النظام العسكري الجزائري والإعلام الاسترزاقي

الحسن اعبا

بين السياسة و الاسترزاق خيط رفيع، و مساحة واسعة، و تقاطع لا يمكن إلا أن يفضي إلى المجموعة الفارغة بمفهوم الرياضيات، فرغم أن القاعدة تقول ”لا مقارنة مع وجود الفارق” إلا أن ما شاع مؤخرا من ممارسات بعيدة كل البعد عن الممارسة السياسية النزيهة.

 

حيث أضحت السياسة مهنة من لا مهنة له، و حرفة من لا حرفة له، يمارسها مجموعة من الأفراد ممن ينطبق عليهم ”إذا أعطوا رضوا، و إذا منعوا إذا هم يسخطون”.

 

كل هذا يدعونا إلى التنبيه إلى التمايز الكبير بين ممارسة السياسية كفعل مقصود وهادف يصبو إلى تحقيق مصالح الناس العليا وتدبير شؤونهم بشكل فاعل تطبعه المسؤولية الحقيقية والمحاسبة الحقة، و منطق الاسترزاق الباحث عن الاغتناء عن طريق السياسية.

 

ففي منطق السياسة، السياسة هي ما يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد، أو بتعريف ابن خلدون: ” تحمل مسؤوليّة العامّة والأفراد على مقتضى النظر الشرعيّ في مصالحهم الأُخرويّة والدنيويّة الراجعة إليّها، إذ إنّ أحوال الدنيا وما فيها ترجع كلَّها عند الشَّارِع على اعتبارها مرتبطة بالمصالح الأُخرويّة، فهي في الحقيقة خِلافة يضعها صاحب الشرع في الأرض لحراسة الدين وسياسة الدنيا به”.

 

أما منطق الارتزاق فيرى السياسة بالمنظور “الميكافيلي” حيث الغاية تبرر الوسيلة، ومن ثم تكون السياسة حسب هذا المنطق عبارة عن: ” مجال للصراع بين الأفراد والجماعات يؤدي إلى اللجوء لجميع الوسائل المشروعة، وغير المشروعة… لحل هذا الصراع”.

 

وبناء على ذلك، فالمرتزق في ممارسته للسياسة ينبغي أن يكون قوياً وماكراً حسب مقتضيات الظروف ومجريات الأحداث، ويمكنه اللجوء إلى جميع الوسائل للحصول على السلطة و ممارستها.

 

ففي الحين الذي يقتضي فيه منطق السياسة ضرورة إعادة الاعتبار لأسس النضال الصادق و النبيل المبني عن اسس التضحية والصدق والعطاء النضالي الدائم، فإن منطق الارتزاق السياسي يقتضي من صاحبه أن يكون شخصا انتهازيا ووصوليا، الغاية عنده تبرر الوسيلة، شخص يتقن فن الدهاء والمراوغة، بارع في بيع الأوهام للناس، يعرف من أين تأكل الكتف كما يقال.

 

في منطق السياسة يشكّل النّشاط الحزبي مظهرا من مظاهر تجسيد قيم الدّيمقراطية وما تحمله من اختلاف الآراء وتعدد الإيديولوجيات، والتنوع في التصوّرات والبرامج السّياسية؛ إذ يساهم إنشاء الأحزاب في إرساء مبدأ التعدّدية السّياسية، لكن وفق منطق الارتزاق، النشاط السياسي وسيلة للانتفاع، والمؤسسة الحزبية ليست سوى أداة تفتح للمنخرط طريقا سهلا نحو الإثراء السريع، والوصول إلى مراكز السلطة.

 

في منطق السياسة، لا تنفك الممارسة السياسية عن الأخلاق، لوجود علاقة وطيدة بين الأخلاق والقيم والسياسة، فغاية السياسة أولا وأخيرا هي المصلحة العامة والخير العام، ولا يمكن تحقيق هذا الخير إلا في إطار المبادئ الأخلاقية.

