الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟

أصوات: أخبار الجزائر

أولا وقبل كل شيء، وقبل أن نتطرق إلى هذا موضوع “الحركات الانفصالية بالجزائر”، لا بد لنا أن نتساءل أولا عما هو الانفصال..؟؟؟، وما هي الحركة الانفصالية..؟؟، ثم هل هناك حركات انفصالية بالجزائر كيف ولماذا؟؟؟؟

 

الجزائر كغيرها من البلدان لم تكن يوما دولة بما تحملها الكلمة من معنى إلا في سنة 1962، بمعنى أن هذا البلد ليس قديما، وبمعنى آخر، إنه بلد لا تاريخ ولا حضارة له، ويرجع الفضل الكبير لقيام هذه الدولة إلى فرنسا حيث اقتطعت فرنسا أغلب الأراضي للبلدان المجاورة من المغرب وتونس وليبيا ومالي، واستطاعت بالفعل أن تنجح في ذلك مع كامل الأسف، وأسست ما يسمى بالجزائر .

لكن كل ما قامت به فرنسا سوف لن ولن يدوم حيث خرجت الى السطح أغلب الحركات في الجزائر تطالب الآن بالانفصال، فما هو يا ترى الانفصال..؟؟ وما هي هذه الحركات؟ وكيف ظهرت الآن ولماذا..؟؟؟

الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟
حركة الطوارق بالجزائر

ما مدلول الانفصال والحركات الانفصالية؟

الحركات الانفصالية، مصطلح سياسى وشعبى يطلق على جماعات تتبنى الانفصال عن دولتها الأم، أو الاستقلال عن دولة انضمت لها نتيجة ظروف تاريخية محددة على غرار حروب البلقان والحرب العالمية الأولى والثانية.

وأوضحت “الدراسة” أن الحركات الانفصالية تختلف عن حركات التحرر التى تستهدف التحرر من الاستعمار، وممارسة حقها فى تقرير مصيرها، والاعتراف بشرعية كفاحها، فيما الحركات الانفصالية تقوم على دوافع عرقية أو قومية أو دينية أو سياسية.

وأكدت الدراسة التي قام بها الباحث السياسى السنغالى “جوبيتر ندياى” أنه أينما توجد حركات انفصالية توجد دول منافسة تقدم الدعم لها لأسباب تتعلق بالمكانة والموقع الجيوسياسي من خلال سياسة الإرشاد والدعم المالي والعسكري واللوجستي.

وأوضح الباحث السنغالى، أن أغلب تلك الحركات تنتهج العنف وحمل السلاح والأصولية والتشدد لتحقيق غايتها.

وأكد ذات الباحث أن مبدأ تحقيق المصير والذى يعنى حق السكان الأصليين أن يقرروا شكل السلطة التي تحكمهم، يعتبر “منفذا” تستخدمه القوى الكبرى لتقسيم الدول وتفتيتها، فى مقابل مبدأ آخر يعتبر أكثر عقلانية بحسب وصف الباحث، وهو الحكم الذاتى، أي حصول الإقليم على صلاحيات سياسية وإدارية واسعة، ضمنها انتخاب الحاكم وتمثيل فى البرلمان يضمن حق التمثيل.

الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟
حركة الطوارق بالجزائر

وبحسب كتاب “الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر” للدكتور “أحمد وهبان”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، فإن تلك الحركات ترتبط من حيث وجودها بالدول التى تتسم بتنوعها العرقي سواء كانت تلك الدول تنتمي إلى العالم الثالث أو كانت فى مصاف الدول المتقدمة، وذلك لأن أغلب تلك المجتمعات تتسم بانطواء كيانها البشرى على أكثر من جماعة عرقية، الأمر الذى يصاحبه فى الأغلب غيبة فكرة المواطنة بين أفراد تلك الجماعات البشرية، وهو ما يعني انتفاء الولاء السياسى.

وأكد الكاتب أن الحركات العرقية الانفصالية يغلب عليها الطابع الانفصالى، وذلك باعتبار  أن الدول التي تنتسب لها لا تعبر عن ذاتيتها ولا تجسد هويتها وإنما هى تجسد هوية وذاتية الجماعية المسيطرة فحسب.

