بوتين ينجح في لعب رقعة شطرنج الأزمة مع أوكرانيا و الغرب تائه في أسلوب الرد فهل تشتعل الرقعة؟

يحمل أغلب الروس الغرب وعلى الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية في الأزمة القائمة حاليا في أوكرانيا، وهو ما اعتبره العديد من المحللين نجاحا للرئيس الروسي “بوتين” في تحقيق أكبر اصطفاف شعبي لفائدة أي أفق ممكن أن تفتح عليه هاته الأزمة.

ربما نكون أمام إعادة كتابة سيناريوهات التاريخ، في إعادة قلب التوازنات بيبن الغرب و الروس، خاصة وأن الأزمة في توقيتها اقترنت مع مرور 30 سنة على انهيار الاتحاد السوفياتي التي كانت أوكرانيا إحدى أركانه الأساسية.

 

فالأزمة الأوكرانية ليست ربين وس و أوكرانيين، بل تتجاوز كل ذلك، فهي أزمة جيوسياسية، يريد من خلالها “بوتين” إيقاف تمدد حلف “الناتو” شرقا وهو ما كشفه “فلاديمير بوتين” من خلال طلب ضمانات نصية على عدم توسع “الناتو” شرقا، وأن يستبعد الحلف الأطلسي “أوكرانيا” من قاموس ضمها للحلف.

 

لماذا أوكرانيا بالذات؟

سؤال يجد إجابته في الموقع الجيواستراتيجي بالنسبة لروسيا، وتزامن حالة  التصعيد هاته مع الذكرى 30 لانهيار الاتحاد السوفياتي التي كانت “أوكرانيا” مع “روسيا البيضاء” إحدى أركانه الأساسية ومن مؤسسيه، وكانت مركزا لثلث الأسلحة النووية السوفياتية حتى حصولها على استقلالها سنة 1991، و يمكن القول مع ما يقر به المحللون أن المشكلة مفصلية و مرتبطة بآثار الحرب الباردة، التي لم يقر فيها الروس بالهزيمة أمام الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتصرف الأمريكيون كأنهم منتصرون في تلك الحرب.

 

و الأكثر من ذلك هو فقدان الروس ثقتهم في الأمريكيين، فهم يقدمون الوعود الشفوية دون الالتزام بها، كما حصل في الوعد بعدم التوسع شرقا، ليضم الحلف الأطلسي دولا عديدة من دول أوروبا الشرقية و تقفز العضوية فيه من من 16 دولة إلى 30، 

الصراع الثاني هو محاولة كل طرف السيطرة على النظام العالمي في حدود معينة، فالولابات المتحدة وبعد أن سيطرت على النظام العالمي الجديد، ووجهته لخدمة مصالحها الاستتراتيجية و الحيوية تجد نفسها اليوم وخلال سنتين امام تحول في منظومة السطوة العالمية، لخروج الروس من سلطة الخضوع إلى سلطة الحضور على صعيد المنظومة الكونية سواء في سوريا أو في بلدان عدة، إضافة إلى التقارب الروسي الصيني الذي ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية خطرا يجب حصاره، وتجلى هذا الصراع من بوابة أوكرانيا بعد الإطاحة بالرئيس “انوكوفيتش” الموالي لبوتين سنة 2014، ويمكن اعتبار هاته السنة مدخلا للأزمة الحالية، خاصة وأن الروس يتهمون الأمريكيين بالضلوع في الأحداث من خلال إدخال مسلحين إلى العاصمة “كييف” ودفع المعارضة إلى خرق الاتفاقات.

 

ضم جزيرة القرم شكل نقطة هامة في الرد الروسي، لأهمية الجزيرة الاستراتيجية لروسيا، وهو الموقف الذي رفع شعبية “بوتين” وسط القوميين الروس، علما أن القرم كانت أرضاً روسية تنازل عنها الزعيم السوفييتي الراحل “نيكيتا خروشوف” سنة 1954 لأوكرانيا.

 

روسيا تريد تحقيق إجماع داخلي على وجاهة خطوات “بوتين” في الأزمة، وهو الأمر الذي نجح فيه “بوتين” لحدود الساعة، إذ يرى غالبية الروس أن بوتين محق في موقفه من أوكرانيا وحلف الناتو والغرب بشكل عام، بحسب تقرير نشرته مجلة “بوليتيكو POLITICO” الأمريكية، وهو ما يقوي موقفه في مواجهة الغرب.

 

روسيا تحمل الغرب مسؤولية التوثر و التصعيد، إذ قال بوتين، الجمعة، إن الولايات المتحدة وحلف الناتو لم يتجاوبا مع المطالب الأمنية الرئيسية لروسيا في المواجهة حول أوكرانيا، لكنه أبدى الاستعداد لمواصلة الحوار.

 

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقال في تصريح نقلته محطات إذاعة روسية: “إذا كان الأمر متوقفاً على روسيا فلن تكون هناك أي حرب. لا نريد حروباً. لكننا لن نسمح أيضاً لأحد بأن يدوس على مصالحنا بفظاظة أو يتجاهلها“.

 

فعلى أية آفاق ستفتح البوابة الأوكرانية، أمام تقاطع مصالح الغرب وروسيا، وهل ستتجه الأحداث إلى التصعيد؟ كل الأجوبة ممكنة، لكن التاريخ والوقائع ترجح فرضية الحل السياسي الذي يراهن عليه “بوتين” أكثر من رهانه على أي شيء آخر.

 

التعليقات مغلقة.