصور المتداولة لا تخرج عن هاته القاعدة من التحليل باعتبار أن الأزمة طالت كل المجتمع ، حتى غدا الإجرام موضة يقتدى بها للتعبير عن التذمر و الرفض بين المراهقين من الجنسين معا ، و التي تزيد من استفحالها انتشار كبسولات الموت البطيء عبر مختلف الشوارع و أبواب المدارس و الإعداديات و الثانويات ، مما يعني انتشار منهج تحطيم الذات ، و شيوع المعارك المادية بين مختلف مكونات هاته الفئات الاجتماعية للحصول على منافع لا مجال لعدها و العمل حتى على توثيقها و نشرها في إطار سلسلة العروض العنترية ليقدموها عربونا للتحدي المباشر لكدر الواقع و عفونته التي لا تشكل هاته المشاهد إلا التعبير الطبيعي عنها من خلال تكريسها واقعا حيا بالسكاكين و السيوف ، و عبر الشوارع و الأزقة المختلفة ، و في مختلف المدن المغربية ، في تحد ليس للأقران فقط ، بل للمجتمع ككل .

 مند مدة طويلة تابعت لقاء لتعاون الشرطة المغربية و الأمريكية في مجال الحماية و الأمن المدرسي بعد أن تم خلق شرطة خاصة بهذا الموضوع ضمن جسم الأمن الوطني ، كانت الفكرة تبدو كحلم جميل ، لكن السؤال المطروح ماذا قدمت هاته التجربة أمام شيوع هاته المشاهد و انتشار ترويج و بيع المخدرات ، خاصة الأقراص المهلوسة منها على مداخل و حتى في ساحات المدارس و المعاهد ، و هو ما يعكس خطأ المقاربة في الأصل ، لأن المطلوب ليس المقاربة الأمنية في التعاطي مع الإشكال ، و لكن المطلوب هو إعادة النظر في المنظومة التربوية المطبقة و التي تعيش هي الأخرى في كنف الفوضى و الارتجال و التجريبية التي لا تنتج إلا هدر الأموال الطائلة في مقابل نتائج هزيلة لا تقود إلا إلى المزيد من إضاعة ما تبقى من هيبة هاته المؤسسات المحكوم عليها رسميا بالموت في أفق اجتثاث المدرسة العمومية نهائيا .

 و هذا هو مربض الفرس ، فالمخطط شامل ، ابتدأ مع خوصصة المؤسسات العمومية ، و استفحل مع ضرب كل مقومات وجود الشعب المغربي بعد صعود حزب “المصباح” و إدارته لدواليب تسيير المؤسسات العمومية ، و هو الحضور الذي قدم خدمة كبرى للرأسمال المحلي و الدولي من خلال تمرير أخطر القرارات التي لم تستطع أي من الحكومات السابقة الاقتراب من لهيبها ، إضافة إغراق البلاد في الديون .

 بالفعل سنطالع اعتقال المشتبه بهن و تقديمهم للعدالة و الحكم  عليهم بأحكام معينة ، لكن هل بالفعل استطعنا الغوص في جوهر الإشكال ، و هل أوجدنا الحل الأمثل لعدم تكرار مثل هاته الحالات ، أم أننا كمن يشعل النار في الهشيم ، فيكون الأمر دافعا لخروج مجموعات أخرى لتنال حظوة التصوير و الدعاية و الإشهار ، إن المطلوب أولا و قبل كل شيء مقاربة تربوية تقطع مع كل آليات الارتجال التي تغلف المشهد التربوي ببلادنا ، و ربط التعليم بالمجتمع ، و بالتالي جعل الأسر شركاء فعليين في هاته العملية ، و أنسنة هاته المنظومة لتكون قريبة من كل فرد داخلها ، و تعزيز سلطة العقل داخل هاته المنظومة و ربطها بالمسؤولية ، و لن يتأتى كل ذلك إلا بانفتاح السلطة على المجتمع ، و البحث عن كل مكامن الخلل في الذات المجتمعية و الاستعانة بالاخصائيين النفسيين و الاجتماعيين لدراسة كل الظواهر الشاذة في أفق إيجاد حلول لها ، و إعادة النظر في المؤسسات السجنية و دورها بجعلها مؤسسات مواطنة تهدف إلى إدماج فعلي للسجناء و ليس إلى مركز لتخريج المجرمين     و تجاوز منطق الحكرة التي لا تعني إلا المزيد من التمرد ضد المجتمع و المؤسسات .

 و كل هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة النظر في المقاربات المعتمدة و جعل المنظومة التربوية خادمة بالفعل للتنمية التي تعني بالضرورة جعل المناصب مكافئة لعدد الكراسي المتوفرة داخل الفصول الدراسية ، إي جعل التعليم و التنمية يسيران في منحى متحرك متواز لما يخدم الرقي و التنمية و الاستقرار النفسي قبل المادي ، و لو أن المادي هو المدخل لكل استقرار ممكن  أم أننا سنجد أنفسنا كما قال محمود درويش منسجمان في النسيان ، و بالتالي قراءة التراتيل على الواقع المغربي المحكوم إن استمر على هذا المنوال بالانحدار إلى أسفل القعر ، الذي لا يعني إلا الانحدار إلى الهاوية الحتمية لخواء منظومة التربية و التكوين و الإدماج كمحصلة طبيعية للتباينات الطبقية الكبيرة و الهشاشة التي لا تزداد إلا اتساعا لتعلن إن لم يتم تدارك الأمر السقوط في الهاوية .

التعليقات مغلقة.