فرنسا المنبوذة ولعنة إفريقيا

هدى التسولي

طبعا كلنا شاهدنا منذ شهور ما آلت إليه فرنسا المطرودة من القارة الإفريقية من دولة لأخرى وكأن اللعنة الإفريقية حلت بفرنسا في القارة السمراء.

 

 

بدأ الربيع الإفريقي من غينيا ومالي والنيجر فبوركينافاسو، أي بإفريقيا الوسطى إجمالا وصولا الى كل بلدان إفريقيا مستقبلا.

 

فرنسا المنبوذة ولعنة إفريقيا
هدى التسولي

 

عدوى التحرر و نفض غبار الإستعمار الفرنسي اجتاحت كل القارة و بات انتهاء سرقة خيرات إفريقيا حقيقة وواقعا مفروضا، لكن كيف تم سحب البساط السحري فجأة من تحت قدمي فرنسا دون أن تشعر بذلك؟ وأين دور الإستخبارات الفرنسية وقوتها؟

ليس من السهل أن توجه ضربة قوية كهذه لدولة لها تاريخ استعماري حافل بالمنطقة وسيطرة شبه تامة على السياسة والاقتصاد والثقافة، لا بد أن هناك قوى جديدة أصبحت تضاهي وتنافس فرنسا على مستعمراتها وممتلكاتها، حسب رأيها.

فرنسا التي عاشت وانتعشت على حساب دماء وأرواح الأفارقة والتي لم ترحم الشعوب المستضعفة منذ أكثر من مئة سنة ممارسة نهب ثرواتها من ذهب وفضة وأغلى المعادن النفيسة بل وأكثر مما نتوقع.

هل تعلمون أن فرنسا دون اليورانيوم بإفريقيا هي مظلمة بلا أضواء ولا كهرباء؟ هل تعلمون أنها من دون غاز إفريقيا كالصقيع ميتة من شدة البرد؟؛ لم يكن في حسبان فرنسا أن يأتها يوم عسير، بل أعوام قحط ملعونة عليها.

 

 

فرنسا تحصد عداوات أينما حلت وارتحلت من آسيا وأوربا وإفريقيا

 

 

كان على فرنسا ألا تحصد الأعداء أينما حلت وارتحلت من آسيا وأوربا وإفريقيا، إلا أن الدبلوماسية الفرنسية الماكرونية أكدت فشلها عبر العالم كله حيث لم تجن سوى الأزمات الاقتصادية والسياسية بل وحتى داخل فرنسا نفسها لم تسلم من هاته الهزات حيث عبرت عن فشلها اقتصاديا واجتماعيا، وكادت أن تنتقل لحرب أهلية طاحنة طويلة الأمد.

وهنا كان عليها الوقوف و مراجعة أوراقها، لتجاوز الخطأ الذي ارتكبته القيادة الفرنسية الاستعمارية التي لا تقيم حسابا لأحد، ولا تدرس عواقب قراراتها، والتي من المطلوب أن تراجع التوجهات السياسية للدولة العميقة، أي التحول 360 درجة.

من الحمق أن تكون فرنسا دائما في الصفوف الأولى للدفع بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم الإستجابة لمطالب روسيا والتشجيع على خوض الحرب عليها مطالبة بفرض عقوبات دولية ثقيلة وعزلها اقتصاديا…

كان بإمكانها كبح مشاعر الكره والحقد والتصرف بعقلانية كباقي دول العالم وترك الأمور تأخذ مجراها القانوني، لكن فرنسا لا تستطيع إلا أن تحشر أنفها في أي كارثة ومصيبة في العالم.

 

الروس وإثقان لغة الانتقام من الغذر الفرنسي طرد هاته الأخيرة من إفريقيا

 

 

روسيا لن تنسى ولم تنسى لفرنسا تحريض العالم كله ضدها، وها هي قد وفت بوعدها وانتقمت منها شر انتقام، حيث استطاعت بواسطة “جيش فاغنير” وبفضل اسخباراتها القوية أن تطرد فرنسا شر طرد من إفريقيا ومن دولة تلو الأخرى، بل وكسب الروس تعاطف الدول الإفريقية معها، طبعا مقابل تأمين بعض احتياجات هاته الدول من المواد الغذائية وبالمجان، ولربما أشياء أخرى لا ندري بها ضمن الاتفاقيات السرية التي أجرتها روسيا مع زعماء بعض الدول الإفريقية، فكان من الطبيعي جدا قلب أنظمة تلك الدول التي كانت فرنسا تعتبرها مستعمرات وملحقات لها.

لقد خسرت الملايير من الدولارات إثر بثرها وقطع رأسها كالأفعى، وتم محو وجودها وبشكل مخجل ومهين اقتصاديا وسياسيا من على الخارطة كليا، ومحاولات فرنسا لاستدراك بعض مما فقدته باءت بالفشل، بل أن فرنسا حاولت الحضور ولو كأي شريك اقتصادي عادي، إلا أن تلك الدول رفضت التعامل معها، بعدما كانت المتصرف الوحيد والمتحكم الأوحد في كل الثروات الطبيعية لإفريقيا،…فعلا يا لسخرية الأقدار!

