الخَللُ ليس في المِرْآةِ… بصدد لغة التدريس في المدرسة المغربية

صلاح بوسريف


من يتلاعب بالمدرسة؟ من يعبث باستقرارها اللغوي؟ ومن يسعى إلى بلبلة اللسان فيها؟
بين الفينة والأخرى، يأتي مسؤول ليُلْغِي قرارات مسؤول سابق، أو يأتي مجلس، لِيَجُبَّ ما قاله المجلس السابق، وكأن المدرسة ريشةً تلعبُ بها رياح الأمْزِجَة والهوى، وكأنَّ ما يجري من قراراتٍ، غير مبني على أساس، ولا على دراسة، أو لا أفق له، قرارات تُتَّخذ على عَجَل، ولا نعرف ما الذي يمكن أن تُفْضِي إليه من نتائج.

المدرسة، ياهؤلاء، ليست مقررات، وبنايات، ومُدَرِّسِين، ومُذَكِّرات، وتوجيهاتٍ، المدرسة هي مستقبل الأُمَم والشُّعوب، وهي الأجيال التي تُراهِنُ عليها الأمم لتستمر في الحياة، ولتتطوَّر وتتقدم، ولتكون أُمَماً تُضاهي غيرها من الأمم، لا أن يكون الإنسانُ فيها عُرْضَة للتَّجْرِيب، وكأنَّ المدرسة مختبر تجارب، والتلاميذ فيها فئران، نرمي بهم إلى القُمامة، ما إن تفشل التجربة، وتجعل الفئران تَخْتَلّ، ولا تعود صالِحةً حتَّى لتكون فئراناً بالمعنى الذي كانت عليه، قبل أن نُجرِّبَ فيها خَلْطَتَنا التي أوْدَتْ بها إلى التَّلَفِ والخَرابِ.

المدرسة، هي رِهان الأُمَم، وهي ما تبني عليه حساباتها المستقبلية، والجيل الذي يتحمَّل مسؤولية المدرسة، وما يُجْرِيه فيها من إصلاحات، وما يتَّخِذُهُ من قرارات، هي وديعة في يَدِهِ، وهو يُدْرىك أن أي حساب غير دقيق، ولا ينظر إلى الآتي، أو إلى المستقبل، ويكتفي بالراهن، وبألاعيب السياسة التي غالباً ما تُخْطِيء الحساب في مثل هذا الوضع، إذا لم يكُن واعياً بخطر الجَمْرَة التي في يده، وما قد تُشْعِلُه من نارٍ في الحصيد، فهو سيكون مُسْتَهْتِراً بعقل الإنسان، وبمستقبل البلاد، في فكرها، وفي خيالها، وفي هويتها، وانتمائها اللغوي والثقافي والحضاري، لأن خَلْطَ الألْسُن، والاستهتار بلغة التعليم، والنظر إليها كلغة مَيِّتَة جامدة، والحُكْم عليها بالفشل، في مقابل غيرها من اللغات، هو تعبير عن قِصَرِ نظر هؤلاء، وفشلهم في تدبير شأن العقل والخيال، وفي تدبير الفكر والنَّطَر، لأن من يعبث بلسان المدرسة، إنما هو يعبث بعقلها، وفكرها، ووجدانها، ويعبث بأجيال كاملة، يُفْرِغُها من الحِسِّ، أو الشُّعور بالانتماء إلى الوطن، وبواجبه كمواطن، لأنه غير مُتوازِن في لسانه، وفي فكره ووِجْدانه، وهذا لعمري هو أشدُّ الأخطار التي قد تعصف بأُمَّة من الأُمَم، وتضعُها في مَهَبِّ الرِّيح.

إن ما يجري من انتصارٍ للغة الفرنسية دون العربية ودون الإنجليزية في تدريس العلوم، وهي لغة لابُدَّ أن نتعلَّمَها ونعرفها كغيرها من اللُّغات، إنما هو  تعبير عن ازدرائنا لذواتنا، ولقدراتنا على الابتكار، وعلى تحويل العربية إلى لغة للدرس العِلْمِي، مع تقوية اللغات الكونية الأخرى كلغات ضرورية، لكنها ليست هي لغة التدريس، ولغة المدرسة. فإسرائيل، لتقوم ككيان، مهما كان موقفُنا منه، فهي أحْيَتْ اللغة العبرية التي كانت ماتَتْ، وهي مثل اللغة العربية، من نفس سُلالتِها، وجعلتها لغة الخطاب، ولغة السياسة، ولغة الاقنصاد، ولغة هذا الكِيان، الذي لم يفشل في أن يجعل لغة ميِّتَة تعود إلى الحياة، وتصبح هي لغة الفكر، والفن، والأدب، ولغة الترجمة والعلوم، دون تجاهُل اللغات الأخرى التي تفتح المدرسة على الكون، وتفتح الإنسان على باقي الثقافات والحضارات. عندنا، لا نسير بهذا المعنى، ولا نفكر بهذا المعنى، ولا نُخَطِّط بهذا المعنى، بل إننا نزدري وجوهنا ونحن ننظر إليها في المرآة، وكأنها ليست وجوهنا، وندَّعِي أن الخلل في المرآة، وليس فينا نحن، وهذا هو مَطَبُّ فكرنا المُخْتَل، والمليء بالأعطاب.

التعليقات مغلقة.