المساجد بأوروبا تاريخ وحضارة وأصالة وتراث، مسجد ستراسبورغ أنموذجا “الحلقة الأولى”

فرنسا: الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون

إن الدين عند الله الإسلام وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد، جسدت مساجد فرنسا تاريخا من التسامح منذ صلاح الدين الأيوبي،  والمساجد رموز أساسية في علاقة فرنسا التاريخية مع الإسلام والمسلمين.

                           

خلفية تاريخية:

 

في الوقت الذي كانت فيه فرنسا توسع من نفوذها في عدد من مناطق العالم الأفريقي عموما والعربي خصوصا، كان الدين الإسلامي يزيد إنتشارا بأراضيها وبذلك يتضاعف عدد المسلمين بين مواطنيها، الأمر الذي فتح المجال أمام فكرة بناء المساجد والمراكز لتجمع المسلمين فيها، إلا أن وقتها لم يهتموا كثيرا بهذا الأمر.

 

رغم كل كيد وعراقيل و كل منع بشتى أنواعه و وصفه، يبقى دين الله المختار الإسلام أسرع الأديان نموا وإنتشارا وبشكل متسارع من يوم لأخر في أوروبا عموما، وبفرنسا خصوصا، مدعوما بالدرجة الأولى بالمهاجرين من مختلف بلدانهم الإسلامية والطلبة والعمال، ومن جهة أخرى بارتفاع معدلات المواليد للأسر الإسلامية المتزايدة كل يوم والتي تحتل درجة ترتبيها في الأسماء باسم صاحب الرسالة الحبيب المصطفى محمد إبن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه، حيث تزايدت معدلات النمو الديموغرافي للجاليات العربية بالدرجة الأولى والإسلامية من كل حدب وصوب، إذ بات تضاعف عدد المسلمين في فرنسا ملحوظ بشكل ملموس واقع معاش تعززه الأحداث والمناسبات الدينية وتزايد عدد المساجد والمراكز الإسلامية والمصليات من حين لآخر إلخ…………

 

معالم مساجد فرنسا وستراسبوغ تختفي بفعل عدة عوامل

 

عبر مقالنا المتواضع هذا سنتطرق إلى التعريف بمساجد فرنسا عموما وستراسبورغ عاصمة الإتحاد الأوروبي لما تملكه هاته المؤسسات المسجدية من خصوصيات ومميزات تشتهر كل منها بإسمها المنفرد بها.

 

 

ومن خلال بحثنا وتنقيبنا في عديد الجهات والبحوث تبين أن أغلب الدراسات تبين بوضوح غياب تواريخ نشأتها وتأسيسها الرسمية وطمسها باختفاء العديد من آثار المساجد التاريخية بفعل عدة عوامل طبيعة، كوراث وحروب إلخ……..

 

 

وعليه نحاول من خلال فقرات هذا التقرير التالي المبسط قدر الإمكان و المفصل حسب ما تحصلنا عليه من معلومات مستقات من هنا وهناك الوقوف على هاته الحقائق،نسأل الله التوفيق والتمكن، لنتمكن من إيصال المعلومة الصحيحة والتعريف السليم لتوفير المادة العلمية لطلبتنا وباحثينا وفقهم الله في مشوار دراستهم, بتسليط الضوء على بعض هذه المساجد التي أصبحت أثرية تاريخية تحكي عبق نشأتها والتي لا تزال شاهدا حيا على تاريخ المنطقة العابق بالعراقة والأصالة والأتفة التي زرعها الأباء والأجداد من سلفنا الصالح رحمة الله عليهم جميعا.

 

 

نبذة عن المساجد وأهميتها

 

تتمتع المساجد بمكانة جد عظيمة فهي من أطهر وأشرف الأماكن التي يلجأ إليها ويشعر كل زائر إليها بالراحة والطمانينة والسكينة، تقوم المساجد بأداء أدوارا جد هامة فهي مخصصة للعبادة بشكل عام منها أداء الصلاة خصوصا، و تساهم في تربية النشئ وتكوين وتأطير الشباب والسعي لنشر العلم والمعرفة، كما تلعب دورا بارزا في نشر ثقافة الوعي، والقيم الفاضلة والدينية بين أبناء أفراد المجتمع الإسلامي برمته، وذلك من خلال تقدير الدروس، والخطب والمواعظ، وتنشيط المحاضرات والندوات والملتقيات في مختلف المجالات والمواضيع، كما تساهم في القضاء على الكثير من السلوكايات المنافية للأخلاق الحميدة ونبذ الآفات الإجتماعية والحفاظ على العادات و التقاليد المتوارثة من جيل أخر على مر العصور، والحفاظ على مصلحة الفرد والمجتمع، كما يتيح الفرصة لتوطيد العلاقات الطيبة في صفوف المسلمين القائمة على الاحترام وزرع قيم المحبة والتسامح.

 

 

ولا ننسى البعد الاجتماعي المتمثل في تقدبم المساعدات للفقراء والمساكين والمحتاجين، لا سيما المرضى وطلبة العلم، وأيضا فتح الباب أمام الجميع لتعليم وحفظ القرآن الكريم، كما يسعى المسجد ولجانه إلى علاج الكثير من المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها سواء السياسية منها أو الإجتماعية وغيرها.

