ما هي المسيرة الخضراء؟ مرور 48 سنة على الحدث التاريخي الذي غير مصير الصحراء المغربية

بقلم محمد الحمراوي

 

يعيش الشعب المغربي الذكرى الثامنة والأربعون لحدث المسيرة الخضراء المظفرة، والتي انطلقت يومه 06 نونبر 1975م، حوالي الساعة العاشرة والنصف، من مختلف ربوع الوطن ومكونات المجتمع المغربي، بمشاركة نخبة من السياسيين على رأسهم الوزير الأول “أحمد عصمان” بنظام وانتظام حاملين القرآن الكريم، مع الايمان بقضيتهم الوطنية بهتافات مستمرة صدحت حناجرهم من ترديدها ” الكفاح الكفاح .. القرآن هو السلاح ” هذه المحطة التاريخية الممتدة في الزمن المغربي بما تحمله من دلالات ودروس وعبر والتي تشكل عنوانا لتشبث المغاربة شعبا وملكا بأرضهم وبوحدتهم الترابية الغالية .

وقـائع تـاريـخـيـة:

تفاصيل اتخاذ القرار وكواليس إعداده

 

“ حدث المسيرة الخضراء ” بدأت حين استدعى الملك الحسن الثاني قدس الله روحه وزيرة التجارة ووزير المالية وقال لهما : ” ان شهر رمضان قد يكون قاسيا فهل يمكننا من باب الاحتياط تخزين كمية من المواد الغذائية حتى اذا كنا في حاجة الى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على ثبوت الأسعار وليكن تموين يكفي لشهر وشهرين “، ولتأمين تحركها الميداني خاصة في قطاع شهد توترا عسكري استدعى الراحل الحسن رحمة الله عليه ليلة 21 غشت 1975م الجنيرال / لشهبار المكلف بادارة الدفاع الوطني والجنيرال / البناني من المكتب الثالث وكذا الجنيرال / الزياتي عن المكتب الرابع الذين أدوا اليمين أمام جلالته بعدم إفشاء السر، حيث شرعوا في التخطيط والاعتكاف لإعداد مخطط شامل لها امتد الى عشرين يوما يتم تبادل المعلومات بين الرباط والأقاليم ليلا بواسطة اشخاص لم يسمح لهم باستعمال الورق والكتابة ولا الاتصال الهاتفي أو الراديو أو التيليكس بل تمرير المعلومات عبر الشفوي تحت جنح الظلام وفي سرية تامة الى غاية اكتوبر 1975م، بينما اخبر ممثلو جلالة الملك رحمه الله ليلة 26 شتنبر 1975م بأمر المسيرة الخضراء وأقسموا بالحفاظ على السر، وتوجه ما يقارب 700 رجل ومتعاون سلطة بوزارة الداخلية الى قاعدة بن جرير العسكرية للخضوع الى تكوين مكثف دام أسابيع بخصوص تأطير المجموعات ودروس في الوطنية دون علمهم بقضية المسيرة الخضراء التي تعتبر حدث تاريخي شهده المغرب والعالم ككل بفضل الحشد الشعبي ودهاء جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه الهائل الذي رسخ حالة نموذجية من التوحد والاصطفاف الشعبي احتجاجا على الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية جسدت دروس خالدة في اتخاذ القرار والتخطيط والتنفيذ وحشد الإرادة الشعبية الوطنية وجمع الصفوف بشكل يثير الإعجاب والتقدير عن حسن تنظيم وتخطيط قل نظيره.

 

والحقيقة يعود تاريخ هذا الحدث إلى 18 شتنبر 1974م، حينما تقدم المغرب بطلب استشاري حول قضية الصحراء إلى محكمة العدل الدولية بعد رفضه القاطع لقرار السلطات الاستعمارية الاسبانية بتنظيم استفتاء في الصحراء خلال النصف الأول من 1975م، ومعارضته إياه بدعوى عدم تطابقه مع مضمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصدر بذلك المحكمة الدولية رأيها الاستشاري حول القضية في 16 أكتوبر 1975م معتبرة بأن الصحراء المغربية جزء لا يتجزأ قبل استعمارها من قبل إسبانيا بالإضافة إلى وجود روابط قانونية وولاء وبيعة بين سلاطين المغرب والقبائل التي تقيم بها.

