لا صوت يعلو فوق صوت الوعيد بالحرب وصراع المصالح الذي قد يشعل حربا عالمية ثالثة

لا صوت يعلو فوق الوعيد بالحرب في الأزمة الأوكرانية، الكل حشد قوته، ووزع التهديدات و التهديدات المضادة، وموسكو تهدد أية قطعة عسكرية تخترق مياهها الإقليمية بالتذمير، والغرب يتشبث بحملته الإعلامية حول هجوم روسي محتمل على أوكرانيا، وآلاف الأسئلة تفتح ما هدف موسكو من هاته الزوبعة ومن أوكرانيا بالضبط، وما الذي يبتغيه الغرب وأوكرانيا من وراء هاته الحملات الإعلامية ضد موسكو، ودق طبول التصعيد وإغلاق كافة الحلول الدبلوماسية الممكنة، مع إصرار الغرب على اعتبار أوكرانيا محمية غربية وتهديد موسكو بالمقاطعة والعمل العسكري

فأوكرانيا التي كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفياتي المنهار، وكانت مقراً لثلث الأسلحة النووية السوفييتية وقوة كبيرة في حلف وارسو المنحل، أضحت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وحصولها على استقلالها سنة 1991، وبعد ما اصطلح عليه بثورة البرتقال في أوكرانيا سنة 2004، التي أطاحت بالرئيس “يانكوفيتش” الموالي لروسيا،  لصالح “يوشتشنكو” الموالي للغرب، أدى إلى تقارب غربي اقتصادي وسياسي وعسكري مع الغرب والناتو، لكن سنة 2010 أعادتيانكوفيتش” للحكم، والذي أوقف التوجه الأوكراني نحو الغرب وسط لعب الغرب بالتناقضات الأوكرانية الداخلية وانقسام حاد داخل هذا البلد، خاصة وأن هناك قاعدة رسمية في الأقاليم الشرقية تتحدث اللغة الروسية.

الغرب الذي أراد أن يكون حاضرا في خصر روسيا ومع مطلع سنة 2014 تم تفجير ثورة ضد الرئيس “يانكوفيتش”، داعمة للتقارب مع الغرب، فسقطت الدماء التي عجلت بانهيار النظام

موسكو اعتبرت السلطة الجديدة في كييف “تمرداً مسلحاً” واستدعت سفيرها للتشاور، في مقابل غرب يسعى نحو إلحاق أوكرانيا بتركيبة مصالحه الاستراتيجية.

وأعلنت الأقاليم الشرقية التمرد وعدم الاعتراف بالحكومة المركزية في كييف، ضمنها شبه جزيرة القرم ودونباس وغيرهما، واشتد القتال بين القوات الحكومية الأوكرانية والقوات الانفصالية من جهة أخرى، وأعلنت حكومة إقليم القرم الانفصال عن أوكرانيا وإعلان جمهورية القرم المستقلة، وطلب دعم موسكو الذي طال الأقاليم الشرقية أيضا، وبالتالي تم التوصل إلى اتفاقيات مينسك التي يتمسك بها “بوتين” الآن كمخرج للأزمة الحالية.

روسيا تشترط إلغاء أي تعاون مع حلف الناتو وأن تنهي تماماً أي مظهر من مظاهر عضويتها في الحلف في المستقبل، وهو ما تضمنته لائحة مطالب موسكو المقدمة، ، وبوتين الملدوغ من غرب لا يفي بوعوده لا يقبل بغير الوعود المكتوبة، إضافة إلى سحب الحلف العسكري الغربي لأسلحته الهجومية من دول شرق أوروبا كبولندا والمجر، على اعتبار أن هذا التمدد شرقا يهدد أمن موسكو الاستراتيجي.

ويمك الإقرار بأن الأزمة الأوكرانية هي أزمة جيو سياسية تجد مرجعها التاريخي في الامتدادات السوفياتية للصراع مع الغرب الذي لم يتوقف رغم انهيار السوفياتي.

أوكرانيا المنقسمة على نفسها بين مؤيد للغرب ومؤيد لموسكو، انعكس وضع الصراع مع الروس هذا على الداخل الأوكراني، فالأقاليم الشرقية المتاخمة للحدود مع روسيا يقطنها روس مؤيدون لموسكو، وهي تدفع في اتجاه الانفصال عن أوكرانيا (مثل القرم ودونباس ودونتسيك وغيرها) والانضمام إلى روسيا، فيما الأقاليم الغربية تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

والخلاصات الأساسية للوضع أن أوكرانيا أصبحت تشكل منطقة مناورة وتصفية حسابات قديمة جديدة ومكان لتفجير الصراع بين الغرب والروس ومنطقة الحرب الباردة بامتياز، والحكومة الحالية تريد الغرب وحلف الناتو، وهو ما لن تقبله موسكو لأثر كل ذلك على أمنها القومي.

اتفاقية مينسك الأولى بشأن النزاع في أوكرانيا الموقعة في سبتمبر/أيلول 2014 بين طرفي النزاع، الحكومة الأوكرانية والانفصاليون في الأقاليم الشرقية المتاخمة للحدود الروسية والمدعومون من موسكو، أقرت وقف القتال وعقد هدنة وإبرام السلام، اتفاقية لم تصمد سوى 5 أشهر فقط.

تقارير الاستخبارات الأمريكية تقول إن روسيا تحشد قواتها على الحدود استعداداً لغزو أوكرانيا، وروسيا تنفي نيتها في غزو أوكرانيا وتعتبر الموضوع كله غزوا إعلاميا ليس إلا بهدف تسجيل نقاط وترسيم أوكرانيا عضوا في الحلف الأطلسي وإقامة قواعد عسكرية بهذا البلد المتاخم لروسيا وروسيا البيضاء هو ما يشكل تهديدا استراتيجيا لموسكو ولحلفائها، على الرغم من كون أن صور الأقمار الصناعية أظهرت حشودا عسكرية روسية ضخمة وتدريبات مكثفة واستعدادا واضحاً لتحرك عسكري كبير محتمل.

الطريق السياسي والدبلوماسي متعثر واتصال بوتين وبايدن في مناسبتين، ولقاء بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، لم يقربا وجهات النظر، ولقاء بوتين مع المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي من المقرر أن يصل موسكو 14 فبراير/شباط، لن يقرب وجهات النظر.

لأن الهدف الغربي هو سحب القوات الروسية من الحدود الأوكرانية فيما الروس يعتبرون التمدد الغربي إلى أوكرانيا خطا أحمر يهدد وجودها الاستراتيجي ولن تتخلى عن التصدي له بكل الوسائل الممكنة.

الجيش الروسي يصعد الموقف أمام اختراق السفن الحربية المياه الإقليمية الروسية ويهدد بضرب أي سفينة أجنبية تدخل المياه الاقليمية الروسية.

وزير الخارجية لافروف، ينقل اللاءات الروسية التي لا تقبل المساومة، على من فتحه باب التفاؤل في باب قبول الضمانات الأمنية التي تطلبها موسكو.

الواقع على الأرض نقله وزير الدفاع الروسي “شويغو” الذي قال إن جزءا من المناورات العسكرية في بيلاروسيا انتهى، والجزء الآخر شارف على الانتهاء، ووسائل إعلام تتحدث عن وصول عدد كبير من ناقلات الجنود المدرّعة الروسية من طراز BTR إلى الحدود الأوكرانية.

وزارة الدفاع الأوكرانية من جهتها تقول إن الجيش الروسي حشد 32 ألف جندي في شبه جزيرة القرم.

التعليقات مغلقة.