العيدية عادة وتقاليد راسخة لدى أبناء الجالية الإسلامية بأرض المهجر بستراسبورغ بفرنسا  

الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون

في الوقت الذي تجبر فيه الغربة الكثير من المهاجرين بأرض المهجر، على ترك طقوسهم الاجتماعية والثقافية الخاصة بالعيدية، والتخلي عنها لإحياء عاداتهم وتقاليدهم في كل مناسبة، تحاول الجالية المغاربية والعربية برمتها (الجزائرية، المغربية, التونسية وغيرهم) بستراسبورغ بفرنسا، استحضار لذة نكهات أعيادهم الدينية والمناسباتية في البلدان المستضيفة لهم بديار الغربة، نكهات تشكل عيدا مصغرا، تعويضا عن حرمانهم من الأفراح الكبيرة. 

 

فلا يمكن أن يمر العيد مرور الكرام بدون إحياء العادات والتقاليد الراسخة في الأعماق والمتوارثة أبا عن جد، ومن جيل لجيل. ولا يقتصر حضور طقوس العيد للجالية بستراسبورغ، على إقامة الشعائر الدينية من فضل العشرة من ذي الحجة، وصوم يوم عرفة، وإخراج الصدقات، ونحر الأضحيات لأفراح العيد، بل تمتد لتوفير واقتناء الأزياء والمستلزمات الشعبية من حنة للزينة وكحل وعطور وبخور وسواك وثياب خاصة كالعباءة والعمامة للشيوخ، ناهيك عن إعداد الموائد بتشكيلة مكسرات وحلويات وكعك مرفقة بالعصائر والمشروبات، ولمن يملك القدرة المالية ويحظى بالعطلة القيام بالرحلات، لزيارة الأصدقاء المقيمين بالجوار وبالمدن الأخرى في باقي الدول والمرضى والعجزة، دون نسيان موتانا بالمقابر رحمهم الله. 

العيد بالفرحتين: 

فرحة الكبار بالعيد، والأطفال الصغار بالعيدية؛ ولكل فرحته الخاصة ونشوته بها، ولكل حلمه في استلامها. 

العيدية هدية العيد التاريخية، عادة إسلامية، ثقافية، اجتماعية لم تفقد بريقها اللامع منذ القدم من سالف العصور وصولا حتى يومنا هذا، فلا توقف ولا انقطاع، و التشبث بها والمحافظة عليها بكل المقاييس والمعاير على اختلاف الأمكنة والأزمنة. 

العيدية ليست فرضا ولا سنة إنما هي عرف عائلي اجتماعي ساد بين جموع الناس، والعيدية ليست بصورة واحدة في كل المجتمعات، بل لها صور عديدة وطقوس مختلفة، تختلف من حيث البساطة والغلو فيها من بلد إلى أخر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر. 

العيدية وما أدراك ما العيدية اسم وفرحة وسعادة منتظرة، هي عادة سنوية عبر الأقطار الإسلامية والعربية عامة، وفي المغرب العربي، خصوصا المغرب، الجزائر، تونس وليبيا وغيرهم من البلدان، والتي انتقلت ورحلت معهم في حلهم وترحالهم أينما نزلوا واستقروا، ومن بين المدن والدول التي لم تنقطع بها هاته العادة الأسرية الاجتماعية بين الأهالي والأسر مدينة ستراسبورغ بفرنسا، بالألزاس، بنهر الراين، خصوصا لأبناء الجالية عموما، والمغاربية خصوصا، وتكون العيدية في غالب الأحيان عبارة عن نقود وحلوى وبالونات أو هدية وغيرها، كل حسب قدرته المادية وحالته المالية والاقتصادية والتي تعطى للأطفال الصغار في صبيحة يوم العيد المبارك خصوصا، وباقي أيامه، وأيضا كذلك للأحبة لمن لم يتمكن من توفير الأضحية لأطفاله، وتعود عادة العيدية إلى قرون قديمة خلت وإلى سنين خلت، منذ أن وعينا وحاضرناها وعشناها واستمتعنا بعطاياها في كل عيد فرحم الله سلفنا. 

وللعيدية تاريخ طويل على مر العصور منذ قرون خلت حسب روايات التاريخ

العيدية باتت عادة من العادات والتقاليد الموارتة عن كابر، أبا عن جد، ومن جيل لجيل، عادة من الموروث الشعبي الثقافي الاجتماعي الذي لا يفرط فيها، ولا يستغنى عنها، تحت أي ظرف من الظروف. 

