أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

أزمة التعليـم أم ازمة الثقـــة، إلى أين؟

جريدة اصوات

تحل السنة الميلادية الجديدة، ومعها تعاد مناقشة مسالة الثقة، أخلاقيات الثقـة وسلوكيات وظـــواهر الثقة على المستوى السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي…الخ.

  

 

فمفهـــوم الثقة يزداد تعقيدا مع تعقد العلاقات المتعددة، وجود الثقـة وعلاقته كمفهوم وسلوك بشبكة معقدة من القيم والأخلاقيات الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى مع مناقشة مفهوم اخلاقيات الثقة أيضا و صناعات جديدة أكثر تقدما، هيمت وتهيمن عليها أزمات صحية زعزعت كيانات مجتمعات العالم باسره ، مع تغلغل عالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي بسلبياتها و إيجلابياتها ، خفيها وظاهرها وعالم الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيدا، مما يتطلب معه إعادة فهم واكتشاف قيم الثقة وأخلاقياتها من أجل أن تتحقق مصالح جميع مكونات المجتمع في عـالم يزداد عولمة أكثر وتعقدا.

 

 

 

  فاذا كانت الثقة كمفهوم وسلوك تحكمه الاخلاق والالتزام وأيضا تفاعلات منغرسة ضمن منظومة تفاعلية  ومستبطنة في عقلية الناس وثقافاتهم، وتستمد أهميتها من عمقها التاريخي من خلال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات التقليدي القديمة وحتى المعاصرة والمعقدة ، فقد كان مفهوم الثقة ولازال وستبقى مع استمرارية العلاقات المتعددة الأبعاد والمرامي مفهوم يرتبط بمدى استيعاب المجتمع لتقاليده، قيمه و ثقافته في صلابتها او هشاشتها، في اتصالها او انفصالها ، أو مدى التـــزام الافـــراد و والجماعات، إما انسجاماً مع ثقـــــافة المجتمع، أو خوفاً من النفي الاجتماعي.

  

 

 كما أنها الثقة كمفهوم وسلوك، هو ركيزة من الركائز الأساسية للتماسك الاجتماعي، قد تعود على الفرد والمجتمع ككل بالإيجاب والاتصال عوض القطيعة والإنفصال.

  

 

 

 إذ أنها – الثقة- تقلل من حدة النزاع، وتمنح الإحساس بالرضا، والناس تمنح الشخص الموثوق فيه مكانة اجتماعية رفيعة وتنظر إليه إنسانًا يغلب مصالح الآخرين والمصالح العامة على مصالحه الخاصة و أميناً على مشكلاتها.

 

 

 

  فأزمة الثقة داخل المجتمع في الحكومات، في الإدارات والمؤسسات، سواء كانت سياسية او نقابية او حتى تجارية تفضي حتما الى توتر العلاقات بجميع اشكالها ،وتأثر على سلوكيات الافراد تجاه الاخرين، والجماعات ضد الأخرى…الخ، مما يؤكد على ان هناك قلق ، توثر ،عدم التجانس الاجتماعي وضيق في المزاج العام ،وبالتالي غياب -التعاقد العرفي حول الثقة – ومنسوبها بين الشغيلة التعليمية والنقابات ككل، مما يفضي الى زيادة العبء على مؤسسات الضبط الاجتماعي كالأمن والقضــاء والادارات الترابية  والتعليم والتربية والتكوين والتجارية والصحية والغــــذائية…الخ. 

الثقة أيــــن؟

 

 

  والبحث عن الثقة هو كلي وجماعي وليس استثنائي، فإذا كانت الثقة هي صورة ذهنية إيجـــابية، لنفترضها انها انطباعات يحملها فرد عن فرد آخر أو جماعة، مؤسسة أو حكومة، سواء كانت هذه التصور او الانطباع الذهني صحيح أم خاطئة. ويمكن أن أعرفها بأنها مرادفة تصورا للمصداقية وجوهرا مدى الثقة في الغير أو مدى ان يكون الغير مصدر ثقة لدى الاخرين.

 

 

  فالتعريف الذي جاء في معجم التعريفات للجرجاني حول الثقة، يِؤكد أن: “الثقـــة: هي التي يعتمد عليها في الأقـــوال والأفعال، على أن المسائل المحسوسة وغير الملموسة هي أساس التعـاقد بين المتعاقدين كتابة أو شفويــاً، كما يحمل بداخله مضامين اجتماعية على الرغم أنه جاء من معجم لغوي، وتكمن أهميته في أنه يرفع مستوى الثقة بضمانات الأفعـــال والأقــــوال“.

  

 

  مما مضى التطرق اليه حول الثقة والأسس التي ينبني عليها المجتمع لضمان الصيرورة والسير العادي للتضامن وتكـــافؤ والعيش المشترك لضمان السلم الاجتماعي، نرى ان المغرب في المرحلة الحالية مع نهاية سنة 2023 وبداية السنة الحــالية 2024 أخطر من أزمة التعــليم وأشد وطأة من النظام الأساسي الجديد”: هي أزمة الثقة وأكثر منها ازمة “التمثيلية” وانعدام الثقة في المؤسسات: أحزاب ونقابات كما جاء في تقارير بحثية واحصائية من طرف مؤسسات وطنية ودولية.

 

 

   يظهر منسوب الثقة ودرجته في الشــد والجذب، ومحاولة كل طرف مجاراة الآخر او سبقه لتزعم الحوار والنقاش مع الحكومة، وبين التنسيقيات والحكومة من جهة والنقابات (الأكثر تمثيلية) وعلاقة النقابات التعليمية الأربعة الأكثر تمثيلية وأخرى غير ذات تمثيلية…ألخ برجال ونساء التعليم أوما يسمى بالتنسيقيات التي تتعدي 24 تنسيقة وجمعية أيضا، بعد رفض الأساتذة مخرجات الحوارات القطاعية التي دارت بين النقـابات وبين الحكومة رفضا قاطعا تناسلت معه الإضرابات.

