عن الأزمة الخليجية المستمرة..

من الواضح ان الازمة الخليجية التي عصفت ببلدان مجلس التعاون الخليجي،وبالخصوص بين القطبين القويين: السعودية و دولة قطر،انها ازمة حادة و منعطف خطير يترجم التغيرات الاقليمية التي تخطط للمنطقة،وانها ليست بحادث عرضي زائل او جزئي.

منذ عدة سنوات و الصراع خفي بين القطبين القويين، واختلافات واضحة بين الدولتين العربيتين الاسلاميتين،وكان يتجلى ذلك من خلال السياسة الخارجية لكل من الدولتين،وبالخصوص تكيفهم  مع التغيرات السياسية التي طرأت على اعلى الهرم السياسي المصري ،بحيت ان لكل دولة من  هذه الدول امبراطورية اعلامية قوية تعمل على تصريف وتمرير  سياستها الداخلية

اذا كانت السعودية تدعم الوهابية ، فان قطر تدعم التوجه الاخواني،وتحتضن جماعة الاخوان، و هو توجه يقربها من تركيا اكثر من السعودية،والسعودية ترى في سقوط مرسي حدث يشفي غليلها وكرهها للاخوان بمنطق عقلي..

لكن المنعطف المهم و القشة التي قسمت ظهر البعير ،هي زيارة الرئيس الامريكي ترامب الى السعودية. و توقيعه صفقة سلاح خيالية،ومطالبته السعودية تعويض ضحايا احداث 11 سبتمبر ، بما ان جنسية اسامة بن لادن سعودي،والا رفع عنها الحماية من العدو المفترض ايران،وتورطها في المنزلق اليمني بما انه يتضمن ملف اسود حول حقوق الانسان،من خلال قتل و تشريد الشعب اليمني.

وقطر ارادت الانفلات من هذه القيود و التبعية المذلة و التغريد خارج السرب فحصل ما حصل،فرض عقوبات من اربع دولة تابعة للقطب السعودي ،و هما اضافة الى السعودية،مصر و البحرين و الامارات.

ويترجم ممانعة قطر للتبعية الامريكية بميولها نحو ايران، و احتضانها للاخوان المسلمين،لانها اكتشفت ان امريكا لا يمكن كسبها كصديق،فحسني مبارك كاقوى حليف لامريكا في المنطقة،سحبت من تحته البساط حينما رأت انه اصبح ليس في مصلحتها التمسك به،فقال قولته الشهيرة”المغطي بامن امريكا عريان”.فامريكا صديقة مصلحتها،واتجهت تركيا ايضا الى روسيا للتسلح بدل امريكا و اوروبا،محاولتا الانفلات ايضا من الناتو العربي الاسلامي الذي بدأت تظهر بوادره بقيادة سعودية.

وسط هذا التجاذب و التقاطب ،تقف الكويت على الحياد،وهذا ما يجب ان تكون،و يبقى السؤال الى اي وقت يبقى الامريكي و الاجنبي هو من يصلح الامور بين بني العرب، امريكا حينما تدخل قريتا تفسدها.وتستغل بترولها و ترهنها اقتصاديا و هو ما حصل في حرب الخليج الثانية.

على الكويتين ان يتسموا بالعقلانية و الهدوء،ويبقوا على حيادهم واعادة تأسيس لفكرة العروبة بمعناها التقدمي ،فكل المحن التي تعانيها العروبة بسبب تدخل الاجنبي.فالارضية الصلبة التي يمكن ان تقوم عليها العروبة هي العداء للاجنبي،عسكريا و اقتصاديا،والتحول من ثقافة الاستهلاك التي ارستها العولمة الى ثقافة الانتاج، و من الريع البيترولي الى الصناعة الوطنية.ودعم الثقافة العربية العلمية لانها، اصبحت في خطر،وفتح هامش واسع للديمقراطية و حقوق الانسان التي تنهل من الثقافة العربية و ليست الليبرالية الانسلاخية،فالديمقراطية التي تعطي للشعوب الحق في الكلمة،ستحصن من الانشقاقات و الانقسامات،لان الشعوب لن ترضى بالتفرقة.وعكس ذلك هو اسقاط قرارات من الاعلى تحمل مزاجية الحكام و حساباتهم الشخصية الداخلية و الخارجية ،وهو ما حصل.

سعيد السعدي

التعليقات مغلقة.