تعتبر العيدية أحد أهم تلك الطقوس من العادات والتقاليد المتداولة، كما تعتبر أساسا مصدرا للسعادة وإدخال البهجة والسرور على مستلميها من الأطفال، وتختلف طريقة وقت ومكان تقديمها، ومدى قيمتها من بلد إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى؛ وهي كلمة مشتقة في الأصل من كلمة عيد، ومن العوائد، والعائد، ما يعود بالنفع والخير واليمن والبركات على المجتمعات في وقتها. 

العيدية هي الفرحة المنتظرة من أجمل مظاهر العيد التي يفرح بها الأطفال ساعتها ويضعون لها أهمية كبيرة وتصور حسب توقعاتهم لما سوف يحصلون عليه كمبلغ مالي، ونوع الهدية التي سيحضون بها، ويخططون فيما يجب إنفاقه، وما يمكن شراؤه بها بعد العيد، أو ادخاره في دفاتر توفيرهم كما هو الحال للعديد. 

فالنسبة لهم هذه المنحة القيمة من الأهل خاصة، والأقارب والجيران عامة، من الأيادي الدافئة التي لا تقدر بثمن، فهي نوع من مشاركة الكبار لفرحة صغارهم يوم العيد وتجسيد مادي للحب والعاطفة التي تربطهم ببعضهم والمودة التي تحفهم، كما تعلهم منذ الصغر حب الخير والعطاء والتصدق والإهداء للغير بالجود والكرم على خطى الآباء والسلف رحمهم الله. 

تمنح العيدية للأطفال بشكل خاص، من الآباء والأمهات والأجداد والأشقاء الأكبر سنا، وبقية أفراد العائلة والأقارب، وأيضاً من الجيران والأصدقاء، حسب مقدرة كل شخص من الناحية المالية والمادية، وما تجود به يده في مثل هذه المناسبات السعيدة. 

وكما هو الحال والحفاظ على عادة العيدية في الدول العربية عامة والمغاربية، فأبناء الجالية لا يستغنون عنها بأرض المهجر بديار الغربة بستراسبورغ فرنسا. 

لكن هذا العام خصوصا عادت العيدية وفرحة الأطفال بها بعودة الحياة العامة الطبيعية على سابق عهدها بعد السماح للمساجد بفتح أبوابها للمسلمين لأداء شعائرهم الدينية وطقوسهم المعتادة، والتي سبق لهم ان حرموا منها في العامين الماضيين تخت تأثيرات ظروف كورونا، نتيجة الحظر الصحي والتباعد الاجتماعي، مما قلل الزيارات، وغير عادات اللقاءات العائلة، وحرم الكثير منها، بالإضافة إلى تراجع الأحوال الاقتصادية بسبب التوقف عن العمل، وتسريح العمال، وغلق المؤسسات إلخ….، مما جعل البعض يحاول التهرب من إعطاء العيدية والتحجج بحجج مختلفة مختلقا الأعذار والأسباب، صراحة فأحوال الناس أصبحت جد صعبة لا تطاق ولا تحتمل، كان الله في عونهم. 

فعلى الرغم من أن الجيل الثاني بأرض المهجر تأثر وتاه بين الاندماج والحرص على التقاليد، إلا أن الجيل الثالث تاه بعض الشيء، إلا ما رحم ربي، وظل يعاني من عديد الأزمات النفسية والسيوسيو اجتماعية، ودخل في صراع ونزاع مع النفس، وذلك بسبب أزمة هوية وقومية ومدى ارتباطهم بالوطن الأم، وجذوره الضاربة في أعمال المجتمع برمته.

إلا أنه والشهادة لم يحد ولم يزغ عنها وظل محافظا متمسكا بأصالته وهويته وتاريخه الثقافي وعاداته وتقاليده، والافتخار بها أيما افتخار، ولا يفرط فيها، لكن بطريقته الخاصة ورؤيته المختارة لنفسه ولبيئته ولمحيطه الذي يعيش فيه وترعرع في وسطه. 

فمبروك للجميع عيديتهم وفرحتهم، وعيد سعيد للجميع، كل عام والجميع بخير صحة وعافية أعاده الله بالخير واليمن والبركات. 

التعليقات مغلقة.