فرنسا تُجهِض الإنسانية

بقلم : صبرينة مسعودان
ان العالم اليوم بأسره تحت الوضع المهتز الذي ينتظر القطرة التي تفيض الكأس للإنفجار٬ كما هو الحال فإن الإنسانية مبدأ تعايش الناس أجمع فلا لون البشرة نقطة إختلاف ولا الدين. فمن البديهي أن قبل إجتماع إثنين أو ثلاثة تجتمع روحهم و إنسانيتهم بوجه صافٍ نقي لأن إنسانيتهم واحدة مشتركة لا تنتهك أبدًا وهذا هو المبدأ الاساسي للحياة أن يشترك الخلق في كفة واحدة تحت مسمى الإنسانية .
  موجة شرسة عنصرية جديدة تفاقمت لتصبح أزمة عالمية ليس على إثر تصريحات العنصرية لماري لوبان ولا لتصريحات جوليان  أوبرت بل على إثر تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الهجينة والمسيئة للدين الإسلامي و بيانه الواضح حول عدم وقف الرسوم المسيئة لنبي  الأمة محمد (صلى الله عليه و سلم) و إعتبارها حرية تعبير ورأي بالرغم من أن الدين الإسلامي يُعتبر الثاني في فرنسا بحيث يتراوح عدد المسلمين من 5 إلى 6 ملايين مسلم و من المتوقع أن يصلوا الى 13 مليون في السنوات المقبلة  حسب إحصائيات وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن مراكز أبحاث أمريكية. إلا أن هؤلاء المسلمين  وجميع مسلمي العالم قد خاب ظنهم  بشدة بعد تصريحات الرئيس ايمانويل ماكرون المسيئة لعقيدتهم٬ لم يتوقف الأمر هنا فقط بل تفاقم الوضع ليصل إلى موجة عنصرية همجية شنها المسؤولون السياسيون في فرنسا بداية مع تصريح وزير الداخلية جيرالد درمانان حين صرح في إحدى القنوات الفرنسية أنه يشعر بالإستياء والصدمة عندما يجد قسما مخصصا بالمأكولات الحلال في المتاجر . وعلى حسب قوله إن هذا التصرف هو دليل بداية الطائفية  ليصدر بيانا في الأيام الموالية عن نية الحكومة في إغلاق عدد من المساجد و الجمعيات والمنظمات المدنية الإسلامية بالبلاد .
كل ما يتم تصريحه من دعوات عنصرية على لسان مسؤول مخضرم بالدولة أو حتى مدني ما هو إلا صرخة غيظ إتجاه الدين الإسلامي تحت مسمى حرية التعبير و الدعوة لنظام علماني فلو لم يكن كذلك لما لا يتم الإستياء من المسيحيين أو اليهود فهم كذلك بعقائد مختلفة أو هل الأمر متروك للإسلاميين فقط !
العلمانية بحق لا تعطي الأفضلية لا للمسيحية ولا اليهودية ولا حتى الإسلام ! كل ما يسود في النظام الاعلى للدولة العلمانية هو إيديولوجية سير الاقتصاد الوطني الحادة و برنامج دستوري عادل يصنف مواطنيه كبشر سواسية  وليس مسلمين و يهوديين و مسيحيين ! وبالتالي عند هدم جناح مأكولات الحلال التي عكرت من مزاج المسؤول فإن جناح الشيكولاطة و أشجار عيد الميلاد أيضا سيهدم ! هذا هو المنطق لا وجود لعيد شكر ولا عيد فطر ! وعند وجود رسم مسيئ للرسول محمد هناك أيضا رسم مسيئ لعيسى وموسى ! فمن غير المعقول أن يدعو المسيحي أخيه المسلم أن يتقبل الإساءة لنبيه تحت عنوان حرية التعبير وأن يشتعل غيظا عندما يجد رسما مسيئا لنبيه عيسى !
تداعت تصريحات المسؤولين الكبار المثيرة للجدل وإشتعلت خاصة بعد الهجوم  الذي وقع بكنيسة في مدينة نيس الفرنسية منذ يومين بحيث أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص ليخرج الرئيس الفرنسي في لقاء يصف فيه الهجوم بأنه هجوم إرهابي إسلامي مهاجما جميع المسلمين بكلمات حاقدة .
الكل على يقين تام أن المُلام الأول في خلق هاته الفوضى بفرنسا هو خطاب الرئيس و تمسكه الشديد بقراراته و تصريحاته المهاجمة للإسلاميين. فلو لم يكن المرء على دِراية تامة بتاريخ فرنسا الشنيع الذي يُعتبر كمزبلة تاريخ اوروبا لَتَغَاضَى عن الأحداث الاخيرة و إِكتفى بأن الوضع عادي يمكنه الحدوث في أي بلاد بالعالم وهذا هو الأمر بالفعل ! فلِما الرئيس مُصِر على أن المشكلة هي الإسلاميين وليس الحدث الإرهابي !
الجميع يعلم بأن الإرهاب ليس له علاقة مع أية ديانة على الإطلاق ! فَلِكل ديانة أحكامها وشريعتها التي ترفض رفضا قاطعا مثل هاته الأفعال الشنيعة اللاإنسانية ! وبالتالي المشكلة الأساسية ليست في إرتكاب جماعة مسلحة لهجوم طائفي الهدف منه خلق فتنة دينية بل هو فكرة قبول إنسان التعدي على حرية إنسان آخر وزهق روحه تحت عنوان ديني دين حق و دينك دين خرق ! والأدهى من ذلك تعامل اليد العليا مع الأمر بِوضع الإرهابي و الإسلامي في كفة واحدة وتوجيه أصابع الإتهام نحوه كأنه هو المُفتعل وأبناء عقيدته على نفس خطاه !
خلاصة القول أن في كل مجمع مسيحي هناك إرهابي و في كل مجمع يهودي يوجد إرهابي و في كل مجمع إسلامي أيضا هناك إرهابي فلا يجب التعامل مع الارهابي معاملة الجملة بقومه و التعامل معه بشكل ديني بل يجب التعامل معه كإنسان قاتل !
أخيرا كنقطة تفكير حقيقية واقعية عن ما يجري. هل نسي مسؤولي العالم أنهم على حافة الإنهيار نتيجة تداعيات وباء الفيروس التاجي وركزوا على التنابز بالالقاب المسيئة لعقائدهم أو هي مجرد فترة فراغ في الحياة السياسية الدولية التي لم تجد ما يثير قوتها ويدفع عجلاتها نحو الأمام إلا هدم الديانات !؟ أم هي خطة إلهاء عن أمرٍ ما سيسود بالعالم العربي  كتمرير قضية التطبيع مع الكيان المحتل وهضمها وبالتالي خلق ما يلفت الانتباه عن أزمة التطبيع !.

التعليقات مغلقة.