الملتقى البرلماني الرابع للجهات يعتبر التعاقد آلية أساسية لتنفيذ البرامج المتعلقة بالتنمية الترابية

فخاري نور الدين

شدد الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، السيد يونس بن عكي، اليوم الأربعاء بالرباط، أن التعاقد آلية أساسية لتنفيذ البرامج ومخططات العمل المتعلقة بالتنمية الترابية، وأداة لإقامة مشاريع الشراكة والتعاون المجسدة لمبدأ التضامن.

وأوضح السيد بن عكي، في مداخلة له ضمن الجلسة الافتتاحية لأشغال الملتقى البرلماني الرابع للجهات، الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد الساس، أن عملية التعاقد بين الدولة والجماعات الترابية من أجل تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية على المستوى الجهوي تندرج ضمن دينامية تنزيل مبادئ الحكامة الجيدة المنصوص عليها في دستور المملكة.

وأوضح أن آلية التعاقد بين الجهة وشركائها تغطي العديد من القطاعات والفاعلين، حيث تشكل أرضية تتجسد من خلالها الالتقائية ومبادئ العمل المشترك بين الفاعلين في مختلف المستويات على الصعيد الترابي.

وأبرز الأمين العام للمجلس بأن قراءة مقتضيات القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية تبين أن التعاقد هو أداة أساسية لإقامة مشاريع الشراكة والتعاون المجسدة لمبدأ التضامن كما أن الجماعات الترابية المحلية تلجأ إلى نمط التعاقد لكونه يشكل دعامة لتمويل المشاريع التي لا تقع ضمن مجال اختصاصها عندما يتبين أنها تساهم في تنمية مجالها الترابي، كما يمكن للجماعات إبرام شراكات فيما بينها أو مع جماعات ترابية أخرى أو مع هيئات أخرى، من خلال اتفاقيات للتعاون أو الشراكة لإنجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة، مضيفا أن الإصلاحات التي تم إطلاقها فيما يتعلق بورش الجهوية تشكل تقدما ملموسا، مبرزا أنها تعكس إرادة السلطات العمومية في تمكين المملكة من تنظيم ترابي قادر على رفع التحديات الجديدة التي تطرحها تنمية المجالات الترابية، وعلى الاستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين.

وأوضح أنه، وعلى الرغم من أن هذه الإصلاحات أفضت إلى وضع ترسانة تشريعية وتنظيمية هامة، فقد ولدت أيضا تعدد الفاعلين والهيئات المتدخلة على مستويات ونطاقات مختلفة على الصعيد الترابي، معتبرا أن هذا الأمر أفرز أوجه قصور على مستوى تملك وتنزيل وتفعيل آليات الشراكة والتنسيق ترابيا.

وشدد السيد “بن عكي” على أنه إذا كانت المقاربة القائمة على التعاقد، التي تعد نمطا جديدا للحكامة، تنطوي على العديد من المزايا، فهي تقتضي التحلي بصرامة كبيرة من الأطراف المتعاقدة.

وفي سياق آخر، أشار السيد “بن عكي” إلى أن نمط التعاقد بين الدولة والجهة أو الجماعات الترابية الأخرى والقطاع الخاص لم يشهد بعد التطور المنشود، على الرغم من أن القوانين التنظيمية ذات الصلة قد أدرجت أنماط تدبير جديدة بين مختلف الشركاء، مبرزاأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوصي بوضع إطار مؤسساتي لتدبير مقاربة التعاقد التي نصت عليها القوانين التنظيمية، إذ يوضح الشروطَ والإجراءات والكيفيات التي يتعين احترامُها في تدبير مسلسل الحوار والتشاور بين الأطراف المعنية، بدءاً من مرحلة التحضير ووُصُولاً إلى غايةِ التنفيذِ والتتبع والتقييم، كما يوصي بربط نقل الاختصاصات إلى الجهات وفق معايير موضوعية ودقيقة، وباعتماد شراكة بين الدولة والجهات، لا سيما تلك التي تتوفر على مؤهلات اقتصادية وصناعية مهمة، على أن تضطلع الدولة في هذه الشراكة بدور ريادي لتنمية ثقافة “الذكاء الاقتصادي الجهوي”، وذلك من خلال تعبئة الكفاءات الجهوية، وتطوير استراتيجية تروم إحداث أقطاب للتنافسية على المستوى الدولي.

