الأحزاب السياسية بالمغرب بين الأمس و اليوم: أي تغير؟

بقلم مراد علوي: طالب باحث بماستر القانون العام و العلوم السياسية

 

كما هو معلوم فإن المغرب بعد حصوله على الاستقلال تبنى نظاما ملكيا قائما على التعددية الحزبية، وهذا المنطق فرضته الظروف التاريخية التي عاشها المغرب، فلا يمكننا تصور مغرب قائم على الحزب الواحدنظرا لكون الاستعمار تمت محاربته من طرف مؤسستين “المؤسسة الملكية بقيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قدس الله روحه” و“الحركة الوطنية”، وبالتالي رأت المؤسسة الملكية أنه لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي إلا في ظل التعددية الحزبية.

فالحزب السياسي هو مجموعة من الأفكار التي تصب في نفس المنحنى هدفه الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ويتكون الحزب السياسي حسب نظرنا مما يلي:

  • ناخبي الحزب .

  • المتعاطفون .

  • المنتمون .

  • المناضلون .

  • قيادة الحزب .

ويعود إنشاء الأحزاب السياسية المغربية إلى سنة 1937، أي ما سمي بالحركة الوطنية التي تحولت إلى حزب الاستقلال سنة 1943، وإن كان البعض يرجح تاريخ البدء الحزبي بالمغرب سنة 1926 ما عرف بإسم”الرابطة المغربية”، ومع ذلك يبقى البدء الحزبي الفعلي مع انشقاق كتلة العمل الوطني وظهور كل من الحزب الوطني بزعامة “علال الفاسي” و الحركة القومية بزعامة “محمد حسن الوزاني”.

فالمغرب بمجرد حصوله على الاستقلال برهن عن نيته في إقامة التعددية الحزبية من خلال صدور ظهير الحريات العامة سنة 1958، وتم تعزيز ذلك بصدور أول دستور سنة 1962 الذي أكد أن نظام الحزب الواحد غير مشروع (2).

وتميزت فترة ما بعد الاستقلال بوجود خلافات بين أحزاب سياسية، أو بين قيادات داخل نفس الحزب مما أدى إلى حدوث انشقاقات داخلية وميلاد أحزاب جديدة، فالتاريخ يذكرنا أنه رغم الخلافات بين “حزب الاستقلال” و”الاتحاد الاشتراكي” اللذين ينتميان إلى نفس رحم “الحركة الوطنية” إلا أنهما التقيا في عدة مناسبات بحيث ألفا “الكتلة الوطنية” سنة 1970 بعد انتهاء حالة الاستثناء التي أعلن عنها أبونا الروحي جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ثم في بداية التسعينات ألفا “الكتلة الديمقراطية سنة 1992 لإطلاق دينامية الإصلاحات الدستورية و السياسية، و“التوافق” حول الانتقال إلى السلطة بتكوين حكومة “التناوب التوافقي” في 14 مارس 1998  – (3)، لكن كل هذا لا يعني أن الثقافة الحزبية أصبحت قائمة على ترشيد تدبير الخلافات.

إن المتتبع للشأن العام الوطني في السنوات الأخيرة يلاحظ تدني مستوى الأداء الحزبي، فرغم أن الدستور الجديد (4) نص على صلاحيات مهمة للأحزاب السياسية حسب الفصل السابع منه، وأنه من حق المواطنات و المواطنين الانخراط في الأحزاب السياسية، ورغم أن القانون التنظيمي 29.11 (5) المتعلق بالأحزاب السياسية نص على مستجدات هامة من أجل تحقيق الحكامة الحزبية والديمقراطية، إذ لأول مرة تم الارتقاء بالقانون المنظم للأحزاب من قانون عادي (36.04) إلى قانون تنظيمي، إلا أن هذا يظل مجرد قيمة ما لم يتم تعزيزه بالممارسة.