 

 

  وبعد كل نقاشات نقابية للنقابات الأربع مع اللجنة الوزارية المكلفة بملف قطاع التعليم، نلاحظ خـروج الشغيلة التعليمية عبر لسانها ناطق المسمى “التنسيق الوطني لقطــاع التعليم” لتؤكد رفضها القاطع لكل النقاط المتفق عليها مع النقابات، بحجة أنها “لا تمثلها” و يتم تحصيل حاصل: عدم أهلية الثقــة ، سجب الثقـة وانعدام الثقة  وعدم الاعتراف أو القبول بالمسارات الحــوارية القطاعية ، وقد تأكد أن الأحـزاب والنقابات قد انهارت، ولم يعد لها أية أو وساطة ،مما يشكل خطرا على المسار الديمقراطي الذي اختارته الدولة المغربية .

 

 

 

  فالأزمة التعليمية التي تمر به البلاد، بحكم أن التعليم هو الركيزة الأساسية والعماد الأولي لبناء لنموذج الدولة الإنمائية والنموذج التنموي” قد طال أمده كما زادت نتائجه الوخيمة على المدرسة العمومية والتعليم ككل جراء تعطل القطاع. بكل أمانة والتزام بالمسؤولية الاجتماعية والتربوية؟

 

 

هل استطاعت، وهل لكفاءات ورجالات الدولة نظر تدبير الأزمة الحالية على أسس سليمة وديمقراطية تشاركية، لضمان إصلاح سليم لشان التعليم، المعلم التلميذ والمنهـــاج الدراسي ككل؟

 

 

 

  أيضا هل   لهذه الكفاءات منظور عقلاني مبني على أسس الإصلاح الكلي الصحيح والسلـيم، أم أن هذه الكفاءات لا هم لها سوى مناصبها ومصالحها بإصدار حلول ارتجــالية ترقيعية وغير واقعية، لن تزيد المجتمع المغربي سوى الاحتقان والتأجج، وهذا ما لا يخدم الدولة المغربية العصرانية.

  

 

 

فالتلكؤ والانعراج الذي تبنته اللجنة الوزارية  متعددة أولها أن الوزير أكد على أنه قام بتفعيل مبدأ التشاركية مع النقابات التعليمية، قبل أن تتنصل هذه الأخيرة من مسؤوليتها المتعلقة بإصدار النظام الأساسي الجديد، والإقصاء الأولي الممنهج الذي مارسته الوزارة المعنية بالقطاع بتنحية التنسيقيات، زاد الوضع التعليمي تأزما وممانعة خلق معه قلقا داخل الأوساط الاجتماعية والأسر المغربية حول مصير تعليم أبنائها ومستقبلهم التربوي، مع رفض التنسيقيـات الرجوع إلى المدارس والأقســام لما يقرب من شهرين او اكثر، وهذا يدل على أن النقابات ليست أهلة بثقة الشغيلة التعليمية، وهذا أمر واقعي وصريح ، فقدت وتبقى فاقدة للمصداقية النقابية و مسؤوليتها في الدفاع عن طبقة الشغيلة التعليمية ، وكما تصرح به كل التنسيقيات بكل ربوع المملكة وبمختلف المدن المغربية ، مما اضطر الوزير إلى استدعاء التنسيقيات والجلوس معها لإيجاد حلول للازمة الحالية، الا ان المشكل لازال مستعصيا الى الان ، استدعى معه الامر الى اقتطاعـات تعتبر غير معقولة وغير قــــانونية قطعا.

  

 

 

فتســاقط وانهيار منسوب الثقة بالمغرب في المؤسسات السياسية والمنظمات النقابية للأُجـــــراء، والغـــرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلــــين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتمـــــاعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها قصد النهوض بها وبأحوالها – شغيلة التعليم كمنظومة كلية – الاجتماعية والاقتصادية لإرساء نموذج الدولة الاجتماعية، لضمان حق التمدرس والتعليم، تبعا لاحترام الدستور والقانون، وهذا ما لم يتوفر لذى النقابات كشروط ثقافية ومعرفية نقابية ومبدئية ،حرة نزيهة وجديرة تعبيرا وسلوكا، وهو ما لم يحصل، بل اصبع عـائقا من معيقات المسار والحوار الاجتماعي:           

 

 

“social frustration”   تكمن بعض الملاحظــات حول الأزمة التي يعيش قطاع التعلـيم ويعيش معها المجتمع المغربي ككـل وأزمة مؤسسات دستورية وأزمة العمل النقابي وأزمة الحــــوار، رغم مأسسته، وعدم خروج بلادنا من أزمة قطـــاع يعتبر الهدف الرابع من اهداف التنمية وسوء تدبير منذ عهد بعيد، بل والأهم دعـــوة لخلق التماسك الاجتماعي وإرساء النمــوذج التنموي الذي خطـطت له وتأمله بلادنا ،قصد إرساء نموذج الدولة الاجتماعية ، نموذج الدولة الإنمائية، بدءا من قطاع التعــليم كقاطرة، وفي ذلك تتحمل جميع الأطراف، أي دون استثناء، غياب استحضار كامل للمسؤولية الاجتماعية والأخـــلاقية…الخ، التي لا يمكن التنبــؤ بمخـــاطرها وأزماتها المستقبلية.

التعليقات مغلقة.