أحداث الغابون وأثرها على الاقتصاد الفرنسي

محمد حميمداني

أرخى انقلاب الغابون بأجوائه على الاقتصاد الفرنسي، فسيطرة العسكريين على السلطة في الغابون ستشكل متاعب اقتصادية لفرنسا التي فقدت العديد من مصالحها في إفريقيا لفائدة روسيا والصين فضلا عن الخسائر السياسية المتلاحقة.

 

الخسائر السياسية بدت واضحة منذ الآن، والآثار الاقتصادية آتية وستكون موجعة لفرنسا، فكيف ستؤثر أحداث الغابون على الاقتصاد الفرنسي؟

مع انقلاب الغابون فقدت فرنسا إحدى أوثق حلفائها في وسط أفريقيا، وعزز هذا الوضع الكارثي الذي تحصده فرنسا فقدانها السيطرة على مجموعة من القلاع التي كانت تعتبرها باريس حصينة، ضمنها مالي وبوركينافاسو، يزيد من تعميقه علاقات متوثرة في منطقة شمال إفريقيا، لتشكل فترة الرئيس ماكرون إحدى أحلك الفترات الرئاسية الفرنسية، بما عاشته من ارتباك في القارة السمراء ومنطقة آسيا مند عام 2019.

 

الآثار السياسية لتحولات إفريقيا على فرنسا

 

الأكيد أن أحداث إفريقيا تجاوزت الفرنسيين الذين أصبحوا غير قادرين على ضبط أسطرلابها، نظرا لتوالي الأحداث واتساعها وحملها كلها لشعار واحد عنوانه معاداة فرنسا وحضورها التذميري في إفريقيا.

 

وضع لم يجد الفرنسيين الأسلوب المناسب للتخفيف من صدماته، ولن نقول صده، ولعل ما حمله خطاب ماكرون أمام سفراء بلاده يعكس هاته الصورة، بعد أن دعا للعمل باستراتيجية جديدة لاستعادة الحضور الفرنسي التأزم.

 

الصورة كانت أوضح مع طرد الفرنسيين من كل من مالي وبوركينافاسو، ولاحقا النيجر، التي كانت تعتبرها فرنسا ملعبا لا منافس فيه، والآن جاء الدور على أوثق حلفائها، والأمر يتعلق بالغابون. 

 

تحالف فرنسا مع عائلة بانغو التي حكمت الغابون مدة 56 عاما أمر واضح والعسكريون أطاحوا بالعائلة وبالتالي بهذا التحالف والمصالح الفرنسية بهذا البلد الإفريقي. 

 

فالديمقراطية في العرف السياسي الفرنسي تعني مصالحها، لا يهمها شكل النظم القائمة، فهي بخير ما دامت المصالح محمية ومستفاد من نتائجها.

 

وفقدان الغابون الذي تحاول فرنسا منعه من خلال مجموعة من الأدوات هو للحفاظ على إحدى أعلى دول أفريقيا دخلاً، وما يصاحب ذلك من وفرة على صعيد الثروات التي تستغلها فرنسا لصالحها. 

 

أي انقلاب في لدولة تابعة للإيليزيه يعني انتكاسة لفرنسا

 

التحولات التي عاشتها إفريقيا وما تلاها من انقلابات بالنيجر والغابون هزت عرش السطوة الفرنسية على مناطق نفوذ لها بإفريقيا، ارتباطا بتاريخها الاستعماري الطويل لمجموعة من دول القارة الإفريقية، وهي الوقائع التي يشهدها المسرح الإفريقي حيث يتآكل النفوذ الفرنسي لصالح كل من الصين وروسيا. 

 

هل سيتدخل الجيش الفرنسي لاستعادة عرش الإمبراطورية المتآكلة؟ 

 

الأكيد أن نجاح “الانقلاب” في الغابون وقبله النيجر سيزيد من تآكل الإمبراطورية الفرنسية، وسيحض دولا أخرى على نهج نفس الخطوات، ولو عن طريق الانقلاب العسكري للمزيد من هدم صرح الإمبراطورية، وما حدث في الغابون المثال الأسطع على ذلك، علما أنه أتى بعد انقلاب النيجر، وهو ما سيعقد الحضور الفرنسي وبالتالي سيحد من إمكانية ضبط كافة المتغيرات الحاصلة. 

فهل ستلجأ باريس إلى الخيار العسكري ضد عسكريي الغابون، علما أنها تمتلك هناك واحدة من أكبر قواعدها في أفريقيا، وهي قاعدة “شارل ديغول”، التي تضم ما بين 400 ألى 500 جندي فرنسي، وهو ما مكنها من حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة.

 

وسبق لفرنسا أن تدخلت عسكريا عام 1964 لإعادة “ليون مبا” إلى منصبه خلال 48 ساعة بعد الانقلاب عليه، كما أنها أفشلت الانقلاب على علي بونغو نفسه عام 2019. 

