الحروب الصليبية حروب قديمة لأطماع متجددة بالعالمين العربي والإسلامي

حينما نذكر التاريخ ونرقب المد الاستعماري وما يتعرض له العالم العربي والإسلامي من هجوم ومؤامرات لتشتيت منابع قوته، والتي ابتدأت أولى حلقاتها من “سايكس بيكو”، نعود للتاريخ لنستحضر أسباب هذا الهجوم الشرس الذي تعرض له العالم العربي والإسلامي، لتستوقفنا إحدى أهم هاته المحطات ألا وهي الحروب الصليبية (1096 1291) والتي شكلت مواجهة حاسمة بين العالم الإسلامي والعالم الأوروبي المسيحي، والتي جند لها الصليبيون قوة لا ترد ولا تصد، عبر ثمان حملات رئيسية هي كالتالي:

الحملة الصليبية الأولى

جند لهاته الحملة الفقراء من مجموع أوروبا، ولذلك سميت ب “حملة الفقراء”، وقد تحركت سنة 1096 انطلاقا من نهري “الراين- الدانوب”، حتى وصلت القسطنطينية، وتم خلالها احتلال عدة مدن ضمنها “القدس” و”الرها” و”أنطاكية” و”عكا”، ليتم تشكيل إمارات صليبية بهاته المناطق التي تمت السيطرة عليها، مستغلين ضعف الدولة الإسلامية وحالة الوهن التي أصيبت بها.

الحملة الصليبية الثانية

قاد هاته الحملة، التي بدأت عام 1147 وانتهت عام 1192، ملك فرنسا “لويس السابع” و‌”كونراد الثالث هوهنشتاوفن”، ملك ألمانيا، وووجهت هاته الحملة بمقاومة شديدة وغارات قوية كان يشنها السلاجقة على جيوش الصلبيين المنهكة من جراء الأمراض إلى أن وصلت إلى “القدس”.

 الحملة الصليبية الثالثة

خلال هاته الحملة بدأت تلوح استغلال الدين للقيام بغزو مناطق النفوذ الإسلامي، إذا على عكس الأولى والثانية، فقد دعا لهاته الحملة، “البابا جريجوريوس الثامن” سنة 1187، كرد مسيحي على استعادة المسلمين للقدس، وقد قاد هاته الحملة ملك فرنسا “فيليب الثاني” وملك إنجلترا، “ريتشارد قلب الأسد”، وملك ألمانيا، فريدريك برباروسا، وقد انتهت بعد سنوات من القتال بعقد صلح “الرملة” مع القائد المسلم “صلاح الدين الأيوبي”، قائد جيوش المسلمين.

 الحملة الصليبية الرابعة

كما في الحملة الثالثة فقد انتصبت الكنيسة الكاثوليكية طرفا في الدعوة إليها، إذ دعا إليها “البابا اينوقنتيوس الثالث” سنة 1202، وكان الاستراتيجي من وراءها هو ضرب مصر واحتلال القدس من جديد، لكن “البنادقة” الذين كلفوا بمهام النقل وإيصال الغذاء، وعندما لم يحصلوا على مستحقاتهم المتفق عليه وجهوها نحو القسطنطينية مما أدى إلى تخريبها وفشلها.

الحملة الصليبية الخامسة

وفي نفس السياق وكما الحملة الثالثة والرابعة فقد دعا إليها “البابا انوسنت الثالث” سنة 1213، وعرفت مشاركة العديد من الدول ضمنهم المجر وألمانيا والنمسا وهولندا، حيث هاجموا مصر، وتمكنوا من السيطرة على “دمياط” سنة 1219، ليتوجهوا بعدها نحو “المنصورة” بمصر، لكن المسلمين فتحوا السد النهري، لتتم محاصرتهم، ويجبرون بالتالي على عقد الصلح سنة 1221، لمدة 8 سنوات.

الحملة الصليبية السادسة

هاته الحملة قادها “فريدريك الثاني هوهنشتاوفن”، ملك ألمانيا سنة 1228، وعلى عكس سابقاتها، لم تحظ بمباركة الكرسي البابوي، وخلالها تم توقيع اتفاق تنازل بمقتضاه الملك الأيوبي، “الكامل”، عن القدس لملك ألمانيا، سنة 1229، باستثناء الحرم الإبراهيمي.