 

 

الخبراء يراقبون كيفية خروج فرنسا من عنق الزجاجة الإفريقي

 

 

في الوقت الراهن الكل يراقب و يتتبع خطوات فرنسا للخروج من هاته الوضعية الشادة، ويتساءلون عن كيفية خروج فرنسا من هذا الوضع والمأزق التي وجدت نفسها فيه، فهي تحت مجهر المراقبة العالمية، حيث أصبحت تطوف حول نفسها كالبهلوان، كيف لها أن تعود لإفريقيا بعد طردها واستبعادها وحرق العلم الفرنسي في جميع السفارات، بل وإجلاء مواطنيها وجيشها…، صراحة موقف لا نحسد حسد عليه وجدت فرنسا نفسها فيه.

ممكنات التصالح مع إفريقيا مستبعدة، والشعوب تطالب فرنسا بتعويضات مادية خيالية عن استغلالها لخيراتها، وبطبيعة لا طاقة لفرنسا لرد هاته الديون الشعبية وآداء فواتير الحروب الأهلية داخل معظم الدول، هذا فضلا عن أرواح الجنود الأفارقة الذين استغلتهم فرنسا سواء للسطو على المناجم والحقول أو لبلوغ مآربها الشخصية.

ففرنسا لم تترك شيئا واحدا قد تشكر عليه مثل باقي الدول الاستعمارية الأخرى كإصلاح البنيات التحتية وبناء الطرق والجسور وتشييد المدارس والمستشفيات…

 

 

خسارة فرنسا لإمكانات إفريقية هامة

 

 

إمكانات إفريقيا كبيرة، إذ لديها من الخيرات و الكنوز الشيء الكثير ولربما لا تملكها باقي القارات، فهي غنية بمناجم الذهب والمعادن الثقيلة التي تستخدم في عدة الصناعات منها النووية، مثل اليورانيوم وغيرها..

كما أن إفريقيا تقع فوق أكبر فرشة مائية في العالم، في وقت أصبح العالم يعيش على وقع أزمة المياه والمتغيرات الدولية نتيجة الحاجة لهاته المادة الحيوية ستجعل الصراع العالمي المقبل صراعا وحروبا من أجل المياه، وليس حروب بترول وغاز.

 

 

فرنسا تحاول ترقيع أعطاب سياسة ماكرون، فهل تنجح؟

 

 

أكثرت الخارجية الفرنسية، مؤخرا، من لغة الاعتذار في عدة ملفات لتصحيح الأخطاء الماكرونية المرتكبة والتي مرجعها طيشه واستهتاره ولامبالاته وعيشه وسط فضاء من الوهم بأن فرنسا لا زالت تمتلك الحق في تقرير مصير الشعوب الناطقة بالفرنسية وأن عليها تقديم الولاء والطاعة.

فشل السياسة الفرنسية عالميا يؤكد فشل الاستخبارات الفرنسية في التصدي لحالة الانقلابات ضد الهيمنة الفرنسية، لأن التوجه السياسي للدولة لا يمكن فصله عن التوجه الاقتصادي.

فسياسة الدول تحبك ارتباطت بمصالحها الاقتصادية، وهنا نتساءل أين دور الاستخبارات الفرنسية في كشف معطيات الانقلابات الإفريقية قبل وقوعها و التدخل السريع من أجل إبقاء السيطرة الفرنسية، ليكون الجواب واضحا أن الاستخبارات الروسية شرسة وأكثردموية لما لها أيضا من تجارب حقيقية وحروب عديدة خاضاها سابقا، منذ مرحلة الاتحاد السوفياتي.

كما أن ن دول شمال افريقيا قد ضاقت ذرعا من التطفل والتدخل الفرنسي في شؤونها ولن ترضى ان تمد لها أبدا يد العون في محنتها هاته.

يجب التذكير في الختام بأن كثرة المتاعب والمشاكل التي أورتثها فرنسا للمغرب خلال الفترة الاستعماريةوبعدها، والسياسات التي مارستها من خلال رسم خرائط استعمارية جديدة عبر اقتطاع أجزاء من المغرب وتسليمها للجزائر وموريطانيا قبل مغادرتها مكرهة هاته الدول، اعتقادا منها أنها ستضمن استمرارية الوجود وخلق بؤر توثر تمكنها من الحضور الدائم في هاته الدول عبر إشعال النزاعات.

فخروج فرنسا من إفريقيا مقدمة لاستعادة إفريقيا للأفارقة، وحل خلافاتها بالطرق السلمية، والتفكير في إفريقيا لكل أبنائها، وفي وحدة بين شعوبها ونظمها السياسية والفكرية والثقافية والسياسية.

الأكيد أن المغرب بهاته المتغيرات سيحسم كل معارك استكمال وحدته الترابية وتعزيز سيادته على كافة ترابه الوطني واندحار كل الأفكار الانفصالية ذات الارتباط بالحضور الاستعماري الفرنسي، خاصة وأن المغرب أصبح قوة إقليمية وازنة ومفتاحا لإفريقيا وذلك باعتراف دولي.

الواقع الجديد الذي تعيشه إفريقيا والذي صدم فرنسا وأجهزتها السياسية والاستخباراتية يفرض على فرنسا أن تضع النظارات لترى المغرب جيدا، كما قال جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في خطابه التاريخي.

التعليقات مغلقة.