 

أفريقيا البارحة ليست إفريقيا اليوم وهناك عداء كلي لفرنسا في الداخل الغابوني

 

البارحة ليست كاليوم ففاتورة أي تدخل فرنسي ستكون كبيرة وتبعاته لا تعرف نتائجها، لن تستطيع فرنسا تحملها في ظل ارتفاع منسوب العداء لوجودها في إفريقيا، وكمثال على ذلك انخراط مالي وبوركينافاسو في الدفاع عن النيجر ضد أي اجتياح أو تدخل.

فالأفارقة أصبحوا واعون بأن فرنسا تنهب ثرواتهم فيما هم يعانون الويلات، وأسطع مثال على ذلك مدافن النفايات النووية في شمال النيجر، بما يعني تشكل وعي إفريقي بأن الأرواح الإفريقية لا قيمة لها في القاموس السياسي الفرنسي، وهو ما نقلته جريدة وول ستريت جورنال التي قالت إن الداخل الغابوني يحمل رأياً سيئاً للغاية عن فرنسا.

 

تبعات انقلاب الغابون على المصالح الاقتصادية الفرنسية

 

السعار الذي أصاب فرنسا من انقلاب الغابون يأتي من نوم هذا البلد الإفريقي على خيرات هامة، إذ تعدّ الغابون واحدة من أهم منتجي النفط في أفريقيا، إضافة إلى تمتعها بثروات هامة أخرى كالمنغنيز والخشب، والأراضي الواسعة الصالحة للزراعة ومنفذ حيوي على البحر، ومع وجود هاته الخيرات المستغلة من قبل الشركات الفرنسية حتى السكك الحديدية منها فالمواطن الغابوني يعيش الفقر. 

الحضور الاقتصادي واستغلال خيرات البلدان التابعة لفرنسا واضح، فعلى سبيل المثال فقد اشترطت فرنسا على بنوك دول مجموعة “سيماك” المرتبطة بعملتها إيداع 65% من أموالها لدى البنك الفرنسي، بما يحمله هذا الأمر من دلالات، والتي تعني المزيد من تكريس تبعية هاته الدول لفرنسا.

 

تأثير أحداث الغابون على مؤسسات اقتصادية فرنسية هامة

 

ما أن تم الإعلان عن الانقلاب على حكم علي بونغو  أعلنت عملاق التعدين الفرنسي “إيراميت”، أنها ستعلق أنشطتها في البلاد مبررة القرار بـ”حماية سلامة موظفيها وسلامة منشآتها”؛ علما أن المجموعة أصبحت بفضل مواردها المتحصل عليها من الغابون أكبر منتج للمنغنيز في العالم، والذي يمثل نحو 70% من دخلها التشغيلي. 

 

إعلان الشركة تسبب في تهاوي أسهمها التي فقدت أكثر من 16% من قيمتها في بورصة باريس، علما أنها تنشط في مجالات الاستخراج، وتشغيل خط السكك الحديدية، وهو ما فرض عليها العودة للعمل لتلافي الانهيار.

كما أن أسعار النفط عرفت ارتفاعا في اليوم التالي للتحول في السلطة في البلد، علما أن الغابون يعد رابع أكبر منتج للنفط في دول جنوب الصحراء الأفريقية، نتيجة أوضاع هذا البلد وعوامل أخرى، لتزيد من مصاعب اقتصاديات العالم بعد الهزات التي عرفتها الأسواق العالمية نتيجة الحرب في أوكرانيا.

كما تأثرت المجموعة الفرنسية الرئيسية الأخرى العاملة في الغابون، والأمر يتعلق ب”توتال إينيرجيز” بالوضع القائم، علما أنها تنتج النفط في الغابون منذ أكثر من 80 عاماً، ويعمل لديها ما يقارب من 350 موظفاً، مع إنتاجية يومية تبلغ 17000 برميل، كما أنها تمتلك شبكة مكونة من 45 محطة خدمة في جميع أنحاء الغابون.

التأثير سيطال أيضا قرابة 110 من الشركات الفرنسية العاملة بهذا البلد، والتي تنتج مبيعات تقدر بنحو 3.23 مليارات يورو، بحسب ما أورده موقع وزارة الخارجية الفرنسية.

 

الغابون سوق للصادرات الفرنسية

فضلا عن تأثير الإنتاج فصادرات فرنسا لهذا البلد هامة حيث أصبحت الغابون عام 2022 أهمّ وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الستّ الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا، ومثلت سوقاً للمنتجات الزراعية والسلع الرأسمالية وحتى المنتجات الطبية والتي ستتأثر لا محالة بالوضع الجديد القائم. 

التعليقات مغلقة.