 

نلاحظ أن هناك عجزا ديمقراطيا داخل هياكل الحزب السياسي وطريقة اشتغاله، على سبيل المثال نجد نفس الأشخاص الذين كانو منذ عشر سنوات في اللجنة التنفيذية للحزب هم نفسهم مع العلم أن القانون التنظيمي الجديد 29.11 لم يتوقف عند التعريف بالحزب السياسي وتحديد القواعد المتعلقة بتأسيس الأحزاب السياسية والانخراط فيها وممارسة أنشطتها، ومبادئ تنظيمها وتسييرها ونظام تمويلها وكيفيات مراقبته، ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة، بل أكد أيضا على إلزامية التداول على المسؤوليات، وعدم الإبقاء على نفس المسؤولين بصفة أبدية.

فأول التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية بالمغرب هي الديمقراطية الداخلية، إذ كيف يعقل أن يتبنى حزب سياسي في برنامجه الانتخابي أو الحكومي “الديمقراطية” وهو بعيد كل البعد عنها ولا يطبقها داخل هياكله، فالمؤتمر العام الذي يحدد توجهات وسياسة الحزب السياسي، كيف يتم اختيار المؤتمرين، هل على منطق الانتخاب؟ أم أن هناك منطقا آخر؟، بمعنى أن العقلية تحن إلى الماضي، فالحزب السياسي أشبه بالزاوية والقبيلة فزعماءه يحظون بنفس التقدير الذي يحظى به شيخ الزاوية، إلا أنه مع كامل الأسف فالأحزاب السياسية بالمغرب لا زال يغلب عليها طابع “القرابة”.

فالملك الراحل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه حسم في موضوع التعددية السياسية واعتبر أن الملكية والأحزاب السياسية يد واحدة لبناء دولة الحق والقانون، وهذا ما تجلى في خطابه السامي: ”…الإسلام يمنع إقامة ملكية دستورية يفوض فيها الملك جميع سلطه و يصبح يملك دون أن يحكم” (6)، و“…الملك فوق الجميع وأب الجميع و راعي الجميع” (7)، و اعتبر جلالته رحمه الله أن الأحزاب السياسية في عهد الحماية اضطلعت بمهمة “تأطير السكان وإذكاء الحس الوطني” (8)، أما دورها في عهد الإستقلال يتجسد في رأي الملكية في ضرورة تأطير السكان من أجل تكوينهم وتنويرهم، وسيرا على منهاج والده اعتبر جلالة الملك محمد السادس نصره الله أن بناء مجتمع ديمقراطي حداثي من أجل مغرب ديمقراطي وموحد ومنتج وتضامني، متقدم ومنفتح، لا يمكن أن يتم إلا بإشراك الأحزاب السياسية في الحكم، باعتبارها وجه من أوجه الديمقراطية، وتمكينها من آليات قانونية ودستورية للقيام بمهامها.

ورغم كل الجهود المبذولة من طرف الدولة المغربية لتقوية الأحزاب السياسية، إلا أننا نلاحظ قصور هذه الأحزاب عن القيام بدورها، وعجزها عن تنفيذ التزامها الدستوري المتمثل بالأساس في تأطير المواطنين، وهذا في نظرنا بسبب كثرة الخلافات بين الأحزاب السياسية، وداخل الأحزاب نفسها، وهذه الخلافات غير قائمة على رؤى ومستقبل للوطن وإنما صراعات على المصالح الشخصية، وبالتالي تم إفساد الحياة السياسية، والتي أصبحت تتسم بغياب التنافسية بين الأحزاب وتشابه البرامج وغياب معايير واضحة للتزكية للترشح، وسيادة المعيار المالي في اختيار أطر الحزب وليس معيار الكفاءة والنضال والانضباط، فالأحزاب السياسية مسؤولة عن تدني الأخلاق السياسية، وعن أزمة السياسة من خلال نفور قطاعات شعبية واسعة من الأحزاب أو المشاركة في الانتخابات،إذ كيف يعقل أن يتم الرهان على أحزاب سياسية في قيادة معركة الإصلاح الديمقراطي تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، وهي بذاتها في أمس الحاجة إلى تقويم هيكلي وإصلاح.

