أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

أية علاقة للمدرسة بفعل القراءة؟ تعليقا على فوز مريم أمجون

مصطفى لمودن

لا يسع أي مغربي(ة) سوى أن يفتخر ويهنئ التلميذة مريم أمجون ذات التسع سنوات على نيلها الرتبة الأولى عربيا، في مسابقة “تحدي القراءة”، ومن حقها علينا جميعا أن نحتفي بها، ونكرمها، ونعلي من شأنها أمام كل التلاميذ حتى تكون قدوة في “التحدي”، والإنكباب على المطالعة والقراءة بحب ورغبة..

وقد طفت بالمناسبة أراء مختلفة، خاصة حول دور “النظام التعليمي” المغربي في “تخريج” مثل هذه التلميذة. هل للمدرسة دور في الإعلاء من شأن القراءة؟ هل المقررات التعليمية يمكن أن تساعد على القراءة؟

إذا لم يكن صاحب كل رأي مطلعا، يبقى قولُه مجرد كلام..
إنه ملخص أغلب ما ينشر ويقال عن التعليم الإبتدائي بالخصوص، حيث يُخاض فيه دون علم، وتُعطى عنه تقويمات، بل هناك من يضعون له المقررات والكتب المدرسية دون أن تكون لهم أصلا به علاقة مباشرة.. مما يخلق مشاكل عويصة تهم ديداكتيك المواد الدراسية، والحصص الزمنية المتوفرة لكل مادة، وما مدى مطابقة ذلك للمستوى العمري ولحاجيات المتعلمين. وقد خضت في هذا الموضوع مرارا.

إننا في المدرسة أمام معضلات متشابكة؛ تهم البنية التحتية، والمقررات، والنقص في الطاقم البشري..
وقبل ذلك تعال/ي لمتابعة ما يقدمه مدرس(ة) المستوى 4 أو 5 أو 6 في الابتدائي على سبيل المثال:
المواد الدراسية
————-
ـ القراءة (وهي 3 أنواع قبل حذف رابعة)
ـ التراكيب (النحو)
ـ الصرف والتحويل
ـ الشكل
ـ الإنشاء
ـ الإملاء
ـ التطبيقات (تمارين خاصة )
ـ التربية الإسلامية: تتشكل من ست مواد تتناوب على خمسة أسابيع من خلال أربع حصص أسبوعية، وهي
التزكية (القرآن والعقيدة مجتمعان)
ـ الاقتداء
ـ الاستجابة
ـ القسط
ـ الحكمة
-الإجتماعيات، وتتكون من ثلاث مواد، هي:
ـ التاريخ
ـ الجغرافيا
ـ التربية على المواطنة
ـ ثم يأتي النشاط العلمي
ـ التربية الفنية
ـ التربية البدينة، رغم ما يعتريها من صعوبات التنفيذ!

يكفي الآن، لتستنتج الثقل الحاصل في التعليم الإبتدائي من حيث كثرة المواد وتنوعها بالنسبة لمادة “العربية” فقط، ناهيك عن الفرنسية والرياضيات..