وتعبث مشاريع تقسيم الدول أساسًا بحدودها البرية والبحرية والجوية المتعارف عليها تاريخيًا، أو بعد جلاء الاستعمار الحديث عنها، وقد قام التصوّر الجزائري للحدود على التمسك والاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، واستبعاد السرديات المتعلقة بالتاريخ والامتدادات الجغرافية للإمبراطوريات والممالك السابقة، غير أن هذا التصوّر الجزائري للحدود يتعارض مع السياسات الدولية “ما بعد الاستعمارية” التي تقوم على تغذية النزعات الانفصالية، بل ويتعارض حتى مع تصورات بعض دول الجوار عن الحدود؛ حيث تقبل الحدود الموروثة عن الاستعمار على مضض وتستبطن في أدبياتها ودبلوماسيتها تصوّرًا يقوم على السرديات التاريخية والولاءات القبلية القديمة.

وتستثمر مشاريع التقسيم في التنوعات العرقية، اللغوية، المذهبية والدينية المكوّنة للمجتمعات المستهدفة، وفي حالات نادرة فقط نجحت بعض القوى الدولية في صناعة بعض الأقليات وتوظيفها لمصلحتها على المدى البعيد؛ كما فعلت بريطانيا في شبه القارة الهندية.

الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟
حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة بالجزائر

تتميز النزعة الانفصالية بأنها مكوّن ثقافي خاص لمجموعة بشرية ما، مغاير لما حولها من مكونات ثقافية تتميز بها المجموعات الأخرى، أو على الأقل تحاول أن تبدو كذلك، فإذا انتقلت هذه النزعة من حالة الشعور بالتميّز إلى حالة التنظيم فإنها تتحول إلى حركة انفصالية، ويُعدُّ الشعور بالاضطهاد أو صناعة الشعور بالاضطهاد سمةً بارزةً لجميع الحركات الانفصالية في العالم، وعلى أساس هذا الشعور يُحشد الأنصار والأتباع.

وتعرف الجزائر مثل كثير من الدول نزعات انفصالية بقيت حبيسة الحالة الشعورية، وأخرى تطورت لتشكّل حركات منظمة ومؤثرة في المشهد السياسي والأمني، وتُعدُّ الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل (الماك) أبرز حركة انفصالية ظهرت في الجزائر سنة 2001 ((Mourad Fenzi, « Entretien avec Ferhat Mehenni », Liberté , 14/12/2016, disponible sur : (shorturl.at/zFH58), visité le 20/10/2021.))، على خلفية أحداث العنف التي عرفتها منطقة القبائل بين سكان المنطقة وأجهزة الأمن لا سيما جهاز الدرك الوطني، وقد عُرفت هذه الأحداث باسم “الربيع الأمازيغي”، وتطالب حركة “الماك” باستقلال منطقة القبائل عن الجمهورية الجزائرية.

وفي عام 2010 أعلنت حركة “الماك” من باريس عن تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة في المنفى، وبدأت منذ ذلك الحين في استخراج وثائق رسمية مثل جوازات السفر وبطاقات التعريف لمواطني ما تسميه بالدولة القبائلية ((Siwel, « Carte d’identité kabyle (CIK) : une forte demande selon le MAK », 02/09/2012, disponible sur : (https://www.siwel.info/carte-didentite-kabyle-cik-une-forte-demande-selon-le-mak_3380.html), visité le 20/10/2021; Kabyle.com, « La Kabylie se dote d’un passeport ! », 16/06/2020, disponible sur : (https://kabyle.com/la-kabylie-se-dote-dun-passeport), visité le 20/10/2021.)).

الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟
حركة الماك بالجزائر

وعند الغوص في جذور حركة “الماك”، فإنَّ البعض يعدُّها جزءًا من التطور الطبيعي الذي سلكه تيار خرج من رحم الحركة البربرية، وهي حركة تطالب بالاعتراف بهوية ثقافية جزئية وليست حركة انفصالية، وقد غذّت ممارسات النظام السياسي القمعية هذا التيار ودفعته إلى تبنّي خيار الانفصال، بالإضافة إلى عوامل أخرى لعبت أيضًا دورًا مهمًّا في تشكّل خطابه السياسي كالدور الفرنسي بصفته الراعي الرسمي لقيادات حركة “الماك” ((K.B, « Le site sioniste -Tribune Juive- sert de relais à la propagande du MAK », Algériepatriote, 17/12/2017, disponible sur : (shorturl.at/lpuKQ), visité le 19/10/2021.))..