 

 

يحتل الدين الإسلامي المرتبة الثانية بعد الكاثوليكية في فرنسا

 

تحتضن فرنسا عددا كبيرا من المسلمين والمساجد، حيث يمثل الدين الإسلامي الديانة الثانية بعد المسيحية الكاثوليكية الرومانية من حيث عدد السكان، أما من حيث دور العبادة، فتحتل المساجد المرتبة الثالثة بعد الكنائس البروتستانتية

 

 

إلا أن المئذنة أو المنارة أو الصومعة في فرنسا في الوقت الحاضر، فهي غائبة وغير موجودة بحكم المنع، وهي مبنى أو برج مرتفع طويل يكون ملحقا بالمسجد وغرضه إيصال صوت الأذان للمسلمين ودعوتهم للصلاة عصر زمانه بديار الإسلام.

 

مسجد “محمد” صلوات الله عليه هو أول مسجد بني في فرنسا

 

كأنموذج على ذلك فإن أول مسجد بفرنسا، حسب الروايات وأرشيف المكتبة الوطنية بفرنسا هو (مسجد محمد) صلى الله عليه وسلم بأردان.

 

 

فعلى الرغم من التشويه ومحاولة طمس الحقيقية عبر القرون التي خلت، ومحاولة إطفاء نور الله المشع في أرضه، والذي أراد له أن يبزغ من نور الإسلام و على أيدي رجل من أبناء البلد بعد أسره و إعلان إسلامه وإشهاره عن قناعته وبكل أريحية، حسب الوثائق المنشورة، فهو جندي فرنسي عاد من بيت المقدس بعد مشاركته في الحرب الصليبية الثالثة أمام القائد صلاح الدين الأيوبي، ويدعى (بيار سالادان دانغلور).

 

 

“بيار” هو جندي فرنسي شارك في الحملة الصليبية الثالثة أيام صلاح الدين الأيوبي، من عائلة فرنسية أرستقراطية عريقة وراقية تدعى “دانغلور” وبالفرنسية  D’Anglure، خرج بدعوة من البابا “غريغوري الثامن” باسم الحرب المقدسة باتجاه بيت المقدس، ومن سوء حظه أنه وقع أسيرا، ليتم إقتياده إلى القائد العسكري صلاح الدين الأيوبي.

 

 

لكن الجندي الفرنسي تفاجأ بقرار صلاح الدين الأيوبي العفو عنه بعد أن عومل معاملة حسنة، وتمت معالجته من إصابة تعرض لها خلال المعركة، كما تنقل الرواية التاريخية الأكثر تداولا وشهرة واسعة عبر التاريخ. على مدى القرون السالفة.

 

 

وبحسب الوثائق، فإن هذا السبب كان كافيا حتى يقرر الجندي الفرنسي اعتناق الإسلام، ووعَد صلاح الدين ببناء مسجد في فرنسا بملكية أرضه، وتسمية جميع من يولد من سلالته واساط عائلته ومجتمع باسم صلاح الدين.

 

 

وبعد عودته من الحرب الصليبية، شرع “بيار سالادان دانغلور” في بناء مسجد داخل قصر عائلته، وكان ذلك في عام 1200 ميلادية، وأطلق عليه تسمية (مسجد محمد) صلى الله عليه وسلم ، في منطقة “أردان” التي تقع على الحدود الفرنسية مع بلجيكا ولوكسمبورج.

 

 

لكن السلطات قررت عام 1830 تحويله إلى مدرسة، كما قامت بتزوير وثائقه الرسمية التي تؤكد أنه مسجد، وتحويلها إلى وثائق مدرسة، وعملت في الوقت ذاته على نشر الإشاعة في أوساط الفرنسيين، والتي لا زالت موجودة حتى اليوم في كثير من الكتب التاريخية الحديثة والموسوعات العلمية مثل ويكيبيديا.

 

 

ومع ذلك، لم يعد الأمر كافيا بالنسبة للسلطات، فقررت هدم المسجد الذي حولته إلى مدرسة في تاريخ غير معروف، ولم يعد له أثر، اليوم، وبحسب الوثائق فإن الدافع وراء هدم المسجد الوحيد في فرنسا آنذاك طمس ودفن القصة بكل أدلتها، لكن قدرة الله وإرادته حفظت المسجد بالصورة المؤرشفة والموثقة.

 

 

كما تشير الوثائق ذاتها إلى أن الجندي الفرنسي الذي غير إسمه بعد إسلامه وأضاف له إسم صلاح الدين أو  Saladin بالفرنسية بيار سالادان دانغلور، تم تحريفه هو الآخر، إلى سالازان أو Salasin بالفرنسية، حتى كلمة Sarrasin/Sarrazin كانت تعني في اللغة الفرنسية خلال القرون الوسطى حتى القرن السادس عشر مسلم، وأستعمل هذا المصطلح لأول مرة في عام 1551.

 

 

لكن الوثائق والتي تعد جزءا فقط من مخطوطات ملكية أخرى موجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية وكتب التاريخ الفرنسي القديم النادرة وكثير من الأبحاث الأكاديمية، جعلت من قصة الجندي الصليبي الذي أسلم أشهر من أن تمحى من التاريخ، وتؤكد أن أول مسجد بُني في فرنسا كان في عام 1200 ميلادي، ولم يكن مدرسة.

 

 

ومن بين الشواهد التي بقيت كـدليل حي على وجود مسجد مهدوم في منطقة أردان الفرنسية، الشارع المحاذي لقصر الجندي الفرنسي، والذي لا يزال يسمى باسم شارع محمد أو كما يسمى بالفرنسية Rue du Mahomet/ Ardennes Buzancy/ france.

 

 

والملاحظ أن الفرنسيين هم الوحيدون في العالم الذين يسمون رسول الله (محمد صلى الله عليه وسلم) بـ Mahomet بدلا من Mohamed  مثل بقية لغات العالم.                                   

 

يتبع………

التعليقات مغلقة.