دور القاضي في تفسير النصوص التشريعية

كثيراً من الناس تتكلم عن القاضي ودوره في المحكمة والأعمال التي يقوم بها على أنها أعمال سهلة تدور فقط على إخراج النص القانوني المناسب للقضية الواقعة بين يديه ويطبقه عليها، ولكن في الحقيقة عمل القاضي صعبٌ للغاية لأنه يحاول أن يطبق العدالة في المجتمع، وأن يصدر قرار بناء على أٌسس وأدلة كي يَنصُر المظلوم ويُحاسب المُجرم.

 

ما هو تفسير النص القانوني؟ ما هي الخطوات التي يتخذها القاضي في إصدار القرار في حالة عدم وجود نص قانوني يتكلم عن عمل أو حالة معينة؟ وما هي الشروط الذي وجب على القاضي أن يراعيها أو يقوم بها في حالة تفسيره؟ كل هذه الاسئلة سوف نجيب عنها في هذا المقال.

 

المقصود بعملية تفسير النص القانوني:

هي عبارة عن توضيح المعاني والأحكام الذي يقصدها المشرع (الشخص الذي يضع القوانين) من النصوص، وبيان المعاني المستفادة من النصوص، حيث أن الأشخاص القانونيين يطبقون ما يقصده المشرع من النص وما هو فحوى النص (المعنى المستفاد) وأنهم لا يطبقونه حرفياً بل أن يأخذوا فحواه على القضايا الموجودة لديهم.

 

الخطوات التي يتبعها القاضي في الوصول إلى القرار الصائب:

أولا: عندما تكون بيد القاضي قضية معينة يقوم القاضي بالبحث عن نص قانوني يُلائِم ويتحدث عن تلك القضية في التشريع المطبق في تلك البلاد (الدستور أو القوانين الوضعية (العادية) فإذا وجد القاضي نص يُلائِم تلك القضية يقوم بتطبيق فحواه، حيث يكون النص في بعض الأحيان مقترنا بنص آخر يشرح ويوضح ما المقصود منه، وأن وجود النص يلزم القاضي الأخذ به، ولا يجوز للقاضي أن يجتهد من تلقاء نفسه في هذه الحالة تطبيقاً لقاعدة: لا اجتهاد في مورد النص، فإن لم يجد، يبحث مجدداً لإيجاد نص قانوني يتحدث عن قضية مشابهة يقوم القاضي بأخذ فحواها ويقوم بالتعديل عليها بما يتناسب مع وقائع القضية الموجودة لديه.

 

ثانياً: في حالة عدم وجود نص يُلائِم تلك القضية يتوجه القاضي إلى العُرف السائد في البلاد، فينظر في العرف ويبحث فيه محاولاً إيجاد ما إذا العرف نظم تلك الأعمال أم لا، فالعرف لا يؤخذ به إلا في حالة غياب النص القانوني.

 

ثالثا ً: فإذا لم يجد في العرف يتوجه القاضي الأحكام القضائية (أحكام المحاكم)، فينظر إلى تلك الأحكام ويحاول إيجاد قضية مشابهة حيث يأخذ الحكم الصادر لها ويقوم بتعديله، بما يتناسب مع وقائع القضية لديه، وهي غير ملزمة للقاضي حيث يمكنه أن يأخذ بها أم ولا (حسب النظام اللاتيني وهو المطبق في فلسطين)، عكس النظام الأنجِلسكسوني الذي يعتبر الأحكام القضائية ملزمة للقاضي.

رابعاً: إذا لم يجد القاضي في الأحكام القضائية ما يناسب الواقعة بين يديه فيمكن للقاضي أن يتوجه إلى تشريعات ودساتير وقوانين العادية للدول الأُخرى، حيث يمكن للقاضي أن يتوجه إلى تشريعات الدول الأخرى وينظر إليها محاولاً إيجاد حكم للقضية التي لديه، أو إيجاد واقعة مشابهة لديها حكم فيأخذ بها ويقوم بتعديلها بما يتناسب مع القضية.

 

خامساً: فإذا لم يجد في التشريعات الأخرى ما يجيب، يقوم القاضي بالاجتهاد بنفسه لإصدار قرار وحكم مناسب، عندما يقوم القاضي بالاجتهاد، فإن اجتهاده ملزم له بينما يكون غير ملزم للمحاكم الأخرى (يمكن أن يأخذوا بها أم لا)، ولا يستطيع القاضي أن يتخلف عن القضية وعدم إصداره للحكم فيها، حيث وجب عليه إصدار حكم بكل قضية موجهة إليه.

 

شروط يجب على القاضي مراعاتها في حالة التفسير:

يجب أن يكون النص القانوني في هذه الحالة يحتمل التأويل (فضفاض) يمكن أن يُفهم منه أكثر من معنى، حيث أن المشرع لم يشرح ما هو المستفاد من ذلك النص، ويأخذ القاضي بالمعنى الذي فهمه من النص ويطبقه على تلك القضية.

 

في حالة إيجاده لحكم معين لتلك القضية من طرق أخرى (تشريعات الدول الأخرى، الأعراف، أحكام المحاكم) وجب على القاضي أن يُبين في تعليله أسباب تفسيره للنص والأدلة التي استخدمها لإصدار ذلك القرار. 

كما رأيت عزيزي القارئ أن عمل القاضي ليس بِهين ولا ببسيط، حيث يقوم بدراسة وقائع تلك القضية ودراسة النصوص القانونية والأخذ بالمعنى الذي فهمه فإن لم يجد نص يتحدث عنها يلجأ إلى وسائل أخرى لاستخراج حكم مناسب لها، حيث يقوم القاضي أيضاً بأخذ مدة مناسبة للقيام بتلك الأعمال حتى يستطيع أن يطبق العدالة بحذافيرها على كل القضايا التي بين يديه والتي ستُصبح بين يديه في المستقبل.

والله والي التوفيق .

 

نبذة مختصرة حول الكاتب: 

مراد  علوي ـ  MOURAD ALLIOUI 

  • طالب باحث في العلوم السياسية و القانون الدستوري  ـ برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط.
  • رئيس نادي أطلس أولماس للبادمنتون (التنس الريشة).

 

التعليقات مغلقة.