واستفادت حركة “الماك” من إحجام النظام السياسي في الجزائر عن تجريمها لسنوات طويلة، وقد نسجت خلال ذلك شبكاتها وجندت الآلاف من الأتباع في منطقة القبائل – كما تظهر ذلك أعداد المتظاهرين المتعاطفين معهم في عدة مناسبات – بيد أن هذا الوضع تغيّر ابتداءً من شهر مايو 2021؛ حيث أدرجها ..النظام العسكري الجزائري الديكتاتوري… ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وإذا كانت حركة “الماك” هي الحركة الانفصالية الأظهر في الجزائر. 

إلا أن هناك أيضا حركات تحررية كثيرة تريد الاستقلال عن الجزائر، أهمها تلك الحركة التي تأسست عام 2004 على خلفية التهميش والقمع بالجنوب الجزائري، وتُدعى “حركة أبناء الصحراء من أجل العدالة”، وفي الحقيقة لا يُعرف عن هذه الحركة تبنٍّ للانفصال بشكل علني، لكنها حركة بدأت بشكل سلمي ثم تحولت إلى العمل المسلح، وتصنفها السلطات العسكرية في الجزائر كحركة إرهابية وانفصالية، وقد تراجع دورها بشكل كبير خاصة بعد مقتل زعيمها “عبد السلام طرمون” عام 2018 بمنطقة “سبها” بليبيا ((ياسر قاديري، “ رمال متحركة… كيف يدفع القمع والتهميش جنوبي الجزائر إلى التمرد؟”..، لكن استطاعت هذه الحركة التحررية أن تعود من جديد، إذ استطاعت أن تحمل السلاح من جديد، وكبدت الجيش الجزائري خسائر فادحة خلال شهر يونيو من عام 2023.

ويُعدُّ ملف “قبائل الطوارق”، التي تمتد وتتوزع على مختلف دول جنوب الصحراء كمالي والنيجر وليبيا ((برباش رتيبة، “مشكلة الطوارق في منطقة الساحل الأفريقي وتداعياتها على الأمن القومي الجزائري”، المجلة الجزائرية للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، العدد 9، ديسمبر 2017، ص 245.))، من الملفات بالغة الحساسية في معادلة الأمن القومي الجزائري؛ فقد شعرت الجزائر بثقله الاستراتيجي غداة قيام الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي” بإنشاء معسكرات لتدريب “الطوارق”، ومحاولته إنشاء حركة “طوارقية” تطالب بالاستقلال وإقامة دولة لها في المنطقة، وبعد سقوط نظام “القذافي” والتطورات المتلاحقة في شمال “مالي” دخلت “الجماعات المتطرفة” ((كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تمثّل تنظيم القاعدة في مالي والساحل، وهي عبارة عن اتحاد ضمّ 4 جماعات متشددة بقيادة إياد أغ غالي زعيم جماعة أنصار الدين، وهو من قبائل طوارق شمال مالي، وجماعة تحرير ماسينا بقيادة أمادو كوفا، كما ضمّ هذا الاتحاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وكتيبة المرابطين. انظر تقرير وكالة الأناضول (shorturl.at/oqxQ5).))على الخط واختلطت بالجماعات الطوارقية التي تناضل منذ عقود ضد تهميشها من طرف الحكومات المتعاقبة في مالي والنيجر، وكان هذا عامل تهديدٍ كبيرٍ أيضًا للأمن القومي الجزائري من ناحية الجنوب((برباش رتيبة، مرجع سابق، ص.ص 249-250.)).