فالأحزاب السياسية المغربية كما يرى “واتر بوري” ليست سوى مجموعة من الأندية التي تجتمع على صديق واحد، وبالتالي كثرة الخلافات تؤدي إلى انشقاقات وميلاد أحزاب سياسية جديدة التي تفسر لنا “التعددية المفرطة” التي نشاهدها اليوم، إذ نستشف من هذا أن التعددية في المغرب غير قائمة على الخلافات الإيديولوجية بقدر ما هي قائمة على الخلافات بين الزعماء، ولتوضيح ذلك مثلا قيادات في حزب سياسي معين وقع بينهم خلاف فسيذهب أحدهم إلى إنشاء حزب آخر والتحالف مع أحزاب كانت في الماضي القريب أحد خصومه فقط تعنثا لضرب الحزب الذي كان منتميا إليه، و هنا تطبق المقولة الشهيرة: ”في السياسة ليس هناك عدو دائم و لا صديق دائم”، إذ أننا نعيش تعددية في الطموحات السياسية وليس تعددية سياسية إيديولوجية.

إن المشاركة السياسية للمواطنين تعد مظهرا ثانيا للديمقراطية، إلا أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة ضعفها وكثرة العزوف السياسي بسبب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية.

إن القانون التنظيمي الجديد 29.11 عمل على معالجة الأمراض التي يعاني منها المشهد الحزبي ببلادنا من تعددية مفرطة وترحال سياسي، إذ تم المنع من الترحال السياسي تماشيا مع الفصل 61 من دستور 2011 الذي يؤكد على التجريد من العضوية في حالة التخلي عن الحزب السياسي الذي ترشح بإسمه، وتم إعطاء مكانة مهمة للمرأة المغربية في الحياة السياسية عبر تمكينها من الثلث في أفق بلوغ المناصفة المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور الجديد، بل أكثر من ذلك تكريسا للجهوية المتقدمة تم التنصيص على إحداث هياكل محلية للحزب على المستوى الجهوي، إلا أننا نلاحظ أنه لا زال الاشتغال بالمنطق القديم، فاختيار أطر الحزب السياسي قائم على المحسوبية والزبونية والقرابة، أو اعتماد المال بدل اعتماد منطق الكفاءة والاستحقاق، كل هذا دفع الشباب المغربي وجميع فئات المجتمع إلى الثقة فقط في مؤسسة وحيدة وهي “المؤسسة الملكية” تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله رائد العهد الجديد.

إن الجهوية المتقدمة التي تعتبر ورشا ملكيا من أجل مغرب متقدم ومتوازن لا يمكن أن تنجح في ظل أحزاب سياسية ضعيفة، واكراهات قانونية مرتبطة بالأساس بنمط الاقتراع الذي يسمح للأميين بانتداب مناصب المسؤولية، فعدم اشتراط المستوى التعلمي من أجل الترشح للانتخابات حسب القانون التنظيمي 11.59 (9) لا يعد مبدأ ديمقراطيا كما يدعي البعض أو تماشيا مع الفصل 30 من الدستور الجديد، بل ينبغي إعادة النظر فيه واشتراط المستوى التعلمي ليس فقط كما كان في السابق”الشهادة الابتدائية” بل يجب اشتراط البكالوريا أو الإجازة، خصوصا أن هناك شريحة واسعة من المجمتع حاصلة على الإجازة سواء في العالم القروي او الحضري، وبالتالي إعطاء الفرصة للكفاءات والشباب، خصوصا وأن جلالة الملك أعزه الله منذ اعتلاءه العرش وهو يولي عناية خاصة بالشباب ويريد “مغرب الشباب”، إذ كيف يعقل أن ننتخب شخصا أميا ونضعه على رأس مجلس الجهة، ويصبح بذلك آمرا بالصرف ويسير جهة بموظفيها المؤهلين، أليس هناك تناقض، وهنا نستحضر هذه الآية الكريمة: ”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” صدق الله مولانا العظيم.