دعوة جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه للمسيرة الخضراء

 

وجاء خطاب جلالة الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه الذي دعا من خلاله إلى تنظيم مسيرة خضراء في اتجاه الصحراء المغربية مباشرة بعد اعتراف محكمة العدل بالحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه قائلا في نصه الذي القاه من مراكش عبر الإذاعة والتلفزيون التي كانت ترابط بالقصر الملكي بمراكش : “ بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا الصحراء، التي فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار…، لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”، فشكل بذلك إعلانه عن تنظيم هذه المظاهرة الجماعية السلمية نقطة تحول للمشهد السياسي المغربي الذي تعززت فيه سلطة الملك بقرار مشاركة أحزاب المعارضة الرئيسية في العملية السياسية والتخلي عن الكفاح المسلح.

 

واستجابة لخطاب جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني قدس الله روحه، فتحت مكاتب متعددة بمختلف الأقاليم لاستقبال طلبات المتطوعين في المشاركة بالمسيرة، وانطلقت أول مجموعات للمشاركين من الراشيدية في 23 أكتوبر 1975م، فيما عملت عشرة قطارات بشكل يومي مستمر على امتداد اثني عشر يوما التالية على نقل المتطوعين إلى مراكش وأكادير ثم إلى ضواحي طرفاية.

 

انطلاق المسيرة الخضراء سنة 1975م

جاء الخطاب الملكي لانطلاق المسيرة الشهير في الخامس من نونبر 1975م قائلا من خلاله: “غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء ،غدا إن شاء الله ستطؤون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز”، وانطلقت المسيرة الخضراء بمشاركة أزيد من 350 ألف مغربي %10 منهم عنصر نسوي.

حدث المسيرة دفع اسبانيا لاعادة ترتيب أوراقها

وبعد أربعة أيام على انطلاق هذا الحدث التاريخي العظيم الذي دفع بالمستعمر الاسباني إلى إعادة ترتيب أوراقه بعدما حلقت طائراته العمودية والنفاثة بالقرب من مدينة العيون لترهيب حشود المتطوعين الذين كانوا يرددون عليها بالأيدي كما لو كانوا يحيونها، وفجرت ألغام وانوار ليلية للترهيب لكن كل ذلك زاد المتطوعين إصرارا وحماسا في تخطي الحدود الوهمية، بينما طلبت اسبانيا عقد إجتماع لمجلس الأمن لمواجهة المسيرة لأنها اعتبرتها ليست سلمية بل زحف عسكري مسلح ما جعلها تحرك أسطولها على المياه الإقليمية.

وهكذا بعد فشل جميع مناوراتها السياسية والعسكرية بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراوية، ليعلن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في التاسع من نونبر أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها ويدعو المشاركين فيها إلى الرجوع إلى نقطة الانطلاق (طرفاية)، حيث مكثوا عشر أيام تحت الخيام وساهمت المرأة المشاركة على طهو الخبز وصنع الشاي الأخضر المغربي، في الوقت الذي ظلت فيه المفاوضات جارية بين البلدين حول مآل الصحراء المغربية ويتم الحسم في القضية بعد انعقاد القمة الثلاثية بمدريد التي جمعت المغرب واسبانيا وموريتانيا وتوجت بالتوقيع على اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975م الموجبة باسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية في مقابل إدارة ثلاثية للصحراء لفترة انتقالية لمدة ثلاثة أشهر تلاها انسحاب القوات الإسبانية من الصحراء المغربية في فبراير 1976م.