 

لكن، ووفق منطق الارتزاق، الالتزام بالأخلاق يبقى هو الحلقة المفقودة في العمل السياسي الذي أصبح رمزا للنفعية والانتهازية ومنطق ”اكذب ثم اكذب… حتى يصدقك الناس”.

 

في منطق السياسة، الممارسة السياسة تنطلق من الفكرة و المشروع، فالمؤسسة الحزبية، هي عبارة عن هيكلة الأداة الحاملة لهذا الفكر والمتحركة به في الواقع ومحيطيه: السياسي والاجتماعي، و المناضل متطوع مقتنع هذا المشروع يسعى إلى إقناع الناس به، أما وفق منطق الارتزاق فالفكرة مرتبطة بالمصلحة الشخصية، و المشروع الوحيد قدر المال المحصل من وراء تلك الممارسة.

 

و لهذا تراهم يغيرون لونهم السياسي بطريقة حربائية تعكس الطابع الانتهازي والمصلحي لهؤلاء خاصة عند بعض المحطات الانتخابية التي تتفجر فيها الخلافات السياسية وحروب التزكيات، وهو ما يجعل ذلك الترحال عندهم طريقا للبحث عن المصالح ولا علاقة له بالقناعات أو الاختيارات السياسية، كما أن تجمعهم تحت لون أو رمز سياسي معين عادة ما يكون من غير قناعة، إنما حسب ما يذره عليهم من مكاسب مالية أو مصلحية مختلفة.

 

المنطق السياسي، يجعل من الممارسة السياسية مجالا للتنافس الشريف، و التدافع بين البرامج المختلفة سعيا لخدمة الوطن والمواطنين، في احترام تام لقيم التنوع والاختلاف والتعددية السياسية باعتبار ذلك من مظاهر الممارسة الديمقراطية.

 

في منطق الاسترزاق، الممارسة السياسية لا تسعى لتحقيق إنجاز ما، وإنما خلق معادلة صفرية إما الانتصار الكاسح أو الهزيمة النكراء، دون التفكير في خيارات أخرى..، بل إنها ممارسة تخضع لرؤية عدمية لا تفكر فيما يعود بالنفع للمجتمع والوطن، بقدر ما يكون الهدف الوحيد هو مراكمة أكبر قدر من المنافع الذاتية، ولذلك تستعمل هذه الممارسة حزمة من الشعارات والمقولات العاطفية في الفضاء الاجتماعي والإعلامي، التي تتناغم وعواطف الناس المجردة، دون قدرة فعلية لديها لتحقيق إنجاز سياسي.

 

لذلك ترى هؤلاء المرتزقة عوض سلوك الخطاب السياسي الواقعي المبني على الصدق والوضوح، فإنهم يلجؤون إلى خطابات جوفاء تستعمل مصطلحات التشويه والتبخيس والمساومة، يقول القول ونقيضه، بل قد يصل الارتزاق عند بعضهم حدا فاحشا من السلوك، فتراه يعمل عكس إرادته، ينتظر ما يملى عليه ليكتب أو ينتقد أو يهجم، أو يلفق تهمة لبريء، أو بحسب الظاهرة الجديدة يختلق موضوعا لإرسال مباشر(لايف).

 

هؤلاء تراهم يلتفون حول أشباه السياسيين الفاسدين ممن لا يتورعون عن بذل المال بسخاء للوصول إلى مآربهم الدنيئة، و ماذا نتوقع من سارق المال العام غير أن يتمادى بالسرقة للرأي العام، والشهرة والإطراء من المديح الذي لا أساس له.

 

إنها مظاهر تعبر عن انهيار القيم عند الإنسان المرتزق وموت ضميره…، بل هي ظاهرة تبدأ بإرادة وتتحول إلى سلوك، يعبر عن مرض في القلب وشلل في العقل، وافتقاد للإرادة.