وعليك أن تعلم، أن ذلك الكم الهائل من المواد، يُدرس وفق شبكة زمنية أسبوعية، لكل مادة وقت، يتفاوت بين ثلاثين وخمسة وأربعين دقيقة..
ولتعلم كم يتبقى للقراءة!
علما أن القراءة تنقسم الآن إلى ثلاث أنواع: القراءة الوظيفية، تهم نصا تكون له علاقة بالمحور الدراسي الذي يشمل ثلاثة أسابيع، تقدم خلال حصتين (أتوفر على 30 دقيقة لكل حصة)، وهي في الغالب نص طويل، ومنهجية تدريسه، تتطلب وقتا، من ذلك التقديم والتهييء داخل القسم، أي خلق جو للاستعداد، القراءة الصامتة (…)، قراءة الأستاذ، قراءة التلاميذ، وتصحيح أخطائهم، الشرح، ويتطلب أمرين، شرح الكلمات الصعبة، ووضعها في سياق لغوي ومفاهيمي، كي يفهم المتعملون، شرحها بمرادفات تقترب منها. ثم تقريب المضمون ومناقشته.. ناهيك عما تطلبه المنهجية من تحديد الأفكار الثانوية والفكرة الرئيسية للنص، وما يمكن إضافته حول ظروف النص وعلاقته بموضوع المحور، مع الحديث إذا أمكن عن الكاتب(ة)..
الخلاصة، يستحيل تقديم ذلك خلال الحصة الزمنية المتوفرة، ويستحيل أن يقرأ أكثر من أربعة متعلمين في ظل هذه الظروف.. لهذا مرارا أتحدى واضعي الكتب المدرسية أن يتم تقديم ما وضعوه خلال الحصة الزمنية المخصصة..
ثم نجد “القراءة الأدبية”، وهي غالبا عبارة عن نص شعري، يقدم مرة في الأسبوع، دون الحديث عن صعوبة هذا النص، وأحيانا عدم ملاءمته للمحور، وطوله. وهو يتطلب جهدا خاصا. شخصيا أحبب للمتعلمين ما استطعت النصوص الشعرية، وأحرص على أن أستعرض معهم الجوانب الفنية والدلالية الي يحتويها، وأشجعهم على حفظها لأهمية ذلك على مستوى اكتساب اللغة..
أما النوع الثالث، فيهم “القراءة المسترسلة”، وهي بمثابة نص طويل عابر للمحور، فكرته جميلة، وهي أن يتعود المتعلمون على متابعة قراءة نصوص طويلة. لكن، أحيانا لا تكون مشوقة، ومضمونها يمكن أن يثير نقاشات عن أسباب اختيار تلك النصوص بالضبط.
وهناك “القراءة” السماعية، عبارة عن تسميع نص للمتعلمين، ثم ماقشته، والغرض منها إرهاف السمع، واستخدام ملكة الفهم والتعليق والمناقشة، لكن لم يعد العمل بها، ويتم استغلال الحصة الثالثة في الأسبوع الثالث للقراءة الأدبية..
الخلاصة المرحلية:
—————-
ما يتوفر من زمن خاص بالقراءة غير كاف..
جل النصوص وضعت بشكل اعتباطي..
الكتاب المدرسي المتضمن للقراءة، فيه كذلك كل بقية مواد اللغة العربية، مما يجعله ثقيلا وكبيرا، والنصوص مختبئة بين كم هائل من الأوراق والمناولات التي لا ينجزها أحد لطولها وعدم فعاليتها..
أمام الاكتظاظ والخصاص في الحجر، لا يتوفر فضاء خاصة للأنشطة الجماعية بالمدرسة.
الخلاصة النهائية:
—————–
ـ وفق الظروف التي عليها المدرسة الآن، لا يمكن إنجاز فعل قرائي مناسب؛ هناك مواد كثيرة ضمن مقرر طويل وعريض، تمثل فيه “القراءة” جزء ضئيلا جدا.
ـ القراءة الحق، يجب أن تكون وفق منهجية خاصة، حيث يتم التأكد من قراءة جميع المتواجدين في الفصل، ثم بعد ذلك تذوق النصوص، أي خلق علاقة شغف بها.. وبعد ذلك يأتي فهمها ومناقشتها. وهذا يتطلب على الأقل ساعة من الزمن، ونصوصا مختارة بعناية، تراعي المرحلة العمرية للمتعلمين..
ـ توفير كتاب مدرسي للنصوص القرائية فقط، يتضمن النصوص وبعض الشروحات، وصورا مناسبة، وكتابة بحروف واضحة، ورابط الكتروني يحيل إلى موقع مسؤول فيه المزيد من الشروحات والنصوص المشابهة..
ـ تخصيص نصف يوم في الأسبوع، يكون مخصصا لأنشطة موازية، من ضمنها حصة للقراءة المنظمة والمراقّبة، ثم مناقشة جماعية للمقروء، ثم تدريب على الكتابة على منوال النصوص المقروءة (بشكل تقريبي)، وكذلك عروضا مسرحية وأناشيد وتشكيل وغير ذلك، لرفع الكآبة عن المدرسة..
ـ مد كل مدرسة بمكتبة، وجعلها رهن إشارة المتعلمين والأساتذة خلال نصف أسبوع الأنشطة الموازية، علما أن هذه الحصة تدور على مدى الأسبوع الكامل بالتناوب، وتكون ضمن استعمال الزمن.
ـ تخصيص مسابقات داخل المدارس، وفيما بين المدارس، خاصة بفعل القراءة والكتابة، مع توفير الطاقم البشري لهذه المهمة.
خــــتــاما:
———
لا يمكن حصر النبوغ في فعل القراءة فقط، فعدد من المتعملين ينبغون في مواد أخرى، على المدرسة أن تمنحهم الفرصة، وتنمي فيهم تلك المواهب..
وليس بالضرورة أن نغلق على طفل(ة) الأبواب ليقرأ عشرات الكتب، كي يفوز بجائزة معينة، فكم قاسى ويقاسي أطفال من أجل تحفيظهم أشياء ربما لا يرغبون فيها.
أما مريم أمجون، فقد عبرت عن تحديها الخاص ونبوغها بدعم من أبويها ومدرسيها، لكن في ظل شروط خاصة، لا توفرها المدرسة للجميع. وبالتالي لا يحق لأي كان له علاقة بالتعليم أن يرجع نجاحها للمنظومة التعليمية، التي تتعمد إرهاق المتعملين، وإغراقهم في مقرر ليس بالضرورة كله مفيد، كما أن الدفع للحفظ يسبب لهم مشاكل كثيرة (الامتحانات الإشهادية للسادس نموذجا)..
لم أثر كل الصعوبات التي تعترض التعليم في الإبتدائي، وقد كتبت عن ذلك مرارا.

التعليقات مغلقة.