المتشرد،،، 

ذ عثمان العمراني

رن جرس الهاتف على الساعة 9 صباح، كنت لا زلت نائما، حيث قضيت الليلة كلها بين نائم و مستيقظ أفكر و أضرب أخماسا في أسداسا، فعامل السن لم يعد يسمح بنوم عميق كما كان سابقا. 

من معي؟ إنها صاحبة المنزل تريد أجرة الكراء الذي مر عليه أكثر من 3 أشهر بدون تأديته. 

إذا لم تأدي لي واجب الكراء فسأضطر لرفع دعوة عليك بالإفراغ.

ليس لي المال لكي أسدد لك الأجرة، وقد طردت من العمل، و ليس لي مكان أذهب إليه. 

و ما شأني أنا، لقد انتظرتك أكثر من 3 أشهر، و أنا نفسي لدي التزامات و مصاريف، آسفة ان أستطيع الصبر أكثر من هذا، فإما أن تأدي لي واجب الكراء، أو سأظطر لرفع دعوة عليك. 

طيب طيب، و أقفلت الهاتف في وجهها، فليس هناك حل،  الإفراغ أو الأداء، ثم أن الحل صعب، صعب جدا، يا إلاهي أين أذهب، ماذا أفعل؟ لم يعد لي من حل، و هذا الصباح و لا زلت لم أشرب قهوتي المعتادة رغم أنني فقدت حاسة الشم و الذوق منذ مدة.

بعد أن طردت من العمل، تراكمت علي كل مشاكل الدنيا، حتى مصاريف السجائر و القهوة مع الأصدقاء تحول لشيئ شبه مستحيل. 

حتى من كنت أعتبرهم أصدقاء، بدأوا يتحاشون اللقاء بي عندما عرفوا أنني فقدت عملي. لم يكلفوا أنفسهم عناء الإتصال بي أو الإستفسار عن حالتي النفسية التي أمر بها. 

الساعة الآن التاسعة، و أنا لا زلت أتقلب في الفراش الذي لم أعد أطيقه، بينما توصلت برسالة نصية على الواتساب، من طرف صاحبة البيت، تخبرني أنها سوف لن تهاتفني مرة أخرى و أنها ستضطر لرفع دعوة لإفراغي. 

قرأت الرسالة بامتعاض، و القيت الهاتف جانبا، فلم يعد الهاتف منبعا لسعادتي، لقد تحول لمصدر لتعاستي بسبب كم الأخبار الرديئة التي أتوصل بها. 

متثاقلا، و الساعة تشير للتاسعة و النصف، توجهت للمرحاض لأغسل وجهي، و عينايا تحيط بهما هالات سوداء من فرط الأرق، بينما شعري المشعت الذي طال بصورة غير معهود، يوحي و كأنني بعثث لتوي من القبر. حالة يرثى لها. 

صباح بئيس على وثر المكالمة الهاتفية، و الرسالة النصية، لترك المنزل الذي لم أعد قادرا على دفع إيجاره. كان أبي دائما ما ينصحني لاقتناء، و لو بيتا من غرفة واحدة حتى لا أتعرض لمثل هذا الموقف الحرج. فبعد أن أترك البيت ليس هناك غير الشارع الفسيح والهواء الطلق و الفضاء اللامتناهي حيث الكل مفتوح على الكل، و الإشتراكية ستكون في أبهى حلتها و أنت تشارك الفئران و الأزبال جغرافيتها.

إحساس فريد، و أنت تفكر أنه بعد قليل ستغادر غرفتك الدافئة و سريرك الذي كنت تنام فيه، و ستترك البيت مرغما بعد أن لم تعد النقود كافية لدفع المستحقات كل شهر. ليتني أنصت لأبي و هو يوصني، لكن الشباب و المال و العمل حينها كان يشكل طبقة ضبابية كثيفة تمنعني من الرؤيا جيدا.

إنها العاشرة صباحا، و أنا لا زلت أحملق في المرآة أمامي، و قد اعتلاها ضباب خفيف يمنع من التحقق جيدا في وجهي الكئيب. فتحت صنبور الماء على آخره ووضعت رأسي تحته لعل الماء ينعشني قليلا، و يمنحني بعض النشاط الذي افتقدته منذ مدة. بقيت هنيهة، و الماء ينزل بشدة مبللا خصلات شعري التي نمت أكثر من اللازم، و أن الذي ما تركت الذهاب للحلاق أكثر من شهر. 

كان الماء يداعبني، و هو الوحيد الذي أحس بي، و أخرجني بعض الوقت من تعاستي التي أعتقد أنها لن تنتهي قريبا، بل بدأت لتوها، لتبدأ مرحلة جديدة من الدخول للعالم السفلي، العالم الشيوعي حيث التشاركية في أبهى صورها.

لم يقطع علي هاته الأحاسيس المهلوسة، إلا عندما رن الهاتف محدثا في جثثي المتثاقلة هزة كهربائية. أغلقت الصنبور و لففت رأسي بفوطة كانت معلقة بعشوائية بجانب المضمضة، و اتجهت نحو الهاتف. 

على الخط كانت حبيبتي. كيف حالك؟ لعلك بخير. كنت في الحمام، سألبس و أخرج لألقاك، أين أنت؟ 

لا لن ألقاك اليوم، فأنا مرتبطة اليوم بموعد مهم، و لا يمكنني أن ألقاك كما كنا متفقين. 

انقطع الخط و أنا أهم بالرد عليها، كما لو أن شريانا من يدي انقطع. غريب أن لا نلتقي كما العادة!

حتى أنت حبيبتي! حتى أنت يا بروتوس؟ ما ذنبي؟ أ يمكن أن أكون السبب في كل و ما سيقع لي؟ لأول مرة أحس بأن للمرارة طعم لاذع، و أنني لن نلتقي كما كنا نفعل بعد العمل مباشرة. دائما بعد العمل، مساءا عند مقهى الفراشة، كنا نلتقي لنبني مستقبلا ورديا جميلا. كان حلمي، و كان حلمها أن تربي قطة في المنزل، قطة بشعر كثيف، و نقتني سيارة و نذهب في رحلة طويلة كل ما سنحت الفرصة.

لكن هذا الصباح، هاته الطريقة التي تكلمت بها معي علامة على شر سيجر معه شىرورا لا متناهية. لم أعر أبدا أي اهتمام للشر، فلم يكن لدي وقت لذلك، و لم أكن أنصت لتلك الحكايات التي يتخلى فيه البطل عن حبيبته، و لا البطلة عن حبيبها. كان أقصى ما أعيشه متابعة فيلم سينمائي لذيذ أندمج فيه ظرفيا، متعاطفا مع البطل أ كان شريرا أو طيبا، ثم أخلد فيه للنوم استعدادا للغد.

العاشرة و النصف، كل شيئ بطيئ و متسارع في نفس الوقت،  بينما تفكيري ذهب بي بعيدا ليعيد تدوير كل ما شاهدته من أفلام البؤس و الشقاء، و المبيت في ناصية شارع أو في زاوية مكان خال، أو حتى قضاء الليل في بيت مهجور أو خربة آيلة للسقوط.

عما قريب، إلا أن تحدث معجزة، سأتحول مرغما لبطل الفضاآت المنفتحة، تماما كما أولئك الأبطال الكثىر الذين يتوسدون الرصيف الرحب و يلتحفون السماء الواسعة. 

التعليقات مغلقة.