تازة: ذاكرة الفعل الدرامي ضمن أيام “تازة الثقافية الربيعية” لهذه السنة

عبد السلام انويكًة

ضمن فعاليات أيام “تازة الثقافية الربيعية” التي توجد على ايقاعها المدينة منذ 18 أبريل والى غاية 18 ماي الجاري، تلك التي يؤثثها عدد من المبدعين والفنانين والمهتمين والأدباء والجمعويين وغيرهم هنا وهناك من فضاءات المدينة.

 

وضمن أنشطة ابداعية عدة مفتوحة حول التراث المادي واللامادي عبر معارض ولقاءات وقراءات وتوقيعات وورشات تربوية تهم أفق حفظ وحماية الموروث التراثي الوطني، الى جانب مساحة زيارات ميدانية استطلاعية تعريفية بجملة مواقع أثرية تاريخية محلية.

 

ضمن هذا الأثاث الثقافي حضر “هائم” المدينة وذاكرتها المسرحية من خلال نص سيرة ذاتية “بالأبيض والأسود”، صدرت مؤخرا ضمن طبعة أولى بحوالي ثلاثمائة صفحة.

 

نص بقدر ما يحيل على زمن مسرح وفترة ذهبية، بقدر ما جمع بين مسار تجربة ممثل تازي مقتدر وفعل على امتداد نصف قرن من الدراما المغربية، وبين بوح استُهل بحديث عن جدل تيه أيام فضلا عن تهافت وتخبط وخيال واستقواء في جذبة مجرد وهْمٍ لا غير.

 

زمن ارتآه الفنان “نور الدين بن كيران”، ابن تازة البار، هيهات ليس إلا بين أمس ويوم، وكذا صرخات وأحوال وبدايات وفصول ومساحة خرجات وحنين وغربة، وزقاقات وجرح وخيبات ضن ومضْيِ ولون ورقص على شوك.

 

كل هذا وذاك من المشهد والمشاهد هي سيرة ذات فنان مسرحي سينمائي مغربي تازي شامخ، سيرة بنبض هوية ارتأى هذا “الهائم” دوما لسفريتها وعودها ودليل مقامها لغز غربةٍ وشوق.

 

هكذا تبسط سيرة ذاتِ الفنان “نور الدين بنكيران” لتشعب وشجون تجربة، وفي بسطه يحضر قمر وقصة خيوط دخان وموج بحر ومولد حلم ونشأة وفعل ومنعطفات وشدو ونَزْل.

 

ولعل الفنان والممثل العصامي “نور الدين بنكيران” الذي ارتأت المديرية الاقليمية للثقافة بتازة إلا أن تحتفي بإنجازه الرمزي وتأثيث احتفاء في مستوى مقامه ومساره وتجربته الدرامية، تثمينا منها لمقام ممثل شامخ وحضنا منها أيضا لاسم من أسماء دراما تازة والمغرب والذي يستحق كل التفات ووقفة تأمل.

 

هو مَعْلمَة وعلامة فنية في سماء مسرح المغرب وواحدا من أعلام مجال تبلورت على ايقاع نصف قرن من التفاعل.

 

اسم فسيفسائي بكل ما في القصة من معنى، لِما يتملكه من طاقة فعلٍ درامي وإرادة وعزيمة قل نظيرها، ظهرت جلية فيما أسندت له من مهمات وأدوار ضمن أعمال تلفزيونية وسينمائية عدة مغربية وعربية رفيعة، لعلها وغيرها سُبلا وتدافعات شكلت مجتمعة روافد مدرسة فنية حقيقية قائمة، جعلته بما هو عليه من تجربة وخبرة وموقع فني وكاريزما مشهود له بها.

 

يذكر أن آخر نصوص الممثل والمخرج والكاتب “نور الدين بنكيران” السينمائية، ذلك الموسوم ب “الهايم” وهو عمل درامي كان هو مخرجه ومؤلف نصه الذي جمع بين جدل نسيان وتناسي وانسان وانسانية.