الحملة الصليبية السابعة

هاته الحملة قادهاملك فرنسا، لويس التاسع، وشنت ضد ضد مصر، وقد استمرت بين عامي 1248 و1254، وخلالها سيطر الصليبيون على “دمياط” ثم “المنصورة” لاحقا، لكنهم ووجهوا بمقاومة شرسة من “الأيوبيين” ثم “المماليك” بعد ذلك، والذين نجحوا في تدمير القوات الغازية، ليتم محاصرة بقاياها في “المنصورة” حتى استسلمت، ليتم أسر الملك “لويس”، ليطلق سراحه لاحقا مقابل فدية مالية، ويغادر بالتالي نحو عكا ثم إلى فرنسا لاحقا.

الحملة الصليبية الثامنة

أما آخر حملة صليبية فقد قادها ملك فرنسا، لويس التاسع، سنة 1270، واستهدفت “تونس”، وقد عرفت موت العديد من الجنود الصليبيين بسبب تفشي الأوبئة بين صفوفهم، ليتم عقد صلح مع الحفصيين لضمان حرية العبادة وتنظيم التجارة.

هكذا تتوضح شراسة الاستهداف الصليبي للمسلمين وتحطم كل أحلامهم الاستعمارية على أرض الواقع المقاوم الصلب، لكن هذا لا ينفي حقيقة يتفق حولها والتي تؤكد أن تأثر أوروبا بالحضارة الإسلامية كان كبيرا وقد تم عبر ثلاث معابر رئيسية وهي : الشرق الإسلامي وصقلية والأندلس وبما أن الأخيرة هي الأقرب لنا جغرافيا وامتدادنا التاريخي لها فسنتوقف حول هاته المحطة الأساسية.

يسجل تاريخيا أنه وعلى الرغم من روح العداء التي تحلى بها الإسبان إلا أنهم تعاملوا مع المسلمين، وتأثروا بالحضارة الإسلامية في عدة مجالات.

 مثل سقوط “طليطلة” مرحلة فارقة لأن قيم الكره لم تكن قد تجدرت لدى الإسبان بالشكل القوي للإسلام والمسلمين، فعلى الرغم من سيطرتهم على المدينة إلا أن “ألفونسو السادس” لم يتخذ إجراءات عدائية ضد معالم الحضارة الإسلامية، بل حاول الاستفادة من هاته المعالم، فاهتم بالطراز المعماري الأندلسي مازجا إياه بالهوية المسيحية، وتثبيتا لهذا المبدأ أطلق الملك على نفسه “إمبراطور الملتين” وسك عملة بأحرف عربية.

في المجال الثقافي اهتم الإسبان بالثقافة الإسلامية، وعملوا على ترجمة مختلف الكتب والموسوعات في مختلف المجالات أهمها الرياضيات والفلك والطب والكيمياء والطبيعة والفلسفة،
كما اهتموا بتعلم اللغة العربية، حتى ملوك الإسبان منهم، مثل “بيدرو الأول”، ملك أراغون (1094 1104)، كما احتفظ “ألفونسو الثامن” (1158 1214) بالكتابة العربية واعتمدوا المسكوكات الإسلامية عملة الإسبان طوال 400 سنة.

كما اهتموا بنقل العلوم في عصر “ألفونسو العاشر”، الشهير بالحكيم (1252 1284)، حيث قرب إليه العلماء وأشرف بنفسه على أعمال الترجمة، وأنشأ في “مرسية” معهدا للدراسات بمعاونة الفيلسوف “أبو بكر بن أحمد الرقوطي”إضافة إلى اهتمامه بترجمة القصص، حيث أمر بترجمة “كليلة ودمنة” و”ألف ليلة وليلة” وكلف “رودريك كزيمنس”، رئيس أساقفة “طليطلة”، بتدوين تاريخ إسبانيا منذ البدء إلى عام 1243 والتاريخ الإسلامي من عهد النبوة إلى عصر الموحدين،
 كما وضع “ألفونسو” الحكيم ألحان تراتيله الكنسية على أساس الموسيقى الأندلسية تأثرا بالمطربين المسلمين الذين كانوا يملأون قصور الملوك الإسبان وما زالت آثار “زرياب” باقية في غناء “السجيريا” التي يغنيها الغجر الأندلسيون.

وتزامنا مع حرب الاسترداد وضعت الكنيسة خطة للتنصير على المدى الطويل، من خلال عملية مدروسة تبدأ بتعليم المنصرين اللغة العربية، ودراسة القرآن والسنة، ففي سنة 1250م قرر مجمع طليطلة الإنفاق على ثمان رهبان “دومينيكان” على رأسهم “رايموندو مارتين”، وهو قس “دومينيكي كتالوني” تعلَم العربيّة وقرأ القرآن وصحيحي البخاري ومسلم، وألف كتاب “خنجر الإيمان ضد المسلمين واليهود”.

التعليقات مغلقة.