وبالتالي في ظل عدم كفاءة النخب الجهوية والمحلية وعدم إلمامها بالمقتضيات القانونية والتدبيرية ينعكس سلبا على المشاريع التنموية، كما أنه في غياب تكوين مستمر للنخب (وحتى إن كان هناك تكوين فسيصعب تطبيقه نظرا لأمية المنتخب) وغياب تأطيرهم كل هذا يؤثر سلبا على الجهوية المتقدمة.

 

إن الإصلاح يقتضي قيام الأحزاب السياسية على منطق الحكامة الجيدة والديمقراطية، وبالتالي إفراز نخب سياسية حقيقية مؤطرة جدا مما سيؤدي إلى ترشيد القرار الحزبي وعقلنة الموارد المالية وتأهيل الموارد البشرية وتبني برامج سياسية حقيقية.

 

إن الأحزاب السياسية مدعوة اليوم لكونها ممارسة فعلية للسلطة بتحمل المسؤولية من خلال تأهيل النخب وتجديدها وتمكين الكفاءات من ولوج المناصب القيادية.

و في الأخير سنستحضر بعض الخطب الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله:

  • خطاب افتتاح البرلمان سنة 2014: ”…وأود هنا، أن أؤكد أن الخيار الديمقراطي، الذي ارتضاه جميع المغاربة، ثابت لا رجعة فيه. بل إننا ملتزمون بمواصلة ترسيخه.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، وبكل إلحاح: هل تمت مواكبة هذا التقدم، من طرف جميع الفاعلين السياسيين، على مستوى الخطاب والممارسة؟

إن الخطاب السياسي يقتضي الصدق مع المواطن، والموضوعية في التحليل، والاحترام بين جميع الفاعلين، بما يجعل منهم شركاء في خدمة الوطن، وليس فرقاء سياسيين، تفرق بينهم المصالح الضيقة.

غير أن المتتبع للمشهد السياسي الوطني عموما، والبرلماني خصوصا يلاحظ أن الخطاب السياسي، لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن، لأنه شديد الارتباط بالحسابات الحزبية والسياسوية.

فإذا كان من حق أي حزب سياسي، أو أي برلماني، أن يفكر في مستقبله السياسي، وفي كسب ثقة الناخبين، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب القضايا الوطنية الكبرى، والانشغالات الحقيقية للمواطنين.

أما ممارسة الشأن السياسي، فينبغي أن تقوم بالخصوص، على القرب من المواطن، والتواصل الدائم معه، والالتزام بالقوانين والأخلاقيات، عكس ما يقوم به بعض المنتخبين من تصرفات وسلوكات، تسيء لأنفسهم ولأحزابهم ولوطنهم، وللعمل السياسي، بمعناه النبيل.

وهو ما يقتضي اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي، بشكل عام، دون الاقتصار على بعض المواد، المدرجة ضمن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.

كما أنها تتطلب، قبل كل شيء، الانكباب الجدي، على الأسبقيات الوطنية، مع تغليب روح التوافق الإيجابي، وخاصة خلال إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية والإصلاحات الكبرى… وعلى بعد أقل من سنة، على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين: ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام؟.

 

إن التحدي الكبير الذي يواجه مغرب اليوم، لا يتعلق فقط بتوزيع السلط، بين المركز والجهات والجماعات المحلية، وإنما بحسن ممارسة هذه السلط، وجعلها في خدمة الموطن.

ومن هنا، فإن الانتخابات المقبلة، لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها. وإنما يجب أن تكون مجالا للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية.

إننا نعتبر أنه ليس هناك فقط، فائز وخاسر في المعارك الانتخابية، بل الكل فائز. والرابح الكبير هو المغرب. لأنه حتى من لم يحظوا بثقة أغلبية المواطنين، فإنهم يساهمون بمشاركتهم، في تعزيز دينامية المؤسسات المنتخبة .

كما يجب عليهم أن يشكلوا المعارضة البناءة، ويقدموا البدائل الواقعية، التي تؤهلهم للتناوب على تدبير الشأن العام.