 

عمل درامي توزعت مشاهده على مواقع أطلس تازة حيث ما هو أدغال وعلو وجبل وثلج وشلال وأودية، ناهيك عن عمران بيئة محيط أصيل كما قصبة امسون.

 

“الهايم” الذي كان بأثاث طاقات سينمائية أدهشت ما أدهشت في عرض افتتاحي أول له ذات يوم في احدى دورات مهرجان سينما الهواء الطلق الأخيرة بتازة، ذلك التقليد الذي ينظمه نادي المسرح والسينما ودأب عليه جمهور المدينة ربيع كل سنة منذ عدة سنوات.

 

دورة مهرجان وعرض أول افتتاحي لشريط “الهايم”، كانت قد حضرته وأشادت به أسماء سينمائية مغربية رفيعة من قبيل “فاطمة بوبكًدي” مخرجة سلسلة ”رمانة وبرطال”، المبدعة التي نجحت في جعل تراث البلاد الرمزي بمساحة فرجة غير مسبوقة في تاريخ دراما المغرب وبلاد المغارب والعالم العربي، ناهيك عن نقاد سينمائيين ممن يُشهد لهم بتكوينهم.

 

جدير بالإشارة الى أن مخرج ”الهايم” عضو في الفدرالية الدولية للممثلين، وكذا النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، انفتح على عالم التمثيل منذ بداية سبعينات القرن الماضي عبر عشرات الأعمال الفنية الدرامية مع مساحة واسعة من مخرجين مغاربة وأجانب كبار، فضلا عن اسهامات دولية درامية بكل من تونس والأردن ومصر والعراق وغيرها.

 

هكذا هو الممثل “نور الدين بن كيران” قامة فنية بهيبة وهوية وكاريزما وزخم وسمو وطاقة على امتداد عقود، جَمعٍ عبرها بين ممارسة وتأليف واخراج وكتابةِ وسناريو..، وهو ما اسعفه في بلورة ورش واعد له منذ بضع سنوات.

 

وعليه، ما بلغه من إسهامات أغنت نصوصها حقل الأدب المسرحي، منها ما شكل جسرا لحضور مغربي في مواعيد عدة وطنية ودولية.

 

يذكر أن في كيان الفنان عِشق حتى النخاع للفن عموما والمسرح خاصة منذ سبعينات القرن الماضي، وهو ما ارتبط به في مسقط رأسه تازة كواحدة من قلاع مسرح مغربي مكافح.

 

وفي رصيده أيضا أزيد من خمسين عملا مسرحيا، وهو من اعضاء فرقة “اللواء المسرحي” بالمدينة نفسها باعتبارها فرقته الأم، أسس نهاية ثمانينات القرن الماضي جمعية “الكوميديا”، وفي أواسط تسعيناته أسس رفقة دربه فرقة “المسرح البلدي” التي ترأسها لحوالي عقدين من الزمن، وهي اطار جمعوي درامي تازي سمح له من خلال جملة اعمال مسرحية بتقديم عروض عبر عدة مدن مغربية ودول عربية، فحصل على ما حصل ونال ما نال من جوائز وتقديرات وطنية ودولية في المجال، تلك التي شملت جملة مستويات ضمن ما هو تأليف وتمثيل واخراج وسينوغرافيا

 

وكان الفنان “نور الدين بن كيران” قد اختير كأحسن ممثل لعمل مشترك مغربي تونسي أواخر ثمانينات القرن الماضي، كما شارك في عديد أعمال ونصوص مسرح كبار الكتاب والمخرجين المغاربة بعدة محطات عربية، حاز فيها على جوائز عدة تخص ما هو تشخيص وتأليف واخراج.

 

له فيلمين قصيرين متميزين، فيلم “الهايم” الذي تم تصويرة كما سبقت الاشارة في مدينة “تازة” و”جرسيف” مع نخبة فنانين وفنانات، وقد حازت التجربة على جوائز وطنية ودولية عدة، وأما الثاني فهو “رقص على الأشواك” وقد تم تصويره بجماعة “عين الشعير” بإقليم “فكًيكً” نواحي مدينة “بوعرفة”، وهو من انتاج المرحوم “عبد الله بعزيز”، إخراج “نورالدين بن كيران”، تشخيص نخبة مبدعين ومبدعات.

