“غربان لا تأكل الموتى”.. رواية ترثي الانتصار

صدرت مؤخرا رواية “غربان لا تأكل الموتى”، للكاتبة المصرية دعاء جمال البادي، وتسرد فصولها سيرة عائلة المنسي التي استقرت بمدينة السويس، خلال القرن الـ19، ومآل الحفيد الذي ولد إبان هزيمة يونيو/حزيران 1967.

تتناول الرواية -عبر 219 صفحة- تبعات الحروب على البشر سواء انتهت بالهزيمة أو الانتصار.

ولدى بطل “غربان لا تأكل الموتى” قناعات نحو الحروب والغربان تؤثر على مسيرته كلها، وتضطره خيبات متتالية إلى مغادرة مدينته، ليبدأ رحلة جديدة من المعاناة بمدن عدة؛ ومع تصاعد الأحداث يتكشف له الماضي تباعا؛ وهو ما يجعله أمام واقع حقيقي وآخر مختلق.

ودعاء البادي، صحفية مصرية، فازت بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن رواية “زهرة الأندلس” عام 2019، وحاصلة على جائزة المجلس الأعلى للثقافة عن مسرحية “الرماد” عام 2023، صدر لها متتالية قصصية بعنوان “إنهم يثورون في دُرج الكومودينو” عام 2019.

وتقول البادي إن “هناك علاقة قوية بين الصحافة والأدب، فكلاهما يتكلم عن البشر ويستهدف البشر، وهناك أيضا اختلاف بينهما، فالكتابة الصحافية محكومة بقيود ما يمكن تسميته بـ”التقريرية”؛ حيث تكون اللغة جافة تجتهد نحو الحياد أما في الأدب فالكتابة حرة بلا قيود”.

وتكمل: “وهناك كثير من الأدباء الذين عملوا بالصحافة أمثال غسان كنفاني وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس”.

وتعتبر البادي أن القصة الصحفية تسعى نحو المعلومة وتغطية كافة أطراف القضية، أما القصة الروائية فتطرح مشاعر كاتبها فقط حيال الحدث، فضلا عن الاختلاف في طبيعة السرد، وتكمل: “الصحفي والروائي لا يصلحان للتأريخ، فالأول تحركه سياسات المؤسسة الصحفية التي يعمل بها، والروائي تقوده مشاعره”.

وعن مكان الرواية ونقلاتها الزمنية تعتبر البادي أن الرواية تتناول أثر الحرب على الناس -سواء انتهت تلك الحرب بالهزيمة أو الانتصار- “ولا توجد مدينة مصرية تأثرت بالحروب، التي خاضتها مصر خلال القرن الماضي، كما السويس”.

صورة الروائية دعاء البادي
الروائية دعاء البادي فازت بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن رواية “زهرة الأندلس” عام 2019 (الجزيرة)

وتعتبر الروائية المصرية أن التنقل بين الأزمة حدث من خلال البطل نفسه الذي حكى سيرة العائلة قبل أن يستطرد في حكي سيرته.

قصة حربين

وعن دافعها لكتابة الرواية تقول: “لدي قناعة أن المصريين لم يتجاوزوا حتى الآن هزيمة يونيو/حزيران 1967 رغم الانتصار بعد 6 سنوات في 1973، ورغم البعد الزمني للحربين. من ذلك انطلقت.. جميع أبطال الرواية يحملون هذه الهزيمة فوق أكتافهم ويسيرون مع الحياة، ويتأكد لهم مع كل حدث أنهم لم ينتصروا”.

ومن نصوص الرواية التي تبدو كأنها أجزاء من قصيدة شعرية، تقول إحدى شخصياتها: “إنني أتعالى، والباقون مرضى بالأرض، يُعاهدون التراب ويمضغون أجسادهم، وهناك في البعيد ظلٌّ يُخمد أعواد كبريت ويتقلَّب فوق جمر المهزلة. ثمّ ها هم الشجعان أسرى كبقايا مقتلة! إنني أتجلّى، وهُم يسكبون الدماء على ثيابي، ويضحكون، من يُهدي العيدان المنتصبة الرماد، ومن يدفع إلى المحرقة؟!”.

ويكمل النص: “ثم تصعد أصواتُهم المنجرحة بالهزيمة:

– انزل.
– ستموت.
وأزعق فيهم:

– أنتم جبناء وأنا كل الندم.
يتأسفون ويضربون كفوفهم، وأقول أيضا:
– إنني لن أعود.
لسبب ملتبس يتكورون حول نقطة غير مرئية، ويتأهبون للانفجار، في حين أنتظر مجيء الغربان لتحل المسألة”.

التعليقات مغلقة.