الحركات التحررية في الجزائر.. كيف ولماذا؟؟؟
الحركات الإسلامية بالجزائر

وليس بعيدًا عن مناطق الطوارق بجانت “وإليزي” وكذلك منطقة “ورقلة”، شهدت منطقة “غرداية” تأسيس ما سمّي بـ”الحركة من أجل الحكم الذاتي لوادي ميزاب”، وهي منطقة يتعايش فيها المكوّن “الإباضي الأمازيغي” والمكوّن “العربي المالكي” منذ قرون، وقد أعلن عن إنشاء هذه الحركة الناشط الحقوقي “كمال الدين فخار” في يونيو 2014 ((عبد الله إبراهيم، “الإعلان عن ميلاد الحركة من أجل حكم ذاتي لميزاب”، التحرير،  وينتمي “فخار” لتيار هامشي داخل المكون “الإباضي” – الذي لا يُعرف عنه النزعة الانفصالية بقدر ما تُعرف عنه النزعة الانعزالية للحفاظ على المذهب الإباضي- وقد عُرف “فخار” ومجموعته بعلاقاتهم الوثيقة مع حركة “الماك” وقربهم من النزعة البربرية عمومًا، وقد انتهى الوجود الفعّال لهذه المجموعة بعد وفاة “كمال الدين فخار” في مستشفى ب”البليدة” (غرب العاصمة الجزائرية) تبعًا لإضراب عن الطعام دام أكثر من 50 يومًا، نفّذه احتجاجًا على ظروف سجنه ((فرانس 24، “الجزائر: وفاة الناشط الحقوقي كمال الدين فخار بعد إضرابه عن الطعام في السجن”، 28/05/2019، متاح على الرابط: (shorturl.at/tDIYZ)، تمّت الزيارة بتاريخ 24/10/2021.)).

وبالحديث عن الصحراء أو الجنوب الجزائري، لا تخطئ عين الباحث والمُلاحِظ تنامي النزعة التحررية  لدى فئة الشباب على وجه الخصوص؛ بسبب التوزيع غير العادل للثروة والمشاريع التنموية بين مدن الشمال والجنوب، ففي حين يقف سكان الجنوب فوق مقدرات هائلة من بترول وغاز ومعادن تستخرج من تحت أرجلهم، لا يجدون عملًا ولا سكنًا ولا مستشفيات محترمة للعلاج بها ((دالية غانم، “عقب أخيل الجزائر؟ جهوية الموارد في ورقلة”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 11/05/2021، متاح على الرابط: (https://carnegie-mec.org/2021/05/11/ar-pub-84273)).

وبقياس وتيرة الاحتجاجات الشعبية تعرف مناطق الجنوب الجزائري وتيرة عالية جدًا مقارنة بمناطق الشمال، وعلى امتداد سنوات سابقة للحراك الشعبي الكبير في فبراير 2019 ((حجال سعود، “الحركات الاحتجاجية في جزائر اليوم: الفعل الاحتجاجي لدى الشباب البطّال، تحليل لأحداث الجنوب في “ورقلة” 2013، مجلة مجتمع تربية عمل، عدد 1، رقم 1، ص. ص 29-46.))، “بَلْهَ” إن هذه الاحتجاجات المتصاعدة ساهمت بشكل فعّال في الوصول إلى لحظة الحراك الكبير التي أسقطت “بوتفليقة” وجزءًا من منظومة حكمه ((يوسف كامل، “احتجاجات جنوب الجزائر … هل هي شرارة ثورة اجتماعية؟”. 

ورغم أن النظام السياسي في الجزائر لا يزال متحكمًا في الوضع إلا أن حالة الضعف التي تعيشها الجزائر كدولة منذ سنوات بسبب غياب الإرادة السياسية لانتقالٍ ديمقراطيٍ حقيقي، وغياب أيّ مسارٍ جادٍّ للحوكمة ومحاربة الفساد المستشري، وتراجع منحنى القوة بسبب الاهتزازات الكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي في عام 2019، ولا تزال تداعياته مستمرة إلى غاية اليوم، دون أن يكون هناك مسارٌ انتقاليٌّ وتمدين نظام الحكم، كلها تشير إلى أن الجزائر تعيش، اليوم، في ظل أوضاع هشة ومزرية وستتعرض الى الزوال حسب اغلب الباحثين والمتتبعين والسياسين.

التعليقات مغلقة.