قراءة في رأي CESE حول الحياة الجمعوية بالمغرب

الحبيب عكي

في إطار إحالته الذاتية رقم 28/2016، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) رأيه حول الحياة الجمعوية وديناميتها وعوائقها بالمغرب، رأي دبجه في البداية بمقدمة وملاحظات عامة حول البيأة الجمعوية من مختلف جوانبها التأسيسية والمؤسساتية، التشريعية والتنظيمية..، ليختمها بتوصيات متعددة وجهها إلى جميع أطراف هذه الحياة الجمعوية من سلطات وجمعيات، مؤسسات وجماعات.

 

وهكذا رأى المجلس في البداية أن الجمعيات تلعب دورا أساسيا في المجالات المرتبطة بالتنمية والتضامن الاجتماعي والدفاع عن حقوق الإنسان..، ولهذا تحظى باعتراف قانوني ودستوري متزايد.

ولكن، هناك إجماع بين مختلف الفاعلين على أن الإطار القانوني المنظم لعمل الجمعيات في المغرب (ظهير 1958/تعديل 1973/تعديل 2002) لم يعد يتلاءم مع واقع  وحاجيات الجمعيات.

فدستور 2011 مثلا، ارتقى بالجمعيات والعمل الجمعوي إلى مستوى الشريك الاستراتيجي والأساسي في الديمقراطية التشاركية وبالتالي من حقه وواجبه المشاركة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات الترابية المنتخبة والسلطات العمومية، بل والمشاركة في تفعيلها وتقييمها في إطار التشاور العمومي المنظم (الفصل 139 من الدستور).

ولكن الإشكال الحائل دون ذلك والعائق له يظل في رهان تفعيل أحكام الدستور من جهة، ومن جهة أخرى، في رهان المشاركة الفعلية للجمعيات.

 

وهذا لا يزال بعيد المنال رغم ما نظم من أجله من مبادرات وديناميات على رأسها: دينامية إعلان الرباط أبريل 2012 وقد شاركت فيها أكثر من 3000 جمعية. والدينامية الحكومية 2013 الموسومة بالحوار الوطني حول المجتمع المدني الذي نظمته آنذاك الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.

ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) أن البيئة الجمعوية بالمغرب ورغم مكتسباتها وتنامي عدد الجمعيات وتنوع أشكالها واهتماماتها، وتنوع مجالات عملها وأدوارها الطلائعية، إلا أنها تتسم عموما بالعديد من الجوانب المقيدة والمعرقلة والمحبطة نذكر منها: 

  • ندرة المعطيات الإحصائية حول الجمعيات وعدم تحديثها ولا انتظامها.

  • تزايد في عدد تأسيس الجمعيات (260 ألف)، خاصة منذ بداية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005.

  • عدم تصنيف الجمعيات وعدم استيعاب بعضها كجمعيات مغاربة العالم.

  • تجاوز بعض السلطات للنظام التصريحي بتأسيس الجمعيات وتجديد مكاتبها، بطلبها وثائق إضافية،امتناعها عن تسلم الملف، عدم تسليمها الوصل المؤقت أو النهائي أو هما معا..

  • القوانين التنظيمية (14/44 و14/64) جاءت مخيبة للآمال ولا تستجيب لانتظارات الجمعيات في لعب أدوارها الدستورية الجديدة في تقديم العرائض والملتمسات..

  • عدم إخراج المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي إلى حيز الوجود، ولا تفعيل الفصل 139 من الدستور وما يقضي به من آليات تشاركية لتنظيم الحوار والتشاور العمومي بين السلطات والجماعات والجمعيات.. 

  • غياب شروط كفيلة بخلق شراكة متساوية بين الدولة ومؤسساتها والجمعيات ومشاريعها، قائمة على منطق المماثلة والشفافية والتمكين.

  • إشكال الموارد المالية وشحها وثقلها الضريبي مما يحول دون نجاح الأنشطة ولا تشغيل المؤهلين ولا الانفتاح على مشاريع جمعوية طموحة.

  • غياب قانون التطوع في المغرب والتمييز بين الجمعوين الأجراء والمتطوعين بالمجان، وما يحميهم عند ممارستهم لأعمالهم الجمعوية.

  • الرقمنة واستخدام تكنولوجيا المعلومات للاتصال والتواصل، لا تتوفر عند كل الجمعيات ولا عند أعضائها ما تتطلبه من تكوينات ومهارات.