 

لكن هيهات هيهات، فإرادة الشعوب أقوى من إرادة الفساد، وسلوك الحق والمعقول أبقى من سلوك الالتواء والباطل، ولن يلبث أن يصدم منطق الارتزاق بجبل الوعي الصاعد في المجتمع، الرافض للفساد بكل أنواعه، وقد جربت العديد من وسائل الارتزاق المستعملة اليوم لكنها باءت إلى الفشل وخاب ظن أصحابها، وما مسيرة “أولاد زروال” عنا ببعيد.

 

فعلى أصحاب منطق السياسة من كل الألوان، نساء ورجالا المزيد من الحذر وعدم اعطاء فرصة للأعداء لتشويه كلمة نبيلة اسمها “النضال” الفكري والسياسي والحقوقي والثقافي.

 

وتجاوز منطق اللحظة المتوقف على منطق المكسب والخسارة العددية، إلى منطق تحصين التجربة الديمقراطية وتثبيت الاختيار الديمقراطي.

 

إنه مشروع ممتد في الزمن، عميق في الأثر، متواصل من طرف مختلف الأجيال، وهذا ما يعطي لكلمة السياسة معناها النبيل على حد قول “بن كيران”: ”السياسة مجال للعطاء بلا حدود“، ويجعلنا نميز بين العيش من السياسة أو من أجلها.

 

في كل يوم يجتهد الإعلام الجزائري، ومن ورائه موجهه السياسي، في أن يكون «الأول» في أمر ما… يهمه أساسا، في أن يكون أفضل من المغرب، فقط أن يكون «أحسن» من المغرب في أي أمر…، ويجتهد في أن يكون «أعلى» من المغرب في أي ترتيب دولي… لأي فعالية أو ممارسة إنسانية واجتماعية.

 

إن « البرودة، ملحوظة في خطاب السياسة الخارجية الجزائرية، هذه الأيام…، التوسع النوعي والكمي للانحياز الدولي للموقف المغربي، الوطني والوحدوي…، التوسع المفحم بمبادراته وبمقترحه السلمي… والذي بات «ثقافة» سياسية ومرجعية، دولية، لمواجهة المنازعة الجزائرية حول الصحراء المغربية…

 

نعم هي انتصارات ديبلوماسية مغربية، وقد بدأت آثارها تتبدى في الخطاب الجزائري، النظامي، في شكل تجاهل «موضوع الصحراء» وتناسيه، من «قائمة» مكتسبات، مفاخر وبطولات الرئيس ونظامه.

 

إن «خيبات الدبلوماسية الجزائرية في مكابراتها ضد المغرب، هي تعبير عن اختلالات في النظام السياسي كله…، ليست الديبلوماسية سوى امتداد أو انعكاس للتدبير السياسي للدولة»، مضيفا أن « النظام الجزائري جعل معاداة ومعاكسة المغرب، جاره، منطلق سياسته التدبيرية… مبتدؤها وخبرها… بحيث أضحى «مدمنا» عليها…، منشغلا بها على مصالح الشعب الجزائري…، بل بها يعزل نفسه عن الشعب… إلى درجة حاجته «للم الشمل»… في محاولة لرتق ما مزقه من نسيج التضامن الوطني

 

ولأن النظام السياسي كله فاشل في تلك «المعاداة» دبلوماسيا، يلجأ إلى خطاب الزهو والمكابرة والتباهي… وحتى بالتصابي… يداري به الهزات الارتدادية لفشله، على داخله وعلى أركانه (…) ولا بالمفاخرات ولا بافتعال الأسبقيات أو اختلاق الريادات… ليس بذلك سيواجه أزماته… مع شعبه وفي علاقاته الخارجية“.

 

وكخلاصة عامة يمكن القول ان الإعلام الاسترزاقي الجزائري لديه عقدة مع كل ما هو مغربي ثقافيا سياسيا واقتصاديا.

التعليقات مغلقة.