أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

جدلية العلاقة بين الدفاع والصحافة

محمد الهيني

عرفت الآونة الأخيرة ظاهرة تعاطي الدفاع مع ملف بوعشرين من زاوية التصريحات الإعلامية بعد رفع الجلسة، نقاشا قانونيا صحيا ووددت بدوري المساهمة في هذا النقاش بصفتي من دفاع ضحايا المتهم. وتتركز النقط المثارة حول المواضيع التالية:

أولا: حول سرية الجلسة ومنافاتها مع التصريحات الإعلامية .. ينطلق البعض من عداء صريح أو ضمني لوسائل الإعلام في توجههم نحو مقاطعة الدفاع أي تصريحات لها، وهذا الاتجاه متجاوز وخارج الأطر الدستورية والقانونية للحق في المعلومة. لكن البعض الآخر يدعو عن حق إلى عقلنة التعاطي مع الموضوع باحترام أطراف الدعوى وتفادي التشهير بهم.

لكن ما يعاب على الاتجاه الثاني أنه لا يميز بين سرية الجلسة وسرية البحث والتحقيق، لأن هناك فرقا وبونا شاسعا بين سرية الجلسة المقصود منها فقط أن تكون خلف أبواب مغلقة، وحصر الحضور في أطرافها فقط، ما لا يمنع قانونا كأصل عام نشر ما يروج فيها، لعدم وجود أي نص يجرم أو يعاقب على ذلك، وسرية البحث والتحقيق، التي تمنع نشر معطياتهما تحت طائلة العقاب الجنائي. كما أنه لا يدخل في خانة التشهير وصف الحالة القانونية كما هي دون زيادة ولا نقصان، لأن التشهير هو نية الإيذاء، وهو يختلف عن الإخبار بالعناصر المادية للجريمة أو ما يثبت قصدها الجنائي.

ثانيا: تفادي التصريحات الجارحة في حق دفاع الخصم، وهذا لعمري من ثوابت أخلاقيات المهنة والزمالة التي لا محيد عنها. لكن هذا لا يعني عدم مناقشة دفاع الخصم مناقشة قانونية وقضائية دون تجريح أو تطاول أو تهكم.

ثالثا: تفادي التصريحات والتعبيرات الدارجة المخلة بالحياء، لاسيما تلك التي تنهل من قاموس “زنقاوي” ينفر منه العامة وتأباه النفوس السليمة. لكن هذا لا يعني تجاوز المصطلحات القانونية، فما دمنا في جريمة أخلاق طبيعي أن تسمى الأمور بمسمياتها، لأنه لا حياء في القانون والقضاء، مادام أن الهدف هو تحقيق العدل ومعرفة الحقيقة، لأن التخفي وراء الأخلاق لطمس الجريمة أو التقليل من خطورتها أو تداعياتها أمر لا يمكن القبول به. ومن المحظور على الدفاع التأسيس لخطاب أخلاقي شكلاني يتنافى مع المهنية والاحترافية المتطلبة في مهنة الدفاع، لأن القانون الجنائي لا يؤمن بالحياء.

رابعا:المس بقرينة البراءة:

قلنا مرارا وتكرارا إن قرينة البراءة لا تهم الطرف المدني ولا دفاعه، لأنهما يؤمنان بقرينة الإدانة وبثبوت الجرم أساس الانتصاب كطرف مدني، فضلا عن أن قرينة البراءة يهم احترامها المؤسسات القضائية وليس الأطراف التي تلزم فقط باحترام كرامة بعضها البعض في إطار القانون والأخلاقيات.

خامسا: تبني قضية الموكل

الدفاع ينوب أو يؤازر وليس مطلوبا منه الحلول محل موكله أو مؤازره وتبني مطالبه أو قضيته بشكل شخصي، وأن يكون لسانه على حساب مبادئ المهنة وأعرافها وأخلاقياتها، ما يسلتزم وضع حدود ومسافة بين الأمرين بشكل يصون المهنية والاحترافية والتجرد ودون السقوط في الحماسة المفرطة أو الكذب وقلب الحقائق الساطعة بشكل مهين ومبتذل أو تسييس القضية أو الدفاع عنها أو عرقلة سير العدالة وإهانة المحكمة أو الزملاء والزميلات.

لكن ذلك لا يعني بالمرة ألا تكون للدفاع آراء سياسية أو قناعات شخصية يحتفظ بها ضمن مقومات تفكيره وتوجهاته.

ما أحوجنا إذن لعمل وتراكم معرفي ومهني وأخلاقي للمؤسسات المهنية في الموضوع، بعيدا عن النقاشات السياسوية الضيقة والفئوية المقيتة وصنع أوهام لواجب التحفظ الإعلامي. ولما لا التفكير في تنظيم ندوة وطنية في الموضوع تضع ضوابط ومعايير إجماعية لكل المختلف فيه، وتجمع المتفق عليه مع المطالبة بإصلاحات قانونية تفي بالغرض وتقطع الجدال لحسم آثار سرية الجلسة ومشمولاتها.

التعليقات مغلقة.