 

وفي السياق ذاته، كان جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه قد أجاب عن سؤال الصحافي الفرنسي “إيريك لوران” حسب ما ورد في كتاب «مذكرات ملك» حول موقف الملك إذا فشلت المسيرة قائلا : “لو فشلت المسيرة لاستقلت، إنه قرار أمعنت التفكير فيه طويلا بحيث كان يستحيل علي أن أترك على الساحة ضحايا لم يكن لهم سلاح سوى كتاب الله في يد والراية المغربية في اليد الأخرى. إن العالم كان سيصف عملي بالمغامرة ” .

الوسائل اللوجيستيكية التي استعملها الشعب المغربي في المسيرة الخضراء

مسيرة شعبية برهنت فيها المرأة المغربية على حسها الوطني ووعيها بواجباتها نحو وطنها مسيرة جاءت لتؤكد للعالم عن مدى حب المغربي (ة) لوطنه بل واستعداده للتضحية في سبيله، ويعتبر حدث تاريخي استثنائي بامتياز سخرت جميع الإمكانيات البشرية واللوجستيكية لأن اطعام 350 الف متطوع وسط الصحراء ليس سهلا، حيث رافق المسيرة الخضراء 70 طبيب حكومي وخاص، و 220 سيارة إسعاف ونحو ألف ممرض وممرضة للمحافظة وتقديم الإسعافات الضرورية بينما قام بتغطية الحدث المئات من الصحافيين…

بالمقابل كيف يمكن توفير المؤونة الى المشاركين بالمسيرة الخضراء ( 350 الف ) حطوا الرحال وسط صحراء جرداء انذاك هي اكبر مشكلة أرّقت المسؤولين وسخرت لها وسائل لوجيستيكية باستعمال طائرات عسكرية لنقل مليون رغيف يوميا من الدار البيضاء والرباط ومراكش حتى طرفاية، بينما الباقي كلفت به سيارات كبيرة، وخصصت لكل متطوع 160 غرام من الزيت وربع كيلو من السكر ثم 100 غرام من الشاي وعلبة سردين وكذا 5 ليترات من الماء وعلبة حليب صغيرة، كما سخرت 1200 حافلة لنقل المتطوعين مع تأمين 23 ألف طن من الماء مع تعبئة 10 الاف خيمة واقتناء 430 ألف آنية للطبخ.

حالة الملك الذي أعلن عن انطلاق المسيرة الخضراء

عاش الراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله ايام عصيبة وهو يتابع لحظة بلحظة تحرك المشتركين بالمسيرة الخضراء منذ انطلاق المجموعات الاولى من مختلف الأقاليم والعمالات وتجميعها بضواحي طرفاية وطانطان ثم الانطلاق نحو الطاح لاختراق الحدود بعمق و15 او 20 كلم.
يقول الصحفي الإسباني / خافيير توسيل في احدى مقالاته الشهيرة تحت عنوان ” المسيرة الخضراء التي حركت مسلسل إسترجاع المغرب لصحرائه الغربية” لقد جرت مقابلة في 21 أكتوبر 1975م بين الملك الحسن الثاني والمبعوث الاسباني / خوسي سوليس لتدارس عواقب قرار المغرب بتنظيم مسيرة جماهيرية سلمية نحو الصحراء الخاضعة انذاك للحكم الاسباني، وأضاف ان الملك الحسن الثاني وصف ذلك اللقاء بانه حديث اندلسي الى اندلسي”.

حصيلة المسيرة الخضراء

أعلن جلالته رحمه الله يوم 09 نونبر 1975م عن توقف المسيرة الخضراء ومطالبة المشاركين فيها بالعودة إلى مخيمات طرفاية وطانطان مادام انها حققت المبتغى، ألا وهو إرغام مدريد “الفرنكاوية” على قبول المفاوضات المباشرة والتي انتهت باتفاقية 14 نونبر 1975م بين المغرب واسبانيا وموريتانيا.

التعليقات مغلقة.