ودعا في هذا السياق إلى اعتماد مخطط للتحول التنظيمي يواكب تفعيلَ المرسوم بمثابة ميثاقٍ وطني للاتمركز الإداري، وذلك بهدف تحسين قدرات الفاعلين وتيسير تَمَلُّكِهم للتغيير؛ وتفعيل آليات التتبع والتقييم المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وذلك من خلال إبرام برامجَ تعاقدية بين الدولة والجماعات الترابية والتي تهم الإرساءَ التدريجي لمنظومات المراقبة والافتحاص الداخلي والشفافية ونشر الحصيلة السنوية للتدبير؛ فضلا عن العمل على تقييـم مجمـوع الممارسـات فـي مجـال الشـراكة والتعـاون الجـاري بهـا العمـل، وذلك مـن أجـل تحديد نقـاط قوتهـا ومواطـن ضعفهـا، واسـتقاء الـدروس مـن هـذه التجارب، ورصد الممارساتِ الجيـدة فـي هـذا الإطار.

من جهتها أبرزت رئيسة جمعية جهات المغرب، السيدة امباركة بوعيدة، أن الجمعية  وشركائها المؤسساتيين جعلوا من مفهوم “التعاقد الترابي” أحد التحديات والمسارات الكبرى لخارطة الطريق المتعلقة بتنزيل الإطار التوجيهي لتدقيق اختصاصات الجهات، التي صادقت عليها لجنة القيادة الاستراتيجية، مؤكدة أنها كانت ثمرة منهجية تشاركية بين الفاعلين المؤسساتيين المعنيين حيث جعلت من تدقيق المفاهيم وتحديد الوسائل المتعلقة بممارسة الاختصاصات مدخلا أساسيا للمرور إلى مرحلة التفعيل.

وأوضحت “السيدة بوعيدة” أن التعاقد هو أحد المفاهيم الرئيسية التي ترهن التفعيل الجيد لممارسة اختصاصات الجهة التي يجب تدقيقها، معتبرة أنه لا يمكن اختزال التعاقد في مجرد أداة قانونية تقليدية لمأسسة العلاقات الي سنة 2025، وأبرزت أن المؤتمر قدم، في هذا الإطار دعمه لتقوية الاستقلالية المحلية والجهوية والنهوض بمشاركة المواطنين على المستوى المحلي والجهوي في المملكة، مشددا على أن “تجربتنا والمناقشات التي خضناها في هذا الملتقى كشفت أن التحديات متشابهة في كل البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط بضفتيه، ويعكس الملتقى البرلماني السنوي للجهات المنظم بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والاقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجلس الجماعات، الأهمية التي يوليها مجلس المستشارين انطلاقا من مكانته الدستورية وبالنظر إلى تركيبته المتنوعة ووظائفه، لموضوع الجهوية المتقدمة، وانشغاله، في كل واجهات العمل البرلماني، بتطوير منظومة الحكامة الترابية وتوسيع مجال مشاركة المواطنات والمواطنين في مسلسل تدبير الشأن المحلي كما ينسجم تنظيم الملتقى وسعي المجلس لفتح المجال أمام ظهور نخب جهوية جديدة قادرة على مجابهة تحديات الجهوية والتجاوب مع انشغالات المواطنين وهواجسهم الأساسية وطموحاتهم المشروعة في مزيد من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية خاصة في ظل سياق وطني ودولي يفرز باستمرار عددا من الصعوبات والإكراهات ذات تأثير سلبي على المجهود التنموي الذي تقوم به الدولة وسائر المتدخلين.

وبعد أن انكبت الدورات الثلاث السابقة للملتقى على قضايا محورية في مسار تنزيل الجهوية المتقدمة، من قبيل برمجة التنمية الجهوية وبلورة التصاميم الجهوية لإعداد التراب والهيكلة الإدارية لمجالس الجهات ورهان تعزيز أسباب استقطابها للكفاءات وتمويل الجهة والديمقراطية التشاركية والحكامة الجهوية في ارتباط برهانات اللاتمركز، بالإضافة إلى مسألة تدقيق الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، ارتأى المجلس وشركاؤه أن يجعلوا موضوع التعاقد بين الدولة و الجهات وفيما بين الجهات وفيما بينها وبين باقي الجماعات الترابية من زاوية المأسسة محورا للملتقى البرلماني الرابع للجهات في سياق السعي إلى تجاوز الصيغ الحالية للتعاقد والتي تولد عنها تضخم الاتفاقيات القطاعية وتعدد الشراكات في غياب إطار معياري مرجعي.

التعليقات مغلقة.