الجسد الأنثوي في الثقافة العربية

إن موضوع الجسد الذي ظل لعدة قرون مسكوتا عنه،أصبح الآن موضوعا ملحا،بل ومهما،ذلك أنه أصبح مطروحا للدراسة في سياق ثقافي وموضوعي،وإذا كان الجسد يدرس في مجال العلوم الطبيعية كموضوع في حد ذاته،فإنه في مجالات العلوم الإنسانية يدرس من منظور ثقافي وفلسفي،ويطرح الجسد كموضوع ثقافي على عدة أصعدة ليبدو الأمر كما لو أننا نعيش-حقا- عصر الجسد أو ليبدو كأن الجسد هو محور يدور حوله شتيت الثقافات المعاصرة ومن ثم فلا غرابة أن يظهر موضوع الجسد موضوع نسوي بالدرجة الأولى في مختلف الثقافات،والتي تشكل الثقافة العربية جزء لا يتجزأ منها حيث يستأثر جسد المرأة باهتمام خاص كموضوع ثقافي،ينعكس على العلاقات العاطفية والزوجية ويصب في النهاية في موضوع المرأة وقضاياها المعاصرة،ورغبتها في إيجاد صنيعة جديدة بينها وبين الرجل تضمن لكل واحد منهما احترام الآخر كذات وجسد،وتحميها من سيطرة الرجل على جسدها،عندئد لا يصبح جسدها نافذة الذات على الآخر بل يصبح لها مقبرة يجسدها الرجل من خلال المسؤولية المنوطة إليه اجتماعيا في الثقافة العربية  التي تنشأ عن كونه الأحق في اختياره لمن تشاركه جسده، وله الحق في فك هذه الشراكة من جهة واحدة وتبقى  هذه الشراكة حبيسة طموح الذات داخل الجسد، أو داخل النوع الواحد.

لو طورنا تفكيرنا في مسألة الشريك، في الثقافة العربية، وأدرنها على نحو أكثر ارتباطا بالجسد الأنثوي لجرنا هذا إلى تفسير بعض العلاقات بين الرجل والجسد الأنثوي(المرأة) حين يتمثل ويتصور النوع الأول لجسد معين لنوع الثاني ويمثله كنموذج متخيل،فهو من ناحية رمزية نكوص جسداني، وتعبير عن حيازة الرجل لجسدها،هذا التصور الذي يحيطه الرجل بحبسها،يجعل المرأة نفسها ما تتقمص تعاليم الصون بأن تصون جسدها وتحجبه قابلة بالتعاليم التي وضعها الرجل الذي يرى في جسدها مكان تناقضات لا منتهى لها، مكان العفة والشهوة، الحجب والسفور، الخطيئة والتوبة، الكمال والنقص، الخطأ والصواب، اللذة والألم، الحرية والعبودية، الأسر والانعتاق، الطهارة والنجس…، بذلك وضع الرجل في الثقافة العربية تعاليم الصون لتأكيد الحيازة والملكية للحد من حرية تصرف المرأة في جسدها للحد من اندفاعات الجسد الأنثوي ورغباته، وذلك يؤدي في نهاية الأمر إلى صراع حول حيازة ،هذا الصون نلحظه عند الطفل أيضا في واقعنا المعيش حيث تتكون لديه الرقابة على جسد أخته الفتاة بمعنى أن يمارس عليها نوعا من الحيازة خوفا من ضياع “الشرف” وتتكون لديه هاته  الصورة انطلاقا من التربية بحيث أنه يرى في الجسد الأنثوي منبع اللأخلاق ويجلب العار،هاته الحيازة نلاحظها في الطفل ،حتى ولو كان أصغر من أخته سنا،فإذا أرادت أن تخرج نجد إلى جانبها طفلا صغيرا يرافقها،هنا تتكون لديه صورة عن الجسد الأنثوي بأنه مكان تناقضات،فيه العار والاحترام،وإذ يلاحظ هذا خاصة في الأوساط التقليدية.

بقلم الباحثة حنان بدري

التعليقات مغلقة.