 

وقد حضر عددا من الملتقيات والمهرجانات كعضو لجنة تحكيم وكمدير فني وكعضو منظم.

 

ولعل للأستاذ “نور الدين بن كيران” جملة إصدارات أدبية فنية درامية، منها “خيط من دخان الذاكرة أو الطفل الذي” وقد صدر سنة 2014، ثم “بين بحر ومولد حلم”، وهي أعمال مسرحية، وقد صدر سنة 2017، وله تحت الطبع أعمال قصصية موسومة ب” أحكي يا أيوب” ثم “الأبواب الموصدة” بتقديم من الاستاذ الشاعر “علي الرباوي”.

 

أما كتابه “بالأبيض والأسود”، هذه السيرة الذاتية التي صدرت مؤخرا، فهو الذي حضر وأثث “أيام تازة الثقافية التي تنظمها المديرية الاقليمية للثقافة، وأيضا شهر التراث واليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف.

 

من خلال حفل تقديم وتوقيع وقراءة على ايقاع حضور نوعي من مبدعين ومسرحيين ومثقفين وباحثين فضلا عن ناشئة من الجيل الجديد.

 

ولعل حفل التوقيع هذا كان التفاتة مستحقة ليس فقط بالنسبة لِما تضمنته سيرة الفنان من اشارات ومعطيات ومحطات بقدر كبير من الاهمية في علاقتها بذاكرة تازة وتراثها اللامادي، وغنما أيضا لِما أسداه الاستاذ والفنان “نور الدين بنكيران” من خدمات رفقة عدد من الأسماء من ابناء المدينة المتميزين لفائدة المسرح والحركة الابداعية بتازة عموما على امتداد عقود من الزمن.

 

وعليه كان حفل توقيع سيرة هذه الأخير الذاتية أنيقا رصينا، وكانت الورقة والقراءة العميقة بالمناسبة التي قدمها الاستاذ الأديب الروائي “عبد الاله بسكًمار”، رئيس مركز “ابن بري للدراسات والابحاث وحماية التراث”، سفرية عبر شاطئ كتابة وتأمل وبوح وأثر وشهادة وحكي لذى الفنان “نور الدين بن كيران”.

 

بحيث قادت سيرة هذا المسرحي السينمائي العصامي حضور الحفل، الى عوالم تازة واغوارها والى مسارات تموجات نشأة ودروب وأحلام وغيرها، والى موعد مستحق لأحد اعلام مسرح تازة، فكان الحفل رفيعا والقراءة بهية والتوقيع والشهادات مؤثرة صادقة، منها تلك التي تفضل بها مسرح تازة وذاكرة مسرح تازة عبر كل من الفنان “عبد الحق بوعمر” و”محمد بلخدير”.

 

يذكر أن حفل توقيع كتاب “بالابيض والأسود” للفنان المسرحي “نور الدين بنكيران” قد أقيم بقاعة الندوات بالمديرية الاقليمية لوزارة الثقافة بتازة، مساء 29 أبريل الأخير، تزامنا مع عرض مسرحي بالمدينة بعنوان ”المنسية”، وهو عمل درامي من تأليف “نورالدين بن كيران”، سينوغرافيا واخراج “عبد الرحيم النسناسي”، تشخيص الفنانة “أمينة بطاش”، تقديم وعرض وتشخيص فرقة “القناع الأزرق للمسرح والثقافة” بمدينة الجديدة.

 

ولعلها من الفرق والتجارب الدرامية المغربية النشيطة التي يعود تأسيسها لنهاية ثمانينات القرن الماضي، والتي توجد على ايقاع إسهامات وتراكمات رفيعة عدة، فضلا عما يطبعها من إشعاع وتفاعل وتقاسم إبداعي مسرحي وطني وعربي.

التعليقات مغلقة.