وعليه،فقد أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) العديد من التوصيات همت مختلف جوانب العمل الجمعوي من التأسيس والتشريع والتنظيم والموارد المالية والبشرية والشراكة والمنفعة العامة والحكامة..، وجهها كما قلنا إلى مختلف أطراف العمل الجمعوي والفاعلين في الحياة الجمعوية من سلطات ومؤسسات و جماعات وجمعيات..، سنذكر منها بعض التوصيات التي لا تزال في الحقيقة في حاجة ماسة إلى الترافع الجماعي من أجل تفعيلها،

ومن ذلك: 

  • تعميق التفكير في اعتماد تصنيف الجمعيات (جمعيات خدماتية/ جمعيات ترافعية/ ج. خدماتية ترافعية).

  • منح صفة المنفعة العامة للجمعيات الخدماتية الاجتماعية ودعم المعوزين ومحاربة الهشاشة والفوارق (إعانات نقدية وعينية.. محلية جهوية ووطنية.. مقرات وموارد ولوجستيك..).

  • تعزيز النشر المنتظم للمعطيات والدراسات حول الجمعيات من طرف الجهات الرسمية (الداخلية/الأمانة العامة للحكومة/المندوبية السامية للتخطيط..)  وغيرها من الجهات المدنية والأكاديمية.

  • الاعتراف بجمعيات مغاربة العالم باعتبارها محاورا أساسيا في الإشعاع الوطني والديمقراطية التشاركية مع الجمعيات الوطنية والجماعات الترابية.

  • دراسة الوضعيات الخاصة بالجمعيات المهنية والاتحادات الموضوعاتية والفدراليات الرياضية..

  • ضرورة ملاءمة ظهير 1958 مع مقتضيات دستور 2011، وتأطير ممارسة الديمقراطية التشاركية من خلال إطار قانوني مناسب وتكوين المنتخبين والجمعويين.

  • الإنصاف في مجال الولوج إلى المعلومة والتمويل والشراكة على قدم المساواة والشفافية.

  • تقديم رؤية واضحة للشراكة بين الدولة ومؤسساتها وبين الجمعيات ومشاريعها، تحترم فيها التوجهات الاستراتيجية للجمعيات.

  • إعفاء الجمعيات من واجب التسجيل والتمبر، واحتساب منح المؤسسات والشركات للجمعيات باقتطاعها من المستحقات الضريبية عليها. 

  • وضع قانون التطوع بالمغرب وفرض التأمين لحماية الجمعويين مما يهددهم من أخطار وحوادث خلال ممارستهم لأعمالهم الجمعوية.

  • تنمية روح التطوع بتدريسه وسط الأطفال والتلاميذ واعتباره في انخراط الشباب في الدراسات العليا والوظيفة العمومية.

  • اهتمام الجمعيات بالحفاظ وتنمية مواردها البشرية بالتكوين اللازم والمستمر عبر الإشراك الفعلي والتداول على المسؤوليات، واحترام قانون الشغل بعدم التمييز ضد النساء وذوي الاحتياجات الخاصة..

  • ضرورة الرفع من قيمة الدعم المقدم للجمعيات في الكم والامتداد الجغرافي والزمني، مع وضع آليات لتدبير حالات تضارب المصالح وحالات التنافي.

  • الاهتمام بتنمية قدرات الجمعيات، وفي نفس الوقت تعزيز قدرات المؤسسات والجماعات على تتبع وتقييم أداء الجمعيات وشفافية التعامل معها.

  • تنمية الرقمنة واستعمال تكنولوجيا المعلومات، مواقع وصفحات.. منصات وتطبيقات.. قصد الاتصال والتواصل وضبط أعمال وخدمات وعلاقات وملفات وأرشيف الجمعيات.

هكذا إذن، كل التشخيصات كانت دقيقة وواقعية، ولا زالت تعرقل سير العمل الجمعوي بالبلاد وتحول دون تحقيق ما يحققه نظراؤه من الأعمال الجمعوية في العديد من الدول التي أصبحت لها محامل تنموية وحقوقية مسعفة.

ومجمل التوصيات التي قال بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE)، كما قال بها غيره من المجالس، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، وقبلهم وبعدهم كل المناضلين الجمعويين اليقظين.

ها قد مر على قول الجميع وترافعه الصارخ ما يقارب العقد من الزمن المهدور دون الاستماع لأحد ولا الأخذ برأي أحد في الغالب، مما يطرح سؤال المعنى والمبنى في العمل الجمعوي، ويطرح بالتالي سؤال إلى متى سنظل في أحيان كثيرة نسمع الجعجعة الفلكلورية ولا نرى الطحين الجمعوي الحقيقي، وكان بالإمكان؟. 

التعليقات مغلقة.