 

أما الخاسر الأكبر، فيمثله الذين يعتبرون أن مقاعدهم ريعا، أو إرثا خالدا إلى الأبد؛ فإذا لم ينجحوا في الانتخابات يقولون بأنها مزورة؛ وإذا فازوا يسكتون، مستغلين نزاهتها للوصول إلى تدبير الشأن العام. 

صحيح أن الانتخابات، كما هو الحال في جميع الدول، تعرف بعض التجاوزات التي يرجع البت فيها للقضاء، وللمجلس الدستوري، الذي قرر إلغاء عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة.

لذا، ندعو الجميع للإعداد الجيد لهذه الاستحقاقات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة، في احترام إرادة الناخبين…”

  • خطاب عيد العرش المجيد سنة2017: ”…شعبي العزيز، إن اختياراتنا التنموية تبقى عموما صائبة. إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع”.

فالتطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة.

فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.

أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه.

وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم.

والواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل.

وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب منهم، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل.

وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول: ”كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة ، وإما أن تنسحبوا . فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون.

ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأن الأمر يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين. وأنا أزن كلامي، وأعرف ما أقول …، لأنه نابع من تفكير عميق… نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والاستراتيجيات. إلا أنه:

بدون تغيير العقليات، وبدون توفر الإدارة على أفضل الأطر، وبدون اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشان العام،

وفي غياب روح المسؤولية، والالتزام الوطني، فإننا لن نحقق ما ننشده لجميع المغاربة، من عيش حر كريم.

أنا لا أريد، شعبي العزيز، أن تظن بعد الاستماع إلى هذا الخطاب بأنني متشائم، أبدا… فأنت تعرف أنني واقعي، وأقول الحقيقة، ولو كانت قاسية. والتشاؤم هو انعدام الإرادة، وغياب الآفاق والنظرة الحقيقية للواقع…”

  • خطاب العرش سنة 2018: ”…والواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها. إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن أبناء اليوم، هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها.

فالمنتظر من مختلف الهيآت السياسية والحزبية، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث…”.

 

  • خطاب افتتاح البرلمان سنة 2018: ”…وإننا حريصون على مواكبة الهيآت السياسية، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية .

لذا، ندعو للرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار…”.

وبالتالي على الأحزاب السياسية أن تساير المؤسسة الملكية، بحيث نجد أن هذه الأخيرة تشتغل بسرعة (نذكر على سبيل المثال الأوراش الكبرى التي أطلقها جلالة الملك نصره الله: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مخطط المغرب الأخضر، مخطط المغرب الأصفر، مخطط الإقلاع الصناعي، الجهوية المتقدمة)، في حين أن الأحزاب السياسية تشتغل ببطئ، إذن ينبغي عليها تطوير قدراتها وأن تكون في المستوى الذي يريده لها جلالة الملك أعزه الله ”أحزابا سياسية حقيقية وقوية تحمل إرادة سياسية وطموح للدفع بالمغرب قدما”.

والله ولي التوفيق.

من إعداد: مراد علوي، طالب باحث بماستر القانون العام والعلوم السياسية برحاب كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط ، فاعل جمعوي وحقوقي.

 

الهوامش :

(1)R.Rezette:«les partis politiques marocains»,presse de la fondation national des sciences,2ème éditions paris,1975,p:68

(2) الفصل الثالث من دستور 1962.

(3)تشكلت حكومة التناوب تحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي.

(4) ظهير شريف 1.11.91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،الصفحة 3600.

(5) ظهير شريف 1.11.166 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 29.11،الجريدة الرسمية 5989.

 (6) في حديث لصحيفة لوموند الفرنسية في شتنبر 1992،انظر خطب و ندوات صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني،المجلد الثالث عشر،الطبعة الثانية،ص:72.

(7)في خطاب بمناسبة إجراء الانتخابات الجماعية(15 أكتوبر 1992،المرجع السابق،ص:107.

(8)Hassan II:la mémoire d’un Roi,palon,paris,1993,p:61.

(9)ظهير شريف 1.11.173 الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 11.59،الجريدة الرسمية عدد 5997 مكرر .

التعليقات مغلقة.