أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

فاتح ماي، مارك زوغنبرغ والذكاء الاصطناعي

عبد العزيز العبدي

لم يعد فاتح ماي يتطلب الاحتفال، بل التأمل والكثير من الصمت لتدبير مسألة العمل والانتاج بعلاقتهما مع التطورات المتسارعة التي تعرفها البشرية، خاصة على المستوى المعرفي والتكنولوجي والتواصلي.

كانت بداية الاحتفال بهذا اليوم في استراليا وذلك في سنة 1856 حين قرر عمال هذا البلد أن يتوقفوا عن العمل بشكل نهائي للمطالبة بتحسين ظروف العمل، وقد كان هذا اليوم يصادف نهاية السنة المالية حيث تقدم الشركات حساباتها الضريبية، واستحوذ العالم الاشتراكي على الفكرة في بداية القرن العشرين، رغم أن الاحداث التي عرفها هذا اليوم عبر السنين كانت في الدول الرأسمالية أساسا، ومنها ما يسمى الجمعة الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أعدم النقابيون الذين قادوا مسيرة الفاتح من ماي في 1986، ودفنوا في مقبرة والدياهم وكتب على قبر أحد القادة النقابيين الذين أعدموا عبارة شهيرة كان قد قالها: ” سيأتي اليوم الذي سيصير فيه صمتنا أكثر قوة من الأصوات التي تخنقونها الآن” . لقد حان الوقت للصمت ضد فاتح ماي.

ليس لأن الطبقة العاملة المعنية بهذا للاحتفال قد أصبحت قوية، بل لأنها تحللت في الماء مثل للملح، ولن يعود لها وجودا إلا في إسهاماتها التاريخية منذ عصر النهضة الأولى إلى يومنا هذا أو قبله بقليل.

ما لا ينتبه إليه المسؤولين، عن النقابات وعن السياسات العمومية في هذا البلد وفي بلدان متخلفة عديدة، هو التسارع الجنوني الذي يعرفه مجال البيوتويكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو مجال يسير بنا نحو الصمت في فاتح ماي.

لقد نبه المؤرخ الاسرائيلي “يوفان هراري” لهذا الاشكال، وهراري هذا كما عرفه مارك زوغنبرغ صاحب موقع الفايسبوك التواصلي في خرجته المصورة الأخيرة “هو من المؤرخين الذين يكتبون المستقبل لا الماضي” وتتركز أبحاثه كلها حول الانسان والتطور التكنولوجي العصري.

في استشرافه للحياة الاجتماعية في أفق 2030 وهي جد قريبة منا، توقع أن تكون الابحاث والاستكشافات البيوتقنية والتي لها علاقة بالذكاء الاصطناعي قد حققت طفرتها الكبرى، وبدأت نتائجها تظهر من خلال استبدال العمال بروبوتات دقيقة لها من المهارات والتقنيات الرفيعة ما ليس في متناول الانسان العادي، بل الأدهى لها ذكاء اصطناعي يفوق بكثير ما يتوفر لدى الانسان العادي، بالنظر إلى الكم الهائل من المعطيات التي تمتحها من بنوك معلومات هائلة “بيغ داتا” وبفضل خوارزميات دقيقة ومعقدة قادرة على تشبيك معلومات عديدة فيها التقني والنظري والمرتبط بالأحاسيس وغيرها.

ستطرح مشاكل اجتماعية أخرى، وفوارق اجتماعية أخرى.
ستتركز التكنولوجيا ورؤوس الاموال التابعة لها في يد أقلية مسيطرة على العالم برمته، وتنتفي معها الدويلات والحدود والملكيات والقبلية.

ستكون هذه الأقلية هي المسؤولة عن تدبير حياة الأغلبية، عبر توفير سبل الحياة من أكل وشرب وصحة وتمدرس وغيرها، وسيكون ذلك متوفرا، لأن هذه الثورة التكنولوجية ستمكن من مضاعفة موارد الكرة الأرضية، رغم النظرة التشاؤمية التي تسود الآن حول ندرة هذه الموارد.

ستتوفر للجنس البشري امكانية الحياة وتحقيق سبلها عبر الضغط على أزرار الكيبورد الخاص بحواسيبهم فقط، أو لمس شاشات هواتفهم النقالة.

في انتظار ذلك سيموت الكثيرون في عملية انتخاب طبيعية لن تبق سوى على القلة القادرة على التأقلم مع هذه الحياة.
من داخل هذه القلة هناك من سيحتفل بفاتح ماي، ليس ضد استغلالهم، فلن تسنح لهم فرصة أن يكونوا مستغلين، بل سيناضلون ضد لاجدواهم في المجتمع وعدم صلاحيتهم لأي شيء…
قد يبدو هذا السيناريو غريبا وينتمي إلى عالم الخيال، لكن المتعمق فيما تسير إليه التطورات التكنولوجية سيعي أن ذلك اليوم قريب لا ريب فيه….وكل فاتح ماي وأنتم بخير.

التعليقات مغلقة.