فرنسا: الصراعات السياسية في الانتخابات الرئاسية واللحظات “الهاميلتونية” في الاتحاد الأوروبي!!


مراكش : السعيد الزوزي

على الرغم من أن أداء “ايمانويل ماكرون” كان افضل قليلاً  مما كان متوقعا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يوم الاحد الماضي، إلا أن النتائج لم تكن مفاجأة كبيرة، وستكون الجولة الثانية بين “ماكرون” وزعيمة اليمين المتطرف “مارين لوبان”، تماماً كما كانت قبل خمس سنوات، لكن النتائج أكدت اتجاهين مقلقين في الساحة السياسية الفرنسية كانا واضحين بالفعل، وهما واضحان أيضا إلى حد ما في معظم أنحاء أوروبا القارية.

الأول هو إعادة تنظيم السياسة بعيداً عن خط الصدع بين اليسار و اليمين، إلى الخط الفاصل بين الوسطية “الراديكالية” و “الشعبوية “حيث حصل كل من مرشحي حزب الجمهوريين الاشتراكيين من يسار الوسط ويمين الوسط على اقل من (خمسة في المئة ) من الأصوات، وهي حصة أقل من الأصوات مما حصل عليه أي من هذين الحزبين من قبل.

يرى كل من” ماكرون” و “لوبان” نفسيهما على أنهما ” ما وراء اليسار واليمين”، أي على الرغم من أنهما يريدان من الشعب أن يفكر فيهما على أنهما متضادان، إلا أنهما في الواقع يعكسان بعضهما البعض من وجهة نظر ديمقراطية فان إعادة التنظيم هذه كارثية.

الاتجاه الثاني هو الصعود الذي لا يرحم على ما يبدو لليمين المتطرف في فرنسا، لا يقتصر الأمر على حصول” لوبان” ومنافسها اليميني المتطرف ” ايريك زيمور” على (ثلاثين في المئة) من الأصوات، أكثر من “ماكرون”، إنها أيضا الطريقة التي حدد بها اليمين المتطرف جدول الاعمال في السياسة الفرنسية بشكل عام خلال السنوات الخمس الماضية، كما يتضح من الطريقة التي اعتمد بها حتى مرشحو يمين الوسط مثل “فاليري بيكريس”، خلال الحملة الانتخابية، – استعارات يمينية متطرفة مثل كفكرة – بديل رائع .

ربما كانت المفاجأة الوحيدة في الجولة الأولى هي أن ،” جان لوك ميلينشون”، زعيم حزب اليساري المتطرف، حصل على (اثنان و عشرين في المئة) من الأصوات، ارتفاعا من (عشرين في المئة) في عام 2017 واقل بنسبة ( واحد في المئة) فقط من ” لوبان”، يظهر نجاحه أنه على الرغم من صعود اليمين المتطرف، لا يزال اليسار قويا أيضاً في فرنسا، على الرغم من انحرافه عن الحزب الاشتراكي، الذي حصلت مرشحته، عمدة باريس” ان هيدالغو” ،على أقل من (اثنان في المئة) بعبارة أخرى، اليسار في فرنسا الآن بشكل أساسي متشكك في أوروبا.

في الواقع ،يمكن النظر الى محاولة ” ماكرون” لولاية ثانية على أنها اللحظات الأخيرة من يسار الوسط الفرنسي المؤيد لأوروبا، قد يكون من المفاجىء سماع وصف” ماكرون” ، الذي تعرض للسخرية باعتباره “رئيس الأثرياء” ،بانه يسار الوسط، لكنه كان ذات يوم وزيرا في حكومة ” فرانسوا هولاند” آخر رئيس اشتراكي من خلال النظر الى المسار الأطول لليسار الوسط الفرنسي وعلاقته بالاتحاد الأوروبي يمكننا أن نرى كيف يمثل” ماكرون” نهاية حقبة؟.

عندما تم انتخاب” فرانسوا ميتران” رئيسا لفرنسا في عام 1981وسط ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وعد بالنمو الذي تقوده الدولة باعتباره وسيلة للخروج من المشاكل الاقتصادية في فرنسا، ولكن بعد ذلك بعامين، اجبر على القيام بتغيير جذري في الوقت الذي مارست فيه الأسواق المالية ضغوطا على الفرنك الفرنسي. توصل يسار الوسط في فرنسا إلى استنتاج مفاده أن السياسات الاقتصادية الديمقراطية الاجتماعية لم تعد ممكنة على المستوى الوطني، وكما قال وزير ماليته ” جاك ديلور”، كان أمام فرنسا خيار بين أوروبا والانحدار.

كانت المشكلة في هذه الاستراتيجية المؤيدة لأوروبا دائما هي المانيا، او بالأحرى عدم قدرة فرنسا على اقناع ألمانيا باتباع سياسة اقتصادية يسار الوسط، خاصة بعد إنشاء العملة الأوروبية الموحدة، التي جعلت التفضيلات الألمانية دستورية من خلال الحد من قدرة الحكومات على الاقتراض و الانفاق، بعد أن بدأت أزمة ” اليورو” في عام 2010، حاول” نيكولا ساركوزي” أولا ثم ” هولاند” – وفشلوا – في اقناع ألمانيا بتخفيف القواعد المالية لمنطقة ” اليورو”.

عندما أصبح ” ماكرون” رئيساً في عام 2017، قام بمحاولة أخيرة لإقناع ألمانيا بتقديم تنازلات، واقترح “أوروبا تحمي”،

 

وفيها يتم اصلاح منطقة اليورو لحماية المواطنين من السوق، واجرى إصلاحات صعبة في سوق العمل من أجل الحصول على المصداقية في برلين، ولكن على الرغم من أن الكثيرين شعروا بالفزع من مدى نجاح” لوبان” في انتخابات عام 2017 وادركوا أن ألمانيا بحاجة إلى ” ماكرون” للنجاح، إلا أن المستشارة ” انجيلا ميركل” تجاهلت مقترحاته بشأن زيادة إعادة التوزيع في الاتحاد الأوروبي.

مع ” كوفيد19″ يجادل “المؤيدون لأوروبا” بأن جائحة عام 2020 قد غير قواعد اللعبة على وجه الخصوص، يرون انفراجه في إنشاء صندوق انعاش بقيمة (سبع مائة وخمسين مليار أورو) والذي اطلق عليه البعض، مثل المستشار الألماني، ” اولاف شولتز”،وزير المالية في حكومة” ميركل آنذاك”، لحظة ” هاميلتونية” في الاتحاد الأوروبي، ولكن على الرغم من أن صندوق الانتعاش حد من التأثير الاقتصادي للوباء نفسه، إلا أنه لم يفعل شيئا لتقليل اختلالات الاقتصاد الكلي الموجودة بالفعل داخل منطقة اليورو.

على أي حال، لا يبدو ان هذه التطورات قد أوقفت صعود التشكيك في أوروبا (فرنسا)، وفقا للبيانات الجديدة التي نشرت الأسبوع الماضي، فإن (اثنان وثلاثين في المئة) فقط من الفرنسيين يثقون في الاتحاد الأوروبي، وهو رقم أقل من أي دولة عضو أخرى، في غضون ذلك، تحت ضغط من أقصى اليمين، أعاد ” ماكرون” ابتكار فكرة “أوروبا تحمي” من منظور الحماية الثقافية بدلاً من الحماية الاقتصادية، مكملا رحلته من يسار الوسط إلى يمين الوسط.

